محاكمة طبيب سوري في ألمانيا.. التداعيات والفرص
اتهم المدعون علاء، في 18 قضية تعذيب، ويقولون إنه قتل أحد السجناء، وفي إحدى القضايا، يُتهم المدعى عليه بإجراء جراحة تصحيحية لكسر عظمي من دون تخدير كاف، كما أنه متهم بمحاولة حرمان السجناء من قدرتهم الإنجابية في قضيتين

ترجمات - السياق
بدأت محكمة ألمانية، محاكمة طبيب سوري، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وقتل معارض واحد على الأقل، في فرانكفورت، ما يعزز دور القضاء الألماني في ملاحقة ممارسات نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ويواجه المتهم، علاء موسى "36 عامًا" اتهامات بتعذيب معارضين للرئيس السوري بشار الأسد، أثناء عمله طبيبًا في سجن عسكري ومستشفيات بحمص ودمشق عامي 2011 و2012.
وتنفي حكومة الأسد الاتهامات بتعذيب سجناء، بحسب معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط.
واتهم المدعون علاء، في 18 قضية تعذيب، ويقولون إنه قتل أحد السجناء، وفي إحدى القضايا، يُتهم المدعى عليه بإجراء جراحة تصحيحية لكسر عظمي من دون تخدير كاف، كما أنه متهم بمحاولة حرمان السجناء من قدرتهم الإنجابية في قضيتين.
ويشتبه في أن المتهم حرق أيضًا بالإيثانول، الأعضاء التناسلية لمراهق وأضرم النار فيها، بقسم الطوارئ في مستشفى حمص العسكري.
سياسة ممنهجة
ووصف معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، جرائم التعذيب التي يُتهم فيها النظام السوري، بأنها سياسة ممنهجة، مشيرًا إلى أنه بموجب لائحة الاتهام السابقة في يوليو 2021، من المفترض أن تسلِّط قضية علاء موسى، الضوء أيضًا على ارتكاب العنف الجنسي على نطاق واسع -لكن تم التغاضي عنه- ضد الرجال والفتيان في أماكن الاحتجاز.
ومع ذلك هناك عدم يقين بشأن ما إذا كانت محاكمة المتهم، ستعالج هذه التهم بشكل مناسب، حيث لم تُذكر تُهم العنف الجنسي، في البيان الصحفي الأخير للمحكمة، ما يزيد خطر جعل هذه الجرائم ضد الرجال والفتيان أكثر إخفاءً.
وأشار التقرير إلى أن علاء موسى، ألقي القبض عليه بقرار من المدعي العام الاتحادي في 19 يونيو 2020، للاشتباه بارتكابه جرائم ضد الإنسانية، وهو رهن الحبس الاحتياطي منذ ذلك الحين.
وأوضح التقرير، أنه خلافًا لمحاكمة الضابط السوري أنور أرسلان، بالسجن مدى الحياة الأسبوع الماضي في ألمانيا، فإن الطبيب علاء لم يشغل أي منصب عسكري في صفوف مخابرات النظام السوري، لكنه عمل طبيباً في الفرع 261 لجهاز المخابرات العسكرية في حمص، وفي المستشفيات العسكرية بحمص والمستشفى رقم 601 في دمشق، مشيرًا إلى أن علاء غادر سوريا منتصف عام 2015 ووصل إلى ألمانيا، حيث واصل ممارسة مهنته كطبيب.
دور الأطباء في التعذيب
وسلَّط تقرير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، الضوء على ما سماه دور الأطباء والعاملين الصحيين في عمليات التعذيب الذي ترعاه الدولة، وقال: استُهدف الأطباء والعاملون الصحيون، الذين يقدِّمون المساعدة الطبية للمتظاهرين المصابين والمجتمعات التي تعيش في مناطق سيطرة المعارضة، بشكل منهجي من قِبل النظام السوري، ليس فقط من خلال حملة الاعتقال التعسفي، لكن أيضًا من خلال القصف البري والجوي للمستشفيات والعيادات، ومع ذلك ، لم يكن العاملون في المجال الطبي ضحايا فحسب، بل لعبوا في كثير من الحالات دورًا رئيسًا في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها النظام.
وذكر التقرير أن محاكمة شهدت إفادات بأن المستشفيات تُعد أماكن تعذيب، وسط اتهامات للأطباء بأنهم مشاركون ومسؤولون عن تعذيب المعتقلين وقتلهم.
