مشهد ملغم يوشك على الانفجار في ليبيا... ما ضمانات الخروج الآمن؟
الخطر القادم من ليبيا، قد يزج بأطراف عدة إلى المشهد، في محاولة لترجيح كفة إحدى الحكومتين اللتين تتنافسان على السلطة، بعد أن رفض عبدالحميد الدبيبة تسليم السلطة لفتحي باشاغا، محاولًا التمديد لنفسه حتى إجراء الانتخابات.

السياق
مشهد «ملغم» يوشك على الانفجار في أية لحظة، إلا أن دوي ذلك الانفجار لن تتأثر به ليبيا وحدها، بل إنه سيضرب عددًا كبيرًا من الدول، خاصة في ظل الحرب الأوكرانية الروسية التي لم تضع أوزارها.
فالبلد الواقع شمالي إفريقيا، أحد المنتجين الرئيسين للنفط، إلا أنه يواجه مأزقًا كبيرًا بسبب الأزمة السياسية التي تكاد تعصف به، التي أدت إلى إغلاق معظم الحقول النفطية المنتجة، ما ستكون له تبعات على أسعار الذهب الأسود عالميًا.
ذلك الخطر القادم من ليبيا، قد يزج بأطراف عدة إلى المشهد، في محاولة لترجيح كفة إحدى الحكومتين اللتين تتنافسان على السلطة، بعد أن رفض عبدالحميد الدبيبة تسليم السلطة لفتحي باشاغا، محاولًا التمديد لنفسه حتى إجراء الانتخابات التي لن يتوقع المضي فيها قدمًا قبل عام من الآن.
قرار برلماني
وفي محاولة من البرلمان الليبي، لكسر شوكة حكومة الدبيبة المقالة ودفعها إلى تسليم السلطة، خاطب رئيس المجلس عقيلة صالح، رئيس المجلس الأعلى للقضاء والنائب العام ومحافظ المصرف المركزي ورئيس ديوان المحاسبة ورئيس هيئة الرقابة الإدارية والممثل القانوني لمكافحة الفساد، بعدم التعامل مع حكومة الدبيبة التي وصفها بـ«منتهية الولاية».
ووجَّه البرلمان الليبي، في الخطاب الذي اطلعت «السياق» على نسخة منه، تلك المؤسسات بالتعامل مع الحكومة الليبية من دون غيرها، باعتبارها السلطة التنفيذية صاحبة الشرعية وفقاً لقرار البرلمان.
كما طالب المؤسسات والإدارات والمصالح والشركات العامة والخاصة والبعثات الدبلوماسية، بعدم التعامل أو التخاطب باسم حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، والعمل على إقفال وتجميد سجلات القرارات والدفاتر الخاصة بالصادر والوارد المتعلقة بمراسلات الحكومة منتهية الولاية.
إغلاق النفط
قرار البرلمان تزامن مع موجة إغلاقات لحقول النفط من قِبل أعيان وأهالي المدن التي توجد فيها تلك الحقول والمؤسسات النفطية، الذين وضعوا شروطًا لاستئناف الإنتاج مرة أخرى، أبرزها تسليم الدبيبة السلطة لفتحي باشاغا، والتوزيع العادل للثروات في البلد الغني بـ«الذهب الأسود».
تلك المواقف استشعر الدبيبة خطورتها، فحاول مغازلة الليبين بعد عقده اجتماعًا لحكومته مساء أمس، أشار فيه إلى استعداده لتسليم السلطة، لكن لحكومة منتخبة، متجاهلًا قرار البرلمان بإقالة حكومته.
وأدان رئيس الحكومة المقالة ما وصفه بـ«الاعتداء على المرافق النفطية» وتوقيف إنتاج وتصدير النفط، واصفًا ذلك بـ«الجريمة التي سيدفع الشعب ثمنها، عبر ارتفاع الأسعار والخدمات».
