هل تنقسم روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا؟

اضطرابات سياسية في روسيا قد تشمل مطالب الجمهوريات المكونة لها بالاستقلال كإعادة لانهيار الاتحاد السوفييتي

هل تنقسم روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا؟
ترجمات - السياق
رأت مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، أن الغزو الروسي الذي وصفته بـ"المشؤوم" لأوكرانيا، يشبه الحملة التي شنتها بريطانيا وفرنسا عام 1956 على قناة السويس، إذ كان التراجع المهين للندن وباريس نهاية لوضعهما كقوتين من الدرجة الأولى، وبداية فترة مضطربة من الأزمات السياسية، وفقدان الأراضي لحركات الاستقلال.
وقالت المجلة -في تحليل- إن التاريخ قد يعيد نفسه، مع فشل روسيا في محاولتها لاحتلال أوكرانيا، إذ تعاني موسكو -في هذه العملية- خسائر فادحة في قدراتها العسكرية وقوتها الاقتصادية ومكانتها الدولية، كما بات من الواضح أن روسيا ليست قوة عظمى في مكانة الولايات المتحدة والصين، كما أنها على أعتاب اضطراب سياسي من المرجح أن يشمل تجدد مطالب الجمهوريات المكونة لها بالاستقلال، ما سيكون إعادة لانهيار الاتحاد السوفييتي.
خسائر سياسية
وأضافت المجلة أن الحرب الروسية في أوكرانيا، بها العديد من التجاوزات، مشيرة إلى أنها ستجبر موسكو على الاعتراف بقوتها المحدودة ووضعها المتضائل، إذ يشهد العالم كله عجز الجيش الروسي عن إبراز قوته حتى في دولة مجاورة بثلث حجمها، بينما ينهار الاقتصاد الروسي تحت وطأة تكلفة الحرب والعقوبات، حيث يتجه التضخم نحو 20%، وسينكمش الاقتصاد بنسبة 10% هذا العام، كما لا تزال البورصة الروسية متوقفة عن العمل، وتنخفض قيمة الأسهم الروسية المتداولة في لندن بنسبة 90%، ومن المتوقع أن يزداد تأثير العقوبات القاسية والشاملة المفروضة على روسيا من معظم القوى الاقتصادية الكبرى في العالم بمرور الوقت.
وتابعت: "كما تبدو الخسائر السياسة الدولية للغزو فادحة أيضاً، إذ إنه ليس لروسيا حلفاء في هذه الحرب، ولا تقدم الصين لها سوى دعم ضمني، وفي حين أن بيلاروسيا حليف إلا أنها ليس لديها الكثير لتقدمه، بينما تصطف ضد موسكو أوروبا بأكملها تقريباً والولايات المتحدة وكندا واليابان وأستراليا والعديد من البلدان الأخرى، كما تساعد هذه الدول أوكرانيا بشكل كبير".
نظام سياسي هش
ووفقاً للمجلة فإنه يجرى التعامل مع هذه التحديات الخطيرة من خلال نظام سياسي هش مبني على ديكتاتورية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فقد لخص نائب رئيس الأركان الروسي فياتشيسلاف فولودين الوضع بعبارة "لا بوتين، لا روسيا"، ولذا فإنه يتعين على بوتين زيادة القمع الداخلي أكثر للتعامل مع الاستياء المتزايد من الحرب، لكن ذلك ستكون له تكاليفه وحدوده أيضاً.
ورأت المجلة أن غزو أوكرانيا كان سوء تقدير خطير من روسيا، إذ اعتقد بوتين أنه سيكون مثل غزو المجر عام 1956 أو تشيكوسلوفاكيا عام 1968 وهي العمليات التي جعلت الاتحاد السوفييتي أقوى، لكن الغزو الحالي أشبه بحرب أفغانستان 1979-1989 التي تفكك بعدها الاتحاد، وأصبحت أغلبية الجمهوريات المكونة له مستقلة.
انفصال الجمهوريات
وذكرت المجلة أن مطالبة الجمهوريات المكونة لروسيا بالاستقلال، عندما تكون موسكو ضعيفة ليست جديدة، حيث كانت الثورة الروسية عام 1917 إحدى هذه اللحظات، فقد أعلنت أغلبية الجمهوريات التأسيسية استقلالها في ذلك الوقت، وبقي بعضها مستقلاً سنوات، بينها ليتوانيا، ولاتفيا، وإستونيا، وتتارستان، وجمهورية شمال القوقاز، كما أنه بعد انهيار الاتحاد عام 1991، أصبحت أغلبية جمهورياته دولاً مستقلة مثل مولدوفا وبيلاروسيا وأوكرانيا وجورجيا وأرمينيا وأذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان وطاجيكستان وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا.
وربما تكون عملية الانفصال هذه قد ذهبت إلى أبعد من ذلك، لأن العديد من المناطق الروسية الأخرى، بما في ذلك سيبيريا وأورال وكاريليا وتتارستان، أعلنت سيادتها في ذلك الوقت، ولمنع المزيد من الخسائر الإقليمية، اقترح الرئيس بوريس يلتسين إنشاء اتحاد فيدرالي، ووعد الجمهوريات بالسيادة، وتفاوض على صفقات مع المناطق المضطربة، حسب المجلة.
ما الذي يغذي مزاعم الاستقلال في روسيا اليوم؟
يتكون الاتحاد الروسي من خمسة وثمانين كيانًا فيدراليًا أو أجزاء مكوّنة له، منها اثنتان وعشرون جمهورية سميت على اسم عرقيات غير روسية، إذ تضم البلاد أكثر من 190 عرقًا، ويعيش الكثير منهم في أماكن نائية مثل سيبيريا ومنطقة القوقاز.
لماذا ترغب هذه المناطق في الانفصال؟ 
وقالت المجلة إن هناك سببين لانفصال بعض هذه المناطق عن روسيا، اقتصادي وثقافي، لأن روسيا اليوم، مثل الاتحاد السوفييتي سابقاً، ليست ناجحة على المستوى الاقتصادي، حيث تعد قوة اقتصادية متوسطة بإجمالي ناتج محلي يقارب حجم ناتج إسبانيا أو تكساس، كما أن العديد من الجمهوريات والمناطق لديها علاقات أوثق بدول أخرى أكثر من موسكو، وقد يشعرون بأنهم لا يحصلون على فوائد تذكر من الحكومة المركزية في موسكو، التي يرون أنها فاسدة وغير كفؤ.
وتابعت: "كما أن هناك دافعًا آخر، إذ توسعت روسيا بشكل رئيس من خلال حروب الفتح، التي كانت معظمها طويلة ودامية، كما حافظت على حكمها من خلال الإرهاب، وغالباً ما أعادت توطين السكان في الأراضي البعيدة".
عواقب الانفصال
وأضافت المجلة أن العواقب الجيوسياسية للانفصال الروسي، ستكون مزيجًا من النتائج، وقد تكون أخباراً جيدة للولايات المتحدة والعالم الحر، خاصة أوروبا، لأن تضاؤل موسكو وانشغالها بالشؤون الداخلية، سيجعلانها أقل تهديداً للسلام العالمي مما هي عليه اليوم، لكنه في الوقت نفسه سيسبب قلقاً كبيراً بشأن الأسلحة النووية الروسية، لأن تأمين الأسلحة في البلدان المستقلة حديثاً ذات الولاءات غير المؤكدة، سيكون تحدياً خطيراً، تماماً كما كان الحال بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وقد تستفيد الصين من هذا التفكك من خلال جذب البلدان المستقلة حديثاً في آسيا إلى فلكها الاقتصادي.
وتساءلت المجلة: هل تظل الحكومة الروسية -التي ستخرج من هذه الدراما الوطنية- متبنية لنهجها الحالي وتمثل تهديداً لجيرانها، أم تقبل بالقانون الدولي؟