طالبان باكستان... هل تفجر أزمة بين إسلام أباد وكابل؟
قال سلمان جاويد، المحلل السياسي، المدير العام لمنتدى الشباب الأفغاني الباكستاني، إن جماعة طالبان باكستان المحظورة، لديها شعور قوي بأنهم وجدوا ملاذاً آمناً في أفغانستان، بسبب الموقف اللين للمسؤولين الأفغان معهم".

السياق
بعد أيام من إطاحة عمران خان وانتخاب شهباز شريف رئيسًا للحكومة، اتهمت كابل القوات الباكستانية بتنفيذ ضربات جوية في ولايتي خوست وكونار شرقي أفغانستان، راح ضحيتها ما يقرب من 47 شخصًا.
بالمقابل، وجهت باكستان تحذيراً حاداً إلى طالبان أفغانستان، لوقف إيواء متطرفي حركة طالبان باكستان، الذين يشنون هجمات دامية على نحو متزايد على الجيش الباكستاني.
وشهد الأسبوعان الماضيان ارتفاعًا حادًا في هذه الضربات الإرهابية.
في 14 أبريل، لقي سبعة جنود باكستانيين مصرعهم، عندما نصب إرهابيون كمينًا لقافلة عسكرية، في منطقة وزيرستان الشمالية بولاية خيبر بختونخوا، على الحدود مع أفغانستان.
في 12 أبريل، قُتل جنديان باكستانيان خلال تبادل لإطلاق النار مع إرهابيين في منطقة وزيرستان الجنوبية، المتاخمة لأفغانستان.
في 30 مارس، قُتل ستة جنود في إحباط هجوم إرهابي بمنطقة تانك، شرقي وزيرستان الجنوبية.
وأعلنت حركة طالبان باكستان، المعروفة أيضًا بطالبان الباكستانية، مسؤوليتها عن الهجمات على الأمن الباكستاني.
باكستان ترد
بعد قتل الجنود السبعة شمالي وزيرستان، ردت باكستان ونفذت غارات جوية بمنطقة سبيري في مقاطعة خوست بأفغانستان وقصف منطقة شيلتان في مقاطعة كونار، ما أسفر عن قتل 47 مدنيًا على الأقل، وفقًا لوسائل إعلام أفغانية.
وذكرت قناة TOLO TV الإخبارية الأفغانية أن "جميع القتلى كانوا لاجئين من المناطق القبلية الباكستانية جنوبي وشمالي وزيرستان، ممن فروا من منازلهم أثناء عملية التطهير التي نفذها الجيش الباكستاني".
ولم تؤكد الحكومة الباكستانية والجناح الإعلامي للقوات المسلحة الباكستانية ولم تنفيا، وقوع هذه الضربات على الأراضي الأفغانية.
استدعاءات للسفراء
بالمقابل، استدعت وزارة الخارجية الأفغانية منصور أحمد خان، سفير باكستان في كابل، بسبب الهجمات المزعومة في خوست وكونار.
وأدان القائم بأعمال وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي ونائب وزير الدفاع الملا شيرين أخوند، الهجمات التي شنتها القوات الباكستانية، ووصفاها بأنها انتهاك لسيادة أفغانستان.
في الوقت نفسه، استدعت وزارة الخارجية الباكستانية القائم بالأعمال الأفغاني في إسلام أباد، بسبب الهجمات على قوات الأمن من الأراضي الأفغانية.
وقال اللواء بابار افتخار، المتحدث باسم القوات المسلحة الباكستانية: "في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022، لقي ما لا يقل عن 105 ضباط وجنود حتفهم في هجمات إرهابية، ومع ذلك، جرى القضاء على 128 مسلحًا خلال هذه الفترة".
وصرح افتخار بأن "الجيش الباكستاني عازم على القضاء على خطر الإرهاب، وهذه التضحيات من جنودنا الشجعان تزيد عزيمتنا".
ملاذ آمن
يعد شمالي وجنوبي وزيرستان، جنبًا إلى جنب مع الأراضي الأفغانية المجاورة، ملاذًا آمنًا نسبيًا لطالبان باكستان والقاعدة، وغيرهما من الجماعات الإرهابية.
وكثيرًا ما بذلت قوات الأمن جهودًا للقضاء على الإرهابيين، بالتزامن نزح الآلاف من المنطقة ويعيشون في مخيمات تقع في كونار وخوست وأماكن أخرى في أفغانستان.
وتقول السلطات في إسلام أباد، إن أعضاء حركة طالبان باكستان، الذين يتمركزون في هذه المعسكرات، يعبرون الحدود إلى باكستان، ويهاجمون الأمن، ويهربون عائدين إلى أفغانستان.
ويقول مسؤولون أمنيون أيضًا إن إرهابيي حركة طالبان باكستان، يستخدمون المدنيين دروعًا بشرية.
وقال مسؤول أمني كبير في إسلام أباد لصحيفة ميديا لاين: "هارب حركة طالبان الباكستانية سيئ السمعة والأكثر طلبًا، المعروف باسم باراكايي، إضافة إلى شركائه المقربين، يقيمون في مخيم خوست، ورغم الطلبات العديدة لماذا لا تسلمه طالبان الأفغان لباكستان؟ إنه مسؤول عن مهاجمة قواتنا الأمنية".
إجراءات صارمة
تحاورت باكستان وأفغانستان -في الأشهر الماضية- من خلال قنوات التواصل المؤسسية للتنسيق الفعال، لكن لسوء الحظ، واصلت الجماعات الإرهابية المحظورة في المنطقة الحدودية، بما في ذلك حركة طالبان باكستان، مهاجمة نقاط الأمن الحدودية الباكستانية، ما أدى إلى قتل العديد من القوات الباكستانية.
