هل يستطيع وزير المالية التركي الجديد وقف نزف الليرة؟

الضغوط التي ظل يمارسها أردوغان على البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة الرئيسة، استنادًا إلى نظريته غير التقليدية بأن ارتفاع أسعار الفائدة تتسبب في ارتفاع التضخم، أدت إلى تأجيج السقوط الحر لليرة

هل يستطيع وزير المالية التركي الجديد وقف نزف الليرة؟

ترجمات - السياق

بعد التراجع التاريخي للعملة التركية، أصدر الرئيس التركي قرارًا بقبول استقالة وزير المالية لطفي إلفان، وعيَّن مكانه نور الدين النبطي، في محاولة لإنقاذ الليرة من الانهيار.

وذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، في تقرير، أن لطفي علوان، الذي كان يعد آخر مسؤول كبير ملتزمًا بتشديد السياسة النقدية في حكومة تعاني انهيار العملة، تقدَّم باستقالته للرئيس التركي، الذي عيَّن مكانه النبطي، الذي قدَّم الأسبوع الماضي دفاعًا عامًا عن سياسة أردوغان لخفض أسعار الفائدة، رغم ارتفاع التضخم.

كان علوان حل محل صهر أردوغان بيرات البيرق في نوفمبر من العام الماضي، الذي بدوره أعلن أنه تنحى عن منصبه "لأسباب صحية".

ومنذ ذلك الحين اهتزت الأسواق بسبب انخفاض قيمة الليرة إلى مستويات قياسية مقابل الدولار الأمريكي، وفقدت 47% من قيمتها.

وقالت "فايننشال تايمز" إن الضغوط التي ظل يمارسها أردوغان على البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة الرئيسة، استنادًا إلى نظريته غير التقليدية بأن ارتفاع أسعار الفائدة تتسبب في ارتفاع التضخم، أدت إلى تأجيج السقوط الحر لليرة.

 

تصريحات النبطي

وقال النبطي ، في أول تصريح له، إن تركيا كانت تحاول منذ سنوات تنفيذ سياسة معدلات منخفضة، لكنها واجهت معارضة قوية.

وأضاف في تغريدة على "تويتر": هذه المرة، نحن مصممون على تنفيذها، ولا مشكلة في إبقاء أسعار الفائدة منخفضة في ظروف السوق الحالية".

تأتي تصريحات النبطي، في وقت فقدت فيه الليرة نحو 45 في المئة من قيمتها منذ بداية سبتمبر الماضي، إذ ضغط أردوغان، المعارض الدائم لأسعار الفائدة المرتفعة، على البنك المركزي لخفضها مرارًا وتكرارًا ، وخفض سعره القياسي إلى 15 في المئة، رغم وصول التضخم السنوي إلى نحو 20 في المئة.

وتساءلت الصحيفة البريطانية، عن إمكانية تنفيذ النبطي وعوده بشأن الحفاظ على فائدة مخفضة، مع إنقاذ الاقتصاد التركي من الانهيار الذي يلاحقه، مشيرة إلى أن سلفه المستقيل (علوان) لم يستطع مقاومة انهيار الليرة، فما لبث أن تنحى من منصبه.

وتأتي استقالة علوان على خلفية هبوط قياسي مستمر للعملة الوطنية، حيث انخفضت منذ أواخر أغسطس من 8.5 ليرة إلى أكثر من 13.7 ليرة مقابل الدولار الأمريكي.

 

تحذيرات

وتشير "فايننشال تايمز" إلى أن نهج أردوغان في الإصرار على خفض الفائدة، جعل العديد من الاقتصاديين يحذرون من أن الحكومة التركية تخاطر بالتسبب في تضخم جامح وعدم استقرار مالي.

وأوضحت أن قيمة العملة تؤثر في تكلفة الاستيراد، وترفع أو تخفض سعر السلع والخدمات، ومن ثم تزيد احتمالات الاضطراب والشغب، وهروب الاستثمار، مبينة أيضًا أن الناتج المحلي الإجمالي التركي خسر أكثر من 250 مليار دولار منذ بدأت سلسلة التدهور عام 2013.

