لماذا يهرول آلاف الأتراك نحو العملات المشفرة؟
بينما اختار الأتراك -منذ فترة طويلة- حماية أنفسهم من تقلبات الليرة، عبر الاحتفاظ بمدخراتهم بالدولار أو اليورو، تشير البيانات إلى أن بعضهم يتجه إلى العملات المستقرة، التي ترتبط بعملات صعبة أو أصول أخرى تعمل كجسر بين العملات الرقمية والعملات الوطنية.

ترجمات - السياق
كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عن تدفق آلاف الأتراك نحو العملات المشفرة، بسبب ارتفاع معدلات التضخم وتراجع الليرة التركية أمام الدولار، بسبب السياسات الاقتصادية للرئيس رجب طيب أردوغان.
ورغم حصول التركي "أورهان" على درجة الماجستير ووظيفة مستقرة، فإن أسلوب حياة الطبقة الوسطى، يشعره بأنه يتعذر عيله أن يكون جزءًا من هذه الطبقة، على نحو متزايد في السنوات الأخيرة.
إذ يشعر أورهان بالإحباط، بسبب قوته الشرائية الآخذة في التآكل، فانضم العام الماضي إلى ملايين الأتراك الذين تدفقوا على العملات المشفرة، وسط ارتفاع معدلات التضخم وانهيار الليرة التركية.
تقلُّب الليرة
ونقلت "فايننشال تايمز" عن أورهان، وهو خبير تركي في أمن الشبكات، قوله إن "الليرة متقلبة مثل عملة الشيتكوين"، وهو لفظ يشير إلى عملة مشفرة ذات قيمة قليلة أو معدومة، أو عملة رقمية ليس لها غرض فوري واضح.
وأشارت إلى أن الكلمة مصطلح "ازدرائي" غالبًا ما يُستخدم لوصف العملات البديلة أو العملات المشفرة، التي طُورت بعد انتشار عملة بيتكوين، وهو المصطلح العام بين عشاق العملات المشفرة، المخصص للعملات الرقمية الفاشلة، كما يصفها أورهان، الذي لم يرغب في نشر اسمه الثاني، مشيرًا إلى أن الليرة التركية تراجعت بنحو 45 في المئة مقابل الدولار عام 2021.
وحسب "فايننشال تايمز" حصل أورهان على ربح قدره 4000 دولار من استثماره الأولي البالغ 1500 دولار وصرف مكاسبه لشراء كمبيوتر.
وأشارت الصحيفة إلى أن أورهان ليس وحده الذي يولي اهتمامًا أكبر بالعملات المشفرة، فأعداد كبيرة من الأتراك تهرول وراءها أيضًا، في حين أن فضيحة العام الماضي، التي شهدت الإغلاق المفاجئ لبورصة تشفير تركية، تركت مئات الآلاف من العملاء غير قادرين على الوصول إلى أموالهم، ما أثار قلق السلطات التي تريد تنظيم هذا القطاع.
وعن تدخل السلطات التركية لتنظيم سوق العملات المشفرة، كان أردوغان قد قال: إن قانون العملة المشفرة سيُعرض على البرلمان قريبًا، وأضاف أن الحكومة تخوض "حرباً" ضد العملات المشفرة.
بينما قال شهاب قوجي أوغلو، محافظ البنك المركزي التركي، إلى مستثمرين أجانب الشهر الماضي، إنه "غير مرتاح" لحجم الأموال المتدفقة إلى الأصول المشفرة.
أنشطة غير مشروعة
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أن المنظمين العالميين يتشاركون هذه المخاوف مع السلطات التركية، إذ ينظرون إلى العملات المشفرة على أنها متقلبة ومضاربة، كما أن لدى الكثيرين منهم مخاوف بشأن الأنشطة غير المشروعة، مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب، التي تيسرها الأصول الرقمية.
وأوضحت أن ارتفاع استخدام الأصول الرقمية، يمكن أن يؤدي إلى إضعاف تأثير قرارات السياسة النقدية، وتقليل السيطرة الرسمية على العملات الوطنية.
وحسب "فايننشال تايمز"، كانت الصين قد حظرت "بيتكوين" وإنشاءها أو "التعدين" للحصول عليها، ويرجع ذلك إلى مخاوف من أنها ستفقد السيطرة على الأموال المتدفقة إلى العملات المشفرة.
في المقابل -تضيف فايننشال تايمز- ارتفعت شعبية "بيتكوين" في البلدان ذات العملات المتقلبة والتضخم المرتفع، ومن ثم فإن تركيا تتمتع بأكبر حجم معاملات تشفير في الشرق الأوسط، حيث توسعت الأحجام 1500 في المئة العام الماضي مقارنة بعام 2020، وفق تقرير عن اتجاهات التبني العالمية من مزود البيانات المتخصص "تشيناليسيس".
وقالت: "الأبحاث تشير إلى أن كثيرين في الشرق الأوسط، تحولوا إلى العملات المشفرة، للحفاظ على مدخراتهم ضد انخفاض قيمة العملة، وهو اتجاه نراه في الأسواق الناشئة الأخرى مثل أفريقيا وأمريكا اللاتينية"، مضيفة أن البحث يشير إلى "علاقة مهمة للغاية بين تخفيض قيمة الليرة التركية ومقدار تداول الليرة في بورصات العملات المشفرة".
الجسر
وأوضحت "فايننشال تايمز" أنه بينما اختار الأتراك -منذ فترة طويلة- حماية أنفسهم من تقلبات الليرة، عبر الاحتفاظ بمدخراتهم بالدولار أو اليورو، تشير البيانات إلى أن بعضهم يتجه إلى "العملات المستقرة"، التي ترتبط بعملات صعبة أو أصول أخرى تعمل كجسر بين العملات الرقمية والعملات الوطنية.
وأظهرت بيانات متخصص العملات المشفرة" إليبتيك"، أن أحجام تداول الليرة التركية ارتفعت 360% في الأشهر الستة الماضية من عام 2021 مقابل "التيثر"، وهي العملة المستقرة الأكثر تداولاً.
وبحسب كريبتو كومباني، شركة البيانات المتخصصة، تداول نحو 211 مليار ليرة تركية (15.8 مليار دولار) من "بيتكوين" العام الماضي، مقارنة بـ20 مليار ليرة تركية فقط عام 2020.
وقالت أليسا أوستروف، رئيسة الموظفين في كربتو كومبير: "بالنظر إلى المستقبل، نتوقع أن يزداد اعتماد العملة المشفرة في تركيا، حيث يحيط عدم اليقين بتضخم الليرة".
الأصول الرقمية
وحسب "فايننشال تايمز" كان البنك المركزي التركي أعلن العام الماضي، حظر استخدام الأصول الرقمية لإجراء المدفوعات، وفي الآونة الأخيرة، طلب المنظم المصرفي من المقرضين، منع العملاء من الحصول على قروض شخصية مقومة بالليرة، للاستثمار في العملات الأجنبية أو الأصول المشفرة.
وأشارت إلى أنه رغم تحفظ حكومة أردوغان، على مواد قانون العملة المشفرة الجديد، فإن خبراء توقعوا أن يركز القانون الجديد على تنظيم عمليات تبادل العملات المشفرة.
ونقلت عن إلكين كاراتي، الشريك الإداري في مكتب المحاماة "سولاك آند بارتنرز"، الذي شارك في المشاورات مع أعضاء البرلمان بشأن اللوائح، قوله: "بناءً على ما أفهمه، فإنهم يبحثون قانونًا يحمي مستخدمي العملة المشفرة، إذ لا أعتقد أنهم يريدون حظر العملة المشفرة".
بينما قال أونور ألتان تان، الرئيس التنفيذي لمنصة العملات المشفرة التركية، إن اللوائح ستكون إيجابية للصناعة إذا كانت "تدعم القطاع، وتحمي المستثمرين، وتسهم في الاقتصاد، وتضمن الامتثال للأسواق الدولية".
وذكرت "فايننشال تايمز" أن بعض المستخدَمين يخشون أن تسعى الحكومة إلى منعهم من إخراج عائدات استثماراتهم من النظام المصرفي التركي، حتى لو كان من الصعب إنفاذ ذلك.
وأوضحت أنه في الوقت الحالي، لم يؤدِ احتمال التنظيم إلا إلى القليل من إضعاف الاهتمام بالعملات المشفرة في تركيا، كما تعرض القنوات الإخبارية التلفزيونية أسعار "بيتكوين" و"إيثريوم" جنبًا إلى جنب مع أسعار صرف الدولار واليورو، وتُبَث إعلانات تلفزيونية خلال مباريات كرة القدم، تروِّج لميزات تبادل العملات المشفرة.
الجميع مهتمون
وعن اهتمام الأتراك بالانتقال إلى الاستثمار في العملات المشفرة، نقلت "فايننشال تايمز" عن سيما باكتاس، المؤسس المشارك لشركة كربتو وومان تيركي، التي تروِّج لمشاركة الإناث في عالم العملات المشفرة، قولها: "عندما أتحدث عن العملات المشفرة، يسأل الجميع، مصفف شعري، وسائق سيارة الأجرة، والنوادل: ما الذي تستثمرون فيه؟ الجميع مهتمون".
وأضافت أن نحو الثلث من 2000 شخص، شاركوا في دورات تدريبية تديرها مجموعتها، من ربات البيوت، وتابعت: "يقولون: زوجي يكسب أموالًا أقل وأريد الاستثمار في العملات المشفرة".
أمام هذه التطورات، أشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن السلطات التركية سعت إلى جذب الناس للعودة إلى استثمارات الليرة التركية، من خلال مخطط جديد يعد بحماية المدخرين من خسائر أسعار الصرف.
ونقلت "فايننشال تايمز" عن محللين قولهم: هذه الخطوات من غير المرجح أن تنجح، طالما ظل أردوغان يركز على إبقاء أسعار الفائدة أقل بكثير من التضخم، الذي بلغ معدلًا رسميًا قدره 36 في المئة ديسمبر الماضي، ومن المتوقع أن يرتفع أكثر في الأشهر المقبلة.
ويقول أورهان، تاجر العملات المشفرة: "بدل السعي إلى تنظيم الأصول الرقمية، ينبغي على الحكومة أن تدرس الأسباب الجذرية لجاذبيتها، يجب أن يسألوا: لماذا يهتم الناس بالعملات المشفرة؟ لماذا يخاطرون بهذا؟" وأضاف: "عندما لا يكون هناك استقرار، يبحث الناس عن حلول بديلة".