وأكد عاصم افتخار أحمد، المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية أن "باكستان، مرة أخرى، تدين بشدة الإرهابيين الذين يعملون من الأراضي الأفغانية لتنفيذ أنشطة في باكستان"، وطالب الحكومة الأفغانية باتخاذ إجراءات صارمة ضد الضالعين في الأنشطة الإرهابية بباكستان.
وقال أحمد: "باكستان تنتهز هذه الفرصة لتؤكد من جديد احترام استقلال أفغانستان وسيادتها وسلامة أراضيها".
إلى ذلك قال سهيل شاهين، المتحدث باسم إمارة أفغانستان في الدوحة، السفير المعين لدى الأمم المتحدة، لصحيفة ميديا لاين: "الأطفال والرجال والنساء الأبرياء قُتلوا في الضربات الأخيرة التي نفذتها باكستان".
وأضاف: "هذه الأحداث لن تحل المشكلات، لكنها ستسبب حالة من عدم الثقة والتوتر بين الجارتين والشقيقة"، مؤكداً أن السبيل الوحيد المناسب لحل هذه النزاعات القنوات الدبلوماسية.
ورداً على سؤال ميديا لاين عن تأكيد باكستان أن مقاتلي حركة طالبان باكستان يعملون من الأراضي الأفغانية، قال شاهين: "نعتقد أن هذه الادعاءات يجب التعامل معها وحلها من خلال القنوات الدبلوماسية فقط، وليس من خلال الضربات الجوية".
تنحي طالبان
بدوره، قال علي ميسم نظاري، رئيس العلاقات الخارجية لجبهة المقاومة الوطنية الأفغانية، وهو تحالف عسكري لأعضاء سابقين في التحالف الشمالي الأفغاني ومقاتلين آخرين مناهضين لطالبان، لموقع ميديا لاين: "أزمة الحدود الباكستانية الأفغانية لن تحل لأن أفغانستان ليست لديها حكومة مناسبة في الوقت الحالي، أفغانستان في حالة من الفوضى" وأضاف نزاري أن جماعة إرهابية تعمل بالوكالة تسيطر على معظم البلاد.
لقد حذرت جبهة الخلاص الوطني وقادتها باكستان، قبل سقوط كابل في أيدي طالبان في 15 أغسطس 2021، من أن هذا التنظيم في أفغانستان ستكون له عواقب أمنية على باكستان ، واليوم نحن نشهد ذلك".
وتابع: "طالبان جزء من الحركة الجهادية العالمية، ولن يخاطروا أبدًا بفقدان الشرعية التي يتلقونها من هذه الأيديولوجية ومن الجماعات الإرهابية الأخرى، بما في ذلك تحريك طالبان باكستان".
وقال: "لا يزال لدى باكستان الوقت لتغيير سياستها تجاه طالبان والبدء بصدق لإجبارهم على التنحي والسماح بحكومة وطنية وشاملة تمثل المجموعات العرقية والدينية".
أدلة قوية
بدورها، قالت فرزانا شاه، المحللة في الشأن الأمني والدفاع البارزة في بيشاور، لصحيفة ميديا لاين: "من المعروف أن باكستان طلبت -مرارًا وتكرارًا- من المسؤولين الأفغان، اتخاذ إجراءات صارمة ضد إرهابيي حركة طالبان باكستان".
وأضافت: "كما جرى توثيق تصاعد الهجمات الإرهابية على الجيش الباكستاني خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ونُفذت جميعها عبر الحدود".
وتابعت: "رغم تقديم أدلة قوية عن معسكرات الإرهابيين على الأراضي الأفغانية، فإن حكومة طالبان لم تتخذ أي إجراء جاد ضد المخابئ الآمنة لحركة طالبان الباكستانية في أفغانستان".
بعد قتل جنودها السبعة في الهجوم الإرهابي الأخير ، قصفت باكستان معسكر حركة طالبان باكستان في أفغانستان.
وقالت شاه: "أدى الانتقام الباكستاني إلى قتل 33 إرهابياً، بينهم قائد مطلوب في حركة طالبان باكستان". وأضافت أن مدنيين قُتلوا، لإن الإرهابيين استخدموهم دروعًا بشرية.
صنع القرار
قال سلمان جاويد، المحلل السياسي المقيم في إسلام أباد، المدير العام لمنتدى الشباب الأفغاني الباكستاني، لصحيفة ميديا لاين: "جماعة طالبان باكستان المحظورة، لديها شعور قوي بأنهم وجدوا ملاذاً آمناً في أفغانستان، بسبب الموقف اللين للمسؤولين الأفغان معهم".
وأضاف أن هناك قضية أخرى، أن "إرهابيي حركة طالبان باكستان تسللوا إلى الرتب الدنيا، وكذلك ضمن قوات طالبان الأفغانية، للتأثير في عملية صنع القرار للقادة المحليين، خاصة ضد قوات الحدود الباكستانية".
وشدد على أن "الخيار الوحيد أمام الحكومة الأفغانية، الالتزام باتفاق الدوحة، حيث التزموا بعدم استخدام أراضيهم ضد أي دولة أخرى" ، في إشارة إلى اتفاقية عام 2020 بين الولايات المتحدة وطالبان.
وقال جافيد: "باكستان بحاجة إلى بناء تعاون مع قوات الأمن الحدودية الأفغانية، لفرز الأوغاد والإرهابيين والمهربين، الذين ينشرون الفوضى في المناطق الحدودية، ويجبرون البلدين على المواجهة".