وحسب الصحيفة البريطانية، فإن البنوك التركية تسمح لعملائها بحيازة الودائع بالعملات الأجنبية والعملة المحلية، وفي السنوات الأخيرة، اختار عدد كبير من الأتراك الاحتفاظ بأموالهم بالدولار واليورو، في ظل تنامي معدل التضخم وانخفاض أسعار الفائدة، الأمر الذي أدى إلى تآكل عوائد مدخراتهم بالليرة.

وأوضحت أن الودائع بالعملات الأجنبية تشكل 55% من مجموع الودائع في القطاع المصرفي، أي ما يقارب 260 مليار دولار، مقارنة بـ49% عام 2018.

ونقلت الصحيفة عن محللين قلقهم من إمكانية ارتفاع الودائع بالدولار، ما يؤدي إلى زيادة الضغط على الليرة وحلقة مفرغة، ولعل مصدر القلق الرئيس هو سحب الناس لتلك الودائع وفقدانهم الثقة في الاقتصاد، مثلما حدث خلال أزمة العملة الأخيرة صيف 2018.

وقال فينيكس كالين، وهو خبير استراتيجي في الأسواق الناشئة في شركة سوسيتيه جنرال لـ "فايننشال تايمز": إن السؤال المطروح حاليًا هو: "هل تريد الاحتفاظ بأموالك في القطاع المصرفي التركي؟"، مشيرًا إلى أن تهافت الأتراك على البنوك لسحب ودائعهم حدث آخر مرة في تركيا عام 2001، وفي مثل هذا السيناريو، قد تختار الحكومة فرض ضوابط على رأس المال، مثل اتخاذ إجراءات تحد من سحب الودائع بالعملة الصعبة، مع العلم أنها صرحت في مناسبات سابقة بأنها لن تفعل ذلك.

 

النبطي وعلوان

وأوضحت الصحيفة البريطانية، أنه يُنظر إلى النبطي، وهو رجل أعمال سابق تحول إلى سياسي، على أنه مقرب من صهر أردوغان بيرات البيرق، الذي شغل منصبًا مثيرًا للجدل وزيرًا للمالية عام 2018 قبل أن يستقيل في نوفمبر 2020 بعد أن أعلن الرئيس تغييرًا في إدارة البنك المركزي.

أما علوان، 59 عامًا، فقد كان يحظى باحترام مجتمع الأعمال، لكن كان يُنظر إليه على أنه معزول بشكل متزايد في الأشهر الأخيرة، وكان قد أصر علنًا على أن الحكومة لا تزال تسعى لخفض التضخم والحفاظ على استقرار العملة، رغم أن البنك المركزي خفض سعر الفائدة القياسي للشهر الثالث على التوالي في نوفمبر.

وأوضحت "فايننشال تايمز" أن استقالة علوان جاءت بعد أن أعلن البنك المركزي التركي العودة إلى السياسة المثيرة للجدل، المتمثلة بالتدخل في أسواق العملات، كمحاولة لتثبيت الليرة المتراجعة، رغم احتياطيات النقد الأجنبي المحدودة.

وقال البنك المركزي إن "تشكيلات الأسعار غير الصحية" دفعت إلى اتخاذ قرار بيع العملة الصعبة بما في ذلك الدولار، في محاولة لدعم الليرة.

وكشفت الصحيفة البريطانية، أن تركيا لم تعلن تدخلًا مباشرًا في العملة، منذ أن باعت 3.2 مليار دولار أوائل عام 2014، ومع ذلك، فقد أحرقت الدولة عشرات المليارات من الدولارات من احتياطياتها من العملات الأجنبية عامي 2019 و 2020 في محاولة غير رسمية وفاشلة نهاية المطاف لدعم الليرة، وهي قرارات واجهت انتقادات شديدة من المعارضة.