حرق المصاحف في السويد... لعبة انتخابات أم استفزاز لمشاعر المسلمين؟
أكد أمين عام مجلس حكماء المسلمين للسياق، أن ما يحدث من استفزاز متعمد لمشاعر أكثر من مليار مسلم في العالم بهدف تحقيق مكاسب سياسية على حساب قيم إنسانية وأخلاقية، من شأنه أن يسهم في نشر التطرف، كما يمثل محاولة بائسة للعصف بالجهود الحكيمة، التي تدعو للتقارب وتعزيز قيم الأخوة الإنسانية بين البشر.

السياق
حملة أطلقها سياسي يميني متطرف في السويد، لحرق نسخ من القرآن الكريم، أثارت غضبًا عارمًا في العالمين العربي والإسلامي، وأطلقت جرس إنذار بشأن حرية التسامح الديني.
الحملة التي دعا إليها السياسي السويدي الدنماركي راسموس بالودان، لعقد تجمع حاشد في مدينة نوركوبينج السويدية، لحرق نسخ من القرآن الكريم، أدت إلى اندلاع أعمال شغب عنيفة في مناطق عدة من السويد، اشتبك خلالها المتظاهرون مع الشرطة، ما أدى إلى اعتقال العشرات، وإلغاء المسيرة.
ويقود بالودان حزب هارد لاين اليميني المتطرف والمناهض للمسلمين، في السويد، التي لديها جالية مسلمة كبيرة تشكل نحو 8% من السكان، جاء معظمهم من العراق وسوريا وأفغانستان عام 2016 في ذروة أزمة اللاجئين.
وبحسب صحيفة المونيتور، فإن نمو الجالية المسلمة في السويد أدى إلى تغذية الأحزاب السياسية اليمينية الشعبوية في الدولة الإسكندنافية ضدهم.
حملة فاشلة
تلك الحملة باءت بالفشل بعد أن ألغاها بالودان، قائلًا في بيان نشره حزبه اليميني المتطرف المناهض للهجرة، إنه ألغى المسيرة لأن السلطات السويدية «أظهرت أنها غير قادرة على حماية نفسها وأنا».
ولم تعتذر الحكومة السويدية عن الخطط اليمينية المتطرفة، مؤكدة -على لسان رئيسة الوزراء ماجدالينا أندرسون للصحفيين- أنه «في السويد، يُسمح للناس بالتعبير عن آرائهم، سواء كانت ذوقًا جيدًا أم سيئًا، إنها جزء من ديمقراطيتنا، بصرف النظر عن رأيك، يجب ألا تلجأ إلى العنف».
تعليق المسؤولة السويدية، جاء بعد ساعات من اندلاع أعمال عنف وشغب في السويد، أدت إلى جرح العشرات من المتظاهرين ضد خطط بالودان، وفي صفوف قوات الشرطة، التي حاولت احتواء تلك الاحتجاجات.
وقال رئيس الشرطة الوطنية السويدية، أندرس ثورنبرج، إنه لم يشهد مثل أعمال الشغب العنيفة هذه، مشيرًا إلى أن 26 من ضباطه و14 من المواطنين أصيبوا في أعمال العنف، وأن أكثر من 20 مركبة تضررت أو دمرت.
وأدت الحملة إلى موجة غضب في العالمين العربي والإسلامي، وشجبتها حكومات عدة في الشرق الأوسط، فوزارة الخارجية السعودية أدانت -في بيان- تعمُّد الإساءة للقرآن الكريم، مؤكدة ضرورة «تضافر الجهود في سبيل نشر قيم الحوار والتسامح والتعايش، ونبذ الكراهية والتطرف والإقصاء، ومنع الإساءة لكل الأديان والمقدسات».
نجاعة النهج الإماراتي
من جانبه، قال أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، إن «موجة الكراهية والتعصب التي تشهدها السويد ضد الدين الإسلامي الحنيف مرفوضة، وتشكل خطراً لتبنيها فكراً رافضاً لمبادئ التعايش».
وأكد المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات في «تويتر»، أن «ما يجري يؤكد نجاعة نهج التسامح الذي يُميز الإمارات واختارته مساراً لها وانعكس إيجاباً على مجتمعها الذي تعيش فيه الثقافات والديانات بكل أمن واستقرار».
وأدانت مصر أيضاً بأشد العبارات هذا الفعل، الذي تسبب في تأجيج مشاعر المسلمين في العالم خلال شهر رمضان، مؤكدة رفضها المساس بالثوابت والمُعتقدات الدينية أيًا ما كانت، والزج بممارسات استفزازية تتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية.
وشددت مصر على ضرورة احترام الحق في حرية الدين والمعتقد كحق أساسي من حقوق الإنسان، وضرورة إعلاء القواسم المشتركة من التسامح وقبول الآخر والتعايش السلمي بين الشعوب.
أفعال مدانة
وعلى النهج ذاته، أدانت المملكة الأردنية الحملة، مشددة -على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية- على أن «هذا الفعل مُدانٌ ومرفوضٌ ويتنافى مع القيم والمبادئ الدينية، ومبادئ حقوق الإنسان والحريات، ويُؤجج مشاعر الكراهية والعنف ويُهدد التعايش السلمي».
وأدان البرلمان العربي، إساءة بعض المتطرفين في السويد للقرآن الكريم بشكل متعمد، وشدد على رفضه استخدام لافتة حرية التعبير في الإساءة للإسلام، التي تتنافى مع القيم والمبادئ الدينية ومبادئ حقوق الإنسان.
