لماذا لا تدعم الدول الغربية أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة؟
تراجع الناتو وبعض الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، عن تقديم الأسلحة الثقيلة لدعم أوكرانيا في صراعها مع روسيا، إلى الخوف من أن يؤدي ذلك إلى مواجهة مباشرة مع موسكو

ترجمات – السياق
منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ظلت كييف تناشد الدول الغربية مدها بالسلاح الثقيل والأموال، وبينما أبدت أغلبية الدول موافقتها على الطلب الأوكراني، لكنها لم تفِ بوعودها حتى الآن.
وأعرب السفير الأوكراني في ألمانيا أندريه ميلنيك، عن عدم رضاه عن المساعدات العسكرية التي قدمتها برلين إلى كييف.
وأشار ميلنيك في حوار على قناة "ZDF" التلفزيونية مساء الثلاثاء، إلى قائمة إمدادات الأسلحة التي تلقتها أوكرانيا من ألمانيا قبل بضعة أسابيع. وقال إن "المشكلة تكمن في أن القائمة لا تشمل أسلحة ثقيلة وهي الأسلحة التي نحتاجها".
حالة حرب
بدورها، رأت مجلة إيكونوميست البريطانية، أن تزويد أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة لا يعني أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) في حالة حرب مع روسيا، مشيرة إلى أنه كما هو الحال مع السوفييت خلال حرب فيتنام -إذ كانت موسكو وبكين تدعمان المقاتلين الفيتناميين بالسلاح- فإن توفير الأسلحة لا يعني الدخول في حرب مباشرة.
وعزت المجلة، في تقرير، تراجع "الناتو" وبعض الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، عن تقديم الأسلحة الثقيلة لدعم أوكرانيا في صراعها مع روسيا، إلى الخوف من أن يؤدي ذلك إلى مواجهة مباشرة مع موسكو.
وأوضحت المجلة أن الحكومة الألمانية أعلنت 15 أبريل الجاري، تقديم 1.1 مليار دولار مساعدة عسكرية لأوكرانيا، بعدما تعرضت إلى انتقادات بسبب رفضها إرسال أسلحة ثقيلة إليها خصوصًا الدبابات، كما تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 800 مليون دولار كحزمة جديدة من المساعدات لأوكرانيا بدلًا من تقديم السلاح، حيث تعتقد برلين وواشنطن أن المساعدات العسكرية ستؤدي إلى تفاقم الأزمة بين الأطراف المتحاربة.
قوانين الحرب
وخلافًا للموقفين الأمريكي والألماني، حسب المجلة البريطانية، أرسلت بريطانيا عربات دورية مدرعة، وصواريخ مضادة للسفن، وطائرات هليكوبتر، بينما قدمت جمهورية التشيك قاذفات صواريخ متحركة ودبابات من طراز "T-72"، كما أعلنت سلوفاكيا، التي أرسلت إلى أوكرانيا نظام الدفاع الجوي الصاروخي"S-300"، أنها قد توفر طائرات مقاتلة من طراز "MiG-29"، وهي نموذج سوفييتي يستطيع الطيارون الأوكرانيون استخدامه كونهم سبق لهم التدريب عليه.
وبينّت المجلة، أنه أوائل مارس 2022، أحبطت الولايات المتحدة صفقة طائرات MiG-29 كانت سترسلها بولندا إلى أوكرانيا، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى ردود انتقامية من روسيا، ما يترتب عليه جر "الناتو" إلى الحرب.
وفي هذا الإطار، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكثر وضوحًا، إذ أكد أن تقديم الأسلحة الثقيلة قد يدفع روسيا إلى تصنيف حلف الأطلسي على أنه "شريك في الصراع"، وبذلك هدف مشروع بموجب قوانين الحرب.
كانت الإدارة الأمريكية ذكرت -في بيان- أنها لم يكن لديها اعتراض على المساعدات العسكرية البسيطة التي قدمتها الدول بداية الصراع، حيث تمسكت الدول الحليفة لأوكرانيا بإرسال صواريخ محمولة مضادة للدبابات ومضادة للطائرات.
لكن بعدما تفاقمت الأزمة، وتزايد ما سمتها المجلة البريطانية (جرائم الحرب الروسية)، استعد هؤلاء الحلفاء لتزويد أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة الأكثر تعقيدًا، التي تتطلب أشهرًا من التدريب، واقترحت دول أن تكون الأسلحة متوافقة مع معايير "الناتو" حتى يمكن صيانتها وإعادة إرسالها لأوكرانيا بسهولة وفي وقت قصير.
خطورة التحول
وبينت "الإيكونوميست" أن ما سمتها (خطورة التحول إلى الدعم بالأسلحة الثقيلة) تثير القلق في بعض الأوساط، لا سيما في ألمانيا، التي علقت عرضًا لمركبات مشاة قتالية من طراز Marder بعد أن قالت وزارة الدفاع الألمانية إن لديها القليل جدًا من التنازل عن أي منها، وهو ما حذرت منه ساهرا واجنكنخت، عضوة برلمانية عن حزب اليسار، التي أكدت أن إرسال (ماردرز) سيجعل ألمانيا مشاركة في الحرب.
وأشارت إلى أن روبرت هابيك، وزير المناخ المتشدد نسبيًا، رفض أيضًا تسليح أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة، محذرًا من أن ألمانيا ستتحمل المسؤولية في هذه الحالة، وهو ما يعرضها لخطر كبير.
وتعلق المجلة البريطانية على ذلك، بالقول: "يبدو أن كل ذلك نابع من الخوف من أن يؤدي تسليم أسلحة ثقيلة لأوكرانيا إلى زيادة احتمال نشوب صراع مباشر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي".
لكن من منظور تاريخي -حسب "إيكونوميست"- تبدو هذه المخاوف في غير محلها، فعلى سبيل المثال، عندما قدم السوفيت والصين أسلحة ثقيلة وصواريخ ودبابات إلى فيتنام، لدعمها في حربها ضد الولايات المتحدة، لم يؤدِ ذلك الدعم إلى تصعيد الحرب النووية بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، رغم أن العديد من المحللين كانوا يعدون الوضع في فيتنام حربًا بالوكالة.
وحسب المجلة، حصلت فيتنام حينها على مقاتلات MiG-29s السوفيتية، ما ساعد القوات الفيتنامية في إسقاط عشرات الطائرات الأمريكية، كما تلقت أعدادًا كبيرة من الدبابات والصواريخ وقطع المدفعية من رعاتها السوفييت والصينيين، واستخدمتها لقتل الآلاف من الجنود الأمريكيين.
حرب مختلفة
واعتبرت "الإيكونوميست" أن ما يجعل الحرب في أوكرانيا تختلف عن فيتنام، أن روسيا منذ بداية الأزمة حذرت الدول الكبرى التي تزود أوكرانيا بالسلاح أو تقدم لها مساعدات مالية، من أنها قد تستخدم الأسلحة النووية.
لكن من ناحية القانون الدولي، فقد صرح بعض الخبراء للمجلة، بأن إرسال الأسلحة لأوكرانيا، بما في ذلك الثقيلة، لن يجعل الدول طرفًا في النزاع، ونقلت المجلة البريطانية عن عادل الحق، الأستاذ في جامعة روتجرز الأمريكية للحقوق، تأكيده أن المشاركة المباشرة في العملية العسكرية، تعد فقط تدخلًا من الأطراف الخارجية.
وأوضحت المجلة، أنه بموجب ميثاق الأمم المتحدة، فإنه من حق الدول الدفاع عن نفسها، كما أنه من حق الدول الأخرى الانضمام إليها في إطار مبدأ "الدفاع الجماعي عن النفس" لمساعدتها، بينما يُسمح للدول بتقديم دعم عسكري لضحايا العدوان، وفرض عقوبات على المعتدي، ولا يعد ذلك تدخلًا من الأطراف الخارجية ولا انحيازًا، كما أنه عندما يدين مجلس الأمن الدولي عملًا عدوانيًّا، يكون هذا القرار ملزمًا قانونًا للدول الأعضاء.
وأشارت إلى أنه في حالة أوكرانيا، أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة التدخل الروسي بأغلبية الأعضاء، لكن مجلس الأمن لم يتمكن من الوصول إلى الأغلبية، نظرًا لأن روسيا من الأعضاء الدائمين، الذين يحق لهم استخدام حق النقض (الفيتو).
ويشير بعض المحللين إلى أنه إذا قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عدم استهداف قوافل "الناتو"، التي تزود أوكرانيا بالسلاح، فلن يكون ذلك بسبب قوة القانون الدولي، وإنما لأنه في هذه الحالة لا يخطط إلى تصعيد الصراع.
ونقلت "إيكونوميست" عن كلوديا ميجور من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، قولها: "إذا أرادت روسيا أن تهاجم الناتو ، فإنها ستفعل ذلك، بصرف النظر عما إذا كنا قد سلمنا الدبابات والأسلحة الثقيلة من عدمه".
وحسب المجلة البريطانية، يعتقد البعض الآخر أنه إذا كان توريد الأسلحة الثقيلة يزيد خطر نشوب صراع مباشر، فذلك يرجع إلى أن الأطراف الخارجية تسعى لاستفزاز روسيا وجرها إلى الحرب، ورغم ذلك يؤكد المحللون أنه لا يمكن استبعاد الجوانب القانونية للنزاعات بين الدول، لأن معرفتها والالتزام بها يساعدان في منع تصاعد الصراع إلى حرب نووية.
واكدت المجلة أن ردع روسيا عن طريق القانون الدولي، لن يؤدي إلى إنهاء الصراع مع أوكرانيا، كما أن روسيا لا تسعى إلى جر حلف الناتو أو الدول النووية الكبرى إلى ساحة المعركة، لأنها تعي جيدًا أنها لن تتحمل تكلفة الدخول في حرب نووية.
ونقلت عن كاليف ستويتشو من المركز الدولي للدفاع والأمن، مؤسسة فكرية في العاصمة الإستونية تالين، قوله: "إذا أرادت روسيا أن يمتد الصراع فلن تتردد في ذلك، لكنهم لا يريدون إشراكنا بشكل مباشر، هم فقط يريدون تخويفنا"، مضيفًا: "هم بالكاد يستطيعون مواجهة أوكرانيا حاليًا، فما بالنا بحلف الناتو؟".