وأوضح أنه في العديد من الحالات التي أبلغت عنها الأمم المتحدة، أُمر الأطباء بإبقاء الضحايا على قيد الحياة حتى يمكن استجوابهم، وكشف أن المستشفيات العسكرية تعاونت مع الأجهزة الأمنية في ارتكاب التعذيب، وفي إعاقة وصول المحتجزين إلى الرعاية الطبية، إما بسبب إجراء الأطباء عمليات جراحية -غير ضرورية- للمحتجزين، وإما لتفاقم الإصابات بسبب التعذيب.
وبحسب لائحة الاتهام في يوليو 2021، يُزعم أن علاء ارتكب العديد من أعمال التعذيب والعنف الجنسي، في مستشفيين عسكريين بحمص ودمشق، حيث استغل دوره كطبيب في تعذيب المعتقلين، وتفاقم الإصابات الموجودة، وإعطاء المواد والأقراص التي تؤدي إلى وفاة الضحية.
وشملت الأعمال الوحشية التي ارتكبها علاء، التعذيب الجسدي، من خلال الشنق والضرب وحرق المدنيين، وتشويه الأعضاء التناسلية، إضافة إلى التعقيم الإجباري لقاصر، ويشير التقرير إلى "وفاة اثنين على الأقل من الضحايا".
وعليه -يضيف معهد التحرير- فإن قضية علاء، ستسلِّط الضوء على دور الأطباء والعاملين بالمجال الطبي، في التواطؤ والمساعدة في الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها النظام السوري.
العنف الجنسي
كما سلَّط تقرير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط، الضوء على العنف الجنسي ضد الرجال في سجون النظام السوري، وقال: في لائحة الاتهام السابقة في يوليو 2021، أعلنت المحكمة أن قضية علاء، ستركز بشكل كبير على الأحداث الرئيسة للعنف الجنسي، بما في ذلك تشويه الأعضاء التناسلية.
وحذر التقرير، من أن تلجأ المحكمة لاستبعاد قضايا العنف الجنسي، من أوراق القضية، مشيرًا إلى أن المحكمة الإقليمية العليا في فرانكفورت، كانت قد أعلنت أنها أسقطت عشر تهم من لائحة الاتهام التي قدَّمها المدعي الاتحادي الألماني، ورأت المحكمة أن هذه الاتهامات تفتقر إلى الدقة.
وذكر أنه رغم عدم تحديد المحكمة للتهم الفردية، التي تم أسقِطت، فإن هذا القرار أثار ردود فعل بين الجهات الفاعلة الدولية والسورية المشاركة في المحاكمة، وذلك في المقام الأول كرد على حقيقة أن العنف الجنسي لم يُذكر في البيان الصحفي الأخير للمحكمة، وبذلك لا يزال من غير الواضح إذا كانت المحكمة ستدرج تهم العنف الجنسي أم لا.
وتوقَّع التقرير، أن تكون النظرة السلبية في المجتمعات العربية، تجاه ضحايا العنف الجنسي من الرجال، سبب عدم إشراك مثل التهم في قضية علاء، مشددة على أنه لو حدث العكس، بتضمين هذه التهم، ربما تكون سببًا في عملية التعافي للضحايا والتصالح مع ما تعرَّضوا له من جُرم.
دروس مستفادة
وختم معهد التحرير تقريره، بالحديث عن الدروس المستفادة، من قضية علاء، وقال: لابد من جعل هذه المحاكمات علنية، بحضور الجمهور، وتوفير ترجمة فورية من الألمانية إلى العربية من قِبل محكمة فرانكفورت، خصوصًا أن المتهم يجيد الألمانية، ويرفض التحدث باللغة العربية، ما يصعِّب الأمر على اللاجئين السوريين، الذين يريدون حضور المحاكمة.
وأوضح أنه نظرًا لأهمية المحاكمة -وكذلك المناقشات المعقدة التي قد تنشأ عنها- يجب أن تتمتع المجتمعات بإمكانية أكبر للوصول إلى المعلومات المتعلقة بالمحاكمة، بطريقة شاملة وموضوعية، بدلاً من الاضطرار إلى الاعتماد على منشورات وسائل التواصل الاجتماعي، التي قد تكون غير صحيحة، أو غير قادرة على شرح القضايا القانونية ذات الصلة.
وأضاف أن المبدأ نفسه ينطبق على تحسين مشاركة السوريين في المحاكمة، بمن في ذلك أولئك الذين قد لا تكون لهم صلة مباشرة بالقضية المحددة كضحايا، لكن تجاربهم كناجين وعملية شفائهم، قد تُفيد في سير مثل هذه المحاكمات، متابعًا: "بعبارة أخرى، قد تضمن محاكمة علاء، ومثيلاتها من قضايا التعذيب والعنف الجنسي الممنهج الوصول إلى العدالة وتحقيقها".