الأخوة الإنسانية
إلى ذلك، قال المستشار محمد عبدالسلام، أمين اللجنة الدولية للأخوة والإنسانية، أمين عام مجلس حكماء المسلمين، في تصريحات لـ«السياق»، إن وثيقة الأخوة الإنسانية نصت على ضرورة احترام التعددية الدينية، وقبول الآخر واحترام شعائره ومقدساته ورموزه الدينية، والتركيز على نشر ثقافة الحوار والتعايش المشترك بين البشر على اختلاف عقائدهم وأجناسهم وألوانهم.
وأكد المستشار محمد عبدالسلام، أن ما يحدث من «استفزاز متعمد لمشاعر أكثر من مليار مسلم في العالم بهدف تحقيق مكاسب سياسية على حساب قيم إنسانية وأخلاقية، من شأنه أن يسهم في نشر ثقافة التعصب والكراهية، كما يمثل محاولة بائسة للعصف بالجهود الحكيمة، التي تدعو للتقارب وتعزيز قيم الأخوة الإنسانية بين البشر».
وشدد على أن مجلس حكماء المسلمين يدين هذه التصرفات، التي وصفها بـ«غير المسؤولة»، التي تخرج عن جماعات يمينية متطرفة بهدف تأجيج الصراعات بين أتباع الأديان، وتهدد الجهود الرامية لتحقيق الاندماج الإيجابي بين مكونات المجتمع.
وأكد أمين اللجنة الدولية للأخوة الإنسانية، أنه «يجب على محبي السلام، توحيد الجهود من أجل مكافحة التعصب والكراهية»، مطالبًا المجتمع الدولي بشكل عام، بتحمل المسؤولية في التعامل مع هذه التجاوزات، من خلال نشر مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية، ووضع تطبيقات عملية قادرة على التصدي لهذه الحوادث المتطرفة.
دور الجاليات المسلمة
واعتبر أن هناك دورًا كبيرًا للجاليات المسلمة في الدول الغربية، يتمثل في عدم الانسياق وراء هذه الحملات المتطرفة، داعيًا إلى ضرورة ضبط النفس، والتعامل مع هذه المواقف غير المسؤولة بحكمة، مشيرًا إلى أن أن الانسياق وراء هذه الحملات والرد على هذا «التطرف الكريه بالتطرف والعنف، هو ما يريده أصحاب هذه الحملات ورواد الفتن ومروجو الكراهية».
من جانبه، دعا الأزهر الشريف إلى ضرورة سن تشريعات دولية، تمنع الإساءة للمقدسات الدينية للأمم والشعوب، وكفالة الضمانات اللازمة لحماية حقوق المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية بمجتمعاتهم التي يعيشون فيها.
وعبر الأزهر في بيانه، عن استيائه البالغ واستنكاره الشديد لِمَا أقدم عليه متطرفون ممن ينتمون إلى اليمين المتطرف في السويد، على حرق نسخ من المصحف الشريف، و«تعمد تكرار هذا الفعل المشين رغم خروجه على القوانين والمواثيق الدولية، التي تنص على ضرورة الالتزام باحترام مقدسات الشعوب وعقائدهم وأديانهم».
وشدد على أن التعدي على المقدسات الدينية ليس من حرية التعبير، وإنما هو رِدة حضارية وهمجية تضرب بالقيم الإنسانية عرض الحائط، وتعود بالسلوك البشري إلى عصور الظلام، وتغذي مشاعر العنف والكراهية، وتقوِّض أمن المجتمعات واستقرارها.
بيان الأزهر، وافقه نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، الذي أكد -في تصريحات لـ«السياق»- أن حملة حرق المصاحف في السويد، تعد استفزازًا لمشاعر المسلمين، مؤكدًا أن المسلمين لن يقبلوا بحرق المصحف الشريف، فهو «معجزة خالدة».
واعتبر أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، أن هذه المحاولات التي وصفها بـ«الخبيثة»، تدل على حقد مرتكبيها على الدين الإسلامي.
لعبة انتخابات
إلا أن هناك زاوية أخرى لقراءة ما حدث في السويد، أشار إليها حسام حسن الباحث في جامعة فيينا، مؤكدًا في تصريحات لـ«السياق»، أن الأمر مرتبط بلعبة الانتخابات.
وأوضح حسن أن «اليمين المتطرف يملك قواعد معقولة، ويحقق نجاحات انتخابية شمالي أوروبا ووسطها، ويستغل خطاب الكراهية ومعاداة المهاجرين في تعبئة مؤيديه وتوسيع قواعده».
يعتمد هذا التيار، بحسب الباحث في جامعة فيينا، على حالة السخط لدى قطاع من الأوروبيين، برفض استفادة المهاجرين واللاجئين من نظام الرفاه الاجتماعي في عدد من الدول الأوروبية.
ورغم تغير الأوضاع بسبب الحرب الروسية، فإن حسن، قال إن الوضع الحالي المتمثل في حالة القلق من المستقبل إثر الأزمة الأوكرانية، والتضخم والمعاناة الاقتصادية، يعد مناخًا مواتيًا لتيار اليمين المتطرف وخطاب الكراهية ولوم المهاجرين، وفرصة لن يفوتها، لزيادة أتباعه ومؤيديه.
وتوقع الباحث في جامعة فيينا مزيدًا من حوادث الكراهية، مثل حرق المصاحف أو الاعتداءات العنصرية على المهاجرين في دول أوروبية، في الفترة المقبلة.