انقسام قبرص يوفر أرضًا خصبة للاتجار بالبشر

تُستدرج شابات إفريقيات بتأشيرة طالبة، عبر وعود بالدراسة أو العمل، لكن لدى وصولهن يُحبسن في شقق ويُجبرن على ممارسة الجنس مقابل المال

انقسام قبرص يوفر أرضًا خصبة للاتجار بالبشر

السياق

يوفر الانقسام الذي تعيشه قبرص أرضًا خصبة للاتجار بالبشر، إذ بات عدد الحالات "مقلقًا" في الشطر الجنوبي من الجزيرة المتوسطية، في حين يبدو الوضع في الشمال المحتل من تركيا، أشبه بأفغانستان.

وقالت ضحية كاميرونية عن ابنتها الصغيرة: "أنا أحبها، لكنها في الوقت نفسه تذكرني بالماضي".

وأوضحت المرأة، التي أنقذها عامل في منظمة غير حكومية تساعد ضحايا الاتجار بالبشر، وطلبت عدم كشف اسمها: "لقد تعرضت لسوء المعاملة على مدى أشهر".

العام الماضي، خفضت وزارة الخارجية الأميركية تصنيف قبرص، في تقريرها السنوي عن الاتجار بالبشر، وعزت ذلك إلى تباطؤ الإجراءات القانونية وغياب الإدانات.

ورغم أن هذا التقرير لا يشمل رسميًا جمهورية شمال قبرص التركية، الثلث الشمالي من الجزيرة الذي تحتله تركيا وتعترف وحدها به، فإنه يشير إلى أنه إذا كان الأمر كذلك، فإن هذه المنطقة ستُصنف من بين أسوأ المخالفين، إلى جانب أفغانستان.

قبرص، العضو في الاتحاد الأوروبي، البالغ عدد سكانها نحو مليون نسمة، مقسمة منذ غزو تركيا عام 1974 ردًا على انقلاب برعاية اليونان.

وأدى هذا الانقسام، مع فشل الجهود الرامية لإنهائه، إلى عدم تعاون الجانبين في تطبيق القانون، بحسب ناسيا هادجيجورجيو، الأستاذة في جامعة سنترال لانكشاير في قبرص، التي أضافت أن مشكلة الاتجار بالبشر "لم تُعالَج".

 

الإفلات من العقاب

في الشمال، تُستدرج شابات إفريقيات بتأشيرة طالبة، عبر وعود بالدراسة أو العمل، لكن لدى وصولهن "يُحبسن في شقق ويُجبرن على ممارسة الجنس مقابل المال"، وفقًا لفزيل أوسوم، من منصة حقوق الإنسان.

ورصدت المنصة، التي وضعت خطًا ساخنًا في الخدمة، 12 ضحية للاتجار بالجنس منذ نهاية عام 2021.

كما توجد حالات اتجار في الأندية الليلية، إذ يتعين على اللاتي يحملن تأشيرات "نادلة" أو "مضيفة" الخضوع لفحوص منتظمة للكشف عن الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي، وإن كانت الدعارة غير مرخصة في الإقليم، بحسب أوسوم.

وذكرت امرأة -عملت في الأندية الليلية- أن هذه المنشآت تلجأ إلى الابتزاز أو المخدرات للسيطرة على الضحايا.

وأكدت أوسوم أن جمهورية شمال قبرص التركية، جرَّمت الاتجار بالبشر عام 2020، لكن لم تسُجل أي إدانة حتى الآن.

وأشارت، مثل هادجيجورجيو، إلى أن إحدى العقبات التي تحول دون محاكمة مرتكبي هذه الجرائم، تتمثل في عدم وجود تعاون بين شطري الجزيرة.

وأوضحت أنها عندما أبلغت ضحية الشرطة في الشطر الجنوبي بمعاناتها، قيل لها: "حدث ذلك في الشمال(...) كيف يمكننا جمع الأدلة؟".

بدورها، ترى دوغوس ديريا، وهي سياسية قبرصية تركية، أن الوضع غير المعترف به لجمهورية شمال قبرص التركية، يعني أنه لا يمكنها التعاون مع المنظمات الدولية، وبذلك يمكن اعتبار الشمال "منطقة إفلات من العقاب للمتاجرين بالبشر".

 

عدم التعاون

تتصدر قبرص دول الاتحاد الأوروبي، في عدد ضحايا الاتجار بالبشر، الذين جرى تحديدهم أو المشتبهين مقارنةً بعدد السكان، مع 168 حالة لكل مليون نسمة، وفقًا لتقرير المفوضية الأوروبية لعام 2020.

وتقول باراسكيفي تزو، عضو مجلس إدارة "قبرص أوقفوا الاتجار"، عن اللاتي تستقبلهن المنظمة في مركز جنوبي الجزيرة إنهن "عندما يصلن إلى هنا، لا يعود لديهن أمل".

وتقول إحدى العاملات في المركز إنهن يأتين من "كل مكان تقريبًا"، من رومانيا وروسيا وأوكرانيا وإثيوبيا والكاميرون والهند ونيبال.

وسجل الشطر الجنوبي من الجزيرة 21 ضحية اتجار عام 2021، بحسب رئيسة وحدة مكافحة الاتجار بالشرطة، إيليني مايكل.

كما صُنِّف 169 شخصًا بأنهم "ضحايا محتملون"، لأن وضع الضحية "الرسمي" لا يمنح إلا للادعاءات التي جرى التحقق منها.

وأوضحت مايكل "إذا أخبرونا أنه جرى استغلالهن خارج قبرص، فإنه من الصعب التحقق من ذلك".

وشهدت قبرص مؤخرًا إدانات عدة في قضايا الاتجار بالبشر، إذ أشارت المحكمة في ليماسول (جنوب) الشهر الماضي، إلى أن هذا النوع من الجنح بلغ "مستويات مثيرة للقلق".

في المقابل، جرى رفض قضايا، مثل قضية أربعة من شرطة الهجرة أوقفوا عام 2018 للاشتباه في أنهم ساعدوا شبكة اتجار بالبشر.

وقال مكتب المدعي العام لوكالة فرانس برس: "لم يُعثر على الشهود الرئيسين والضحايا (...) للإدلاء بشهاداتهم".

وفي إجراء يمنح بصيص أمل، تجتمع لجنة فنية معنية بالمسائل الجنائية منذ عام 2008 من ممثلين لشطري الجزيرة.

ويرى الرئيس المشارك القبرصي اليوناني للجنة أندرياس كابارديس، أن هذه الهيئة قد تكون مفيدة "إذا وُجدت الإرادة السياسية".