وبينما زعم الدبيبة أن وقف إنتاج النفط يقف خلفه الطبقة السياسية، التي قال إنها «تسعى للتمديد، وعندما فشلوا أوقفوا النفط واتجهوا لابتزاز الشعب»، طالب النائب العام بفتح تحقيق فوري يكشف المتورطين في إيقاف الإنتاج والتصدير ومحاسبتهم على ذلك، كما وجَّه أوامره للأجهزة الأمنية والعسكرية، للتعامل مع هذه الأزمة ومن يقف وراءها.
حرب جديدة
إلا أن توجيهات الدبيبة حذر منها مراقبون، مشيرين إلى أنها قد تدفع ليبيا إلى أتون حرب جديدة، تعيد البلد الإفريقي إلى مشاهد الصراع، وتبعثر جهود الحل التي بذلت خلال الفترة الماضية.
إلى ذلك قال المحلل السياسي والحقوقي الليبي جمال عامر، في تصريحات لـ«السياق»، إن الدبيبة متمسك بالسلطة بشكل منقطع النظير، مشيرًا إلى أنه لا يبالي بأي قرارات تصدر من البرلمان أو حكومة باشاغا.
وعن قرار النواب بمنع التعامل مع حكومة الدبيبة، أكد المحلل الليبي، أن رئيس الحكومة المقالة، لا يعتد بما يصدر من النواب، مشيرًا إلى أن قرارات البرلمان بالنسبة إليه غير نافذة.
وبينما قال إن باشاغا قد يكون أضاع الفرصة، بعد أن انتظر طويلًا دخول طرابلس، أكد أن انتظاره جاء بعد إشارات من الدبيبة وتأكيدات بأنه سيسلم، إلا أنه بمجرد ما يحصل على تعاون أو دعم من أحد الأطراف الدولية ينقض وعوده.
مشهد معقد
ورغم أن المحلل الليبي حذر من أن المشهد قد يزداد تعقيدًا في الأيام المقبلة، إذا استمر الدبيبة في تعنته، فإنه أكد أن الحرب في ليبيا أمر غير مقبول، من الليبيين ومن قيادات المليشيات المسلحة ومن المجتمع الدولي.
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي عثمان بن بركة، في تصريحات لـ«السياق»، إن الدبيبة سيستمر في هذا النهج مادامت السيادة الليبية غائبة، بينما القرار الوطني الليبي في أدراج خزائن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
وأشار إلى أن قرار البرلمان بمخاطبة الجهات بمنع التعامل مع حكومة الدبيبة ليس من اختصاصاته، فالبرلمان مؤسسة تشريعية فقط، مؤكدًا أن قرارًا مثل هذا من اختصاص المجلس الرئاسي.
آلية الخروج
وعن آلية الخروج من المأزق الحالي، قال المحلل الليبي إن ليبيا -الواقعة تحت الفصل السابع- لن تخرج من هذا النفق ما لم يصم الليبيون آذانهم عن الإنصات للخارج ويتخذوا قرارهم الوطني.
تصريحات بركة وافقه فيها المحلل الليبي حسين المسلاتي، الذي قال لـ«السياق»، إن السائد في ليبيا سلطة الأمر الواقع، مشيرًا إلى أن الأمر يحتاج إلى ضغوط دولية ومزيد من الضغوط المحلية التي كانت الإغلاقات النفطية أحدها، والتي قد تجنِّب البلاد الانجرار إلى الخيارات العنيفة.
وأشار إلى أن الدبيبة يضع شروطًا وصفها بـ«التعجيزية» منها عدم التسليم إلا بعد الانتخابات، رغم أنه يعلم أن الاستحقاق الدستوري لن يجرى إلا بعد أكثر من عام، كما أن مبادراته التي يدعي من خلالها الذهاب إلى انتخابات نهاية يونيو المقبل مناورة سياسية، الغرض منها إرباك المشهد السياسي وكسب الوقت ليس إلا.