نفد الخبز وارتفع البنزين... معضلة اقتصادية تواجه تونس فما علاقتها بأوكرانيا؟
الحرب الأوكرانية التي دارت رحاها على بعد 1500 ميل من تونس، تسببت في منع معظم صادرات الحبوب والأسمدة من البحر الأسود، ما أربك البلد الإفريقي البالغ تعداد سكانه 12 مليون نسمة، وتسبب في ارتفاع كبير بأسعار السلع الأساسية

السياق
«نفد الخبز»، عبارة تكررت كثيرًا في الآونة الأخيرة بالعاصمة التونسية، إلا أنه صاحبها الكثير من الاضطرابات، تدخلت الشرطة المحلية لحلحلتها.
فالحرب الأوكرانية التي دارت رحاها على بعد 1500 ميل من تونس، تسببت في منع معظم صادرات الحبوب والأسمدة من البحر الأسود، ما أربك البلد الإفريقي البالغ تعداد سكانه 12 مليون نسمة، وتسبب في ارتفاع كبير بأسعار السلع الأساسية.
ففي الوقت الذي تكافح فيه تونس التداعيات الاقتصادية، أثارت حوادث عدة تنشب يوميًا في الشارع التونسي، القلق المتزايد بشأن توافر الخبز، الغذاء الأساسي للتونسيين.
وبحسب صحيفة واشنطن بوست، فإن تكاليف المواد الغذائية ارتفعت في مارس وحده 13%، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ أن بدأت الأمم المتحدة تتبعها عام 1990، بينما تبلغ تكلفة سلة السلع، بما في ذلك الحبوب واللحوم ومنتجات الألبان، 34% أكثر مما كانت عليه قبل عام واحد.
نقص الغذاء
وفي أعقاب العمليات العسكرية الروسية بأوكرانيا، حذر الرئيس جو بايدن وغيره من قادة العالم من نقص الغذاء، خاصة في الدول الهشة سياسيًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وأصدر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي نداءً مشتركًا لاتخاذ إجراءات عاجلة، لمعالجة الأزمة التي تلوح في الأفق.
وقالت الوكالات إنه يتعين على زعماء العالم زيادة إنتاج المحاصيل في دولهم، والامتناع عن تخزين الإمدادات، وتقديم المساعدات المالية وشحنات المواد الغذائية الطارئة إلى الدول الأكثر فقرًا، أو المخاطرة بإشعال «التوترات الاجتماعية».
صادرات القمح العالمية
وتعد أوكرانيا وروسيا من الموردين الأساسيين للحبوب والأسمدة لعشرات البلدان في إفريقيا والشرق الأوسط، وتمثلان 29% من صادرات القمح العالمية.
وسيؤدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأسمدة -هذا العام- إلى دفع 40 مليون شخص يعيشون على ما يعادل 1.90 دولار في اليوم إلى الفقر المدقع، وفقًا لمركز التنمية العالمية غير الربحي.
اضطرابات مالية
وتعد تونس من الدول الأكثر ضعفاً، التي تعتمد على أوكرانيا وروسيا في 56% من وارداتها السنوية من القمح، بالسنوات الخمس الماضية، وفقاً لتحليل بيانات الأمم المتحدة.
واصطدم تعطيل التجارة الزراعية العالمية -بسبب الحرب- بالاضطرابات المالية التونسية التي طال أمدها، ما أدى إلى اتساع الفجوة في ميزانية الحكومة، ويهدد بالتخلف عن سداد الدين العام، ويهدد الاستقرار السياسي لديمقراطية عربية نادرة، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
وقال يوسف الشريف، مدير مركز كولومبيا العالمي في تونس، وهو فرع متخصص في البحث من جامعة كولومبيا بنيويورك: «سيحتج الناس في القريب العاجل(...) كل الشروط موجودة... ولا أعتقد أن الناس يمكن أن يتحملوا هذا الوضع فترة طويلة».
وتصر الحكومة التونسية على أن لديها مخزونات قمح، تكفي حتى حصاد المحصول المحلي في يونيو، لكن آخر سفينة قادمة من أوكرانيا رست لديها قبل ثلاثة أيام من بدء القتال في 24 فبراير، بينما تواجه المخابز مشكلة في تأمين الإمدادات الكافية.
رحلات يومية للمخابز
ويقول الشريف، إن التونسيين يأكلون عمومًا الخبز مع كل وجبة ويقومون برحلات يومية إلى المخبز، مشيرًا إلى أنهم غير معتادين على الانتظار في طوابير تصل إلى 100 شخص، وهو أمر شائع الآن.
وتعاني شركات الأسمدة -مثل قرطاج للبستنة- نقص المواد الكيميائية من روسيا، اللازمة لزيادة غلة المحاصيل المحلية.
وقال رضا السحباني، مدير المتجر، إنه لم يتسلم شحنة منذ ستة أسابيع، مشيرًا إلى أن الحكومة تروِّج لمحلول الأمونيا السائلة من إسبانيا كبديل، لكنه يكلف مرتين.
وإذا لم يتمكن المزارعون التونسيون من الحصول على ما يكفي من الأسمدة أو تحمل تكاليفها، فقد ينخفض محصول القمح العام المقبل.
ومن شأن ذلك أن يترك الحكومة تتنافس مع مشترين يائسين لاستيراد المزيد من الحبوب، في وقت من المرجح أن تكون فيه الإمدادات العالمية شحيحة وترتفع الأسعار.
توقعات سيئة
وبينما حذر العديد من المحللين من التوقعات السيئة باحتمال اضطرابات اجتماعية، قال فوزي الزياني، عضو المجلس التنفيذي لمنظمة سيناجري الزراعية: «السلام الاجتماعي يرتبط بما تحصل عليه في معدتك (...) تخيل لو لم يكن هناك خبز».
وتعتمد تونس على منتجي النفط الأجانب في نصف حاجاتها تقريبًا، لذا فإن أسعار النفط المكونة من ثلاثة أرقام تنتشر عبر الاقتصاد، ما يسهم في زيادة تضخم أسعار المستهلكين.
وتشعر حمامي للنقل، وهي شركة نقل بالشاحنات توفر الأحذية والملابس والأثاث وغيرها من السلع في جميع أنحاء تونس، بضيق لارتفاع أسعار الديزل.
وقال موسى درمول، الذي يدير مستودع تونس إنها «تكلفنا الكثير - 500 دينار (نحو 170 دولارًا) إضافية كل شهر (...) إذا استمرت في الارتفاع، سنضطر إلى تسريح العمال».
وتدعم الحكومة تكلفة الخبز، في محاولة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، لذلك يدفع المستهلكون 200 ملم -أو ما يقرب من 7 سنتات بسعر الصرف الرسمي- لكل خبز باغيت طازج... (المخابز الخاصة غير المدعومة تتقاضى 250 مليونًا).
ميزانية مثقلة
ومع فرص العمل المحدودة للشباب، حاولت الحكومة الحفاظ على السلام الاجتماعي، من خلال وضع الناس في كشوف المرتبات العامة، ما جعل فاتورة رواتب الخدمة المدنية بين أعلى المعدلات في العالم، وأثقل كاهل تونس بديون متضخمة.
ومع اندلاع حرب أوكرانيا، كانت تونس لا تزال تتعافى من أسوأ تدهور اقتصادي لها منذ استقلالها عن فرنسا عام 1956. وأدى الوباء إلى خفض الإنتاج عام 2020 بأكثر من 8%.
وإلى جانب ارتفاع تكاليف السلع الأساسية، تضر الحرب بصادرات تونس إلى أوروبا وتؤثر في قطاع السياحة.
فالسياح الروس، الذين جاءوا بالآلاف للاستمتاع بشواطئ البحر المتوسط في البلاد، يقيمون في منازلهم، بينما شهدت الآثار الرومانية الشهيرة في دقة، بأحد الأيام الأخيرة، رعي الأغنام أكثر من الزبائن الذين يدفعون أموالاً.
وحتى قبل الحرب، كانت مالية الحكومة في أزمة، ففي ديسمبر الماضي، وصلت ست سفن محملة بالحبوب إلى ميناء صفاقس ولم تفرغ حمولتها لأسابيع، حيث طلبت السلطات التونسية الأموال اللازمة.
التضخم والبطالة
وبينما يعاني الاقتصاد التونسي ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، فإن تكلفة الغذاء والوقود والأسمدة التي تستوردها تونس، معضلة تواجه حكومة الرئيس قيس سعيد.
واستقرت أسعار القمح فوق مستويات ما قبل الحرب بنحو 30%، بينما بدأت أسعار الأسمدة الروسية الارتفاع أواخر العام الماضي، وهي الآن تزيد على ثلاثة أضعاف متوسطها على المدى الطويل.
وقال خبراء اقتصاديون إن التكاليف المرتفعة قد تضيف أكثر من 1.5 مليار دولار إلى فاتورة الدعم التونسية وحاجتها إلى مساعدة مالية خارجية، مشيرين إلى أن الدولة غير قادرة على جمع الأموال في الأسواق المالية العالمية.
وخفضت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني مؤخرًا تصنيف تونس إلى "CCC" ، في إشارة إلى أن تخلف البلاد عن سداد ديونها لأول مرة "احتمال حقيقي".