ماذا تعني سيطرة روسيا على ماريوبول الأوكرانية؟

منذ بدء العملية العسكرية الروسية، ظلت ماريوبول هدفًا استراتيجيًا بالنسبة إلى روسيا، لأن المدينة تشكل القلب النابض للنشاط البحري التجاري الأوكراني، والسيطرة عليها تعني السيطرة على نحو 80 بالمئة من ساحل أوكرانيا على البحر الأسود.

ماذا تعني سيطرة روسيا على ماريوبول الأوكرانية؟

ترجمات – السياق

بعد أسابيع من الحصار العنيف، أعلن  الرئيس الروسي فلاديمير بوتين –الخميس- أن قوات بلاده "نجحت" في السيطرة على مدينة ماريوبول الأوكرانية، وأمر بمحاصرة آخر المقاتلين الأوكرانيين، بدلًا من اقتحام موقع آزوفستال الصناعي حيث يتحصنون، فما أهمية المدينة الساحلية؟

منذ بدء العملية العسكرية الروسية، ظلت ماريوبول هدفًا استراتيجيًا بالنسبة إلى روسيا، لأن المدينة تشكل القلب النابض للنشاط البحري التجاري الأوكراني، والسيطرة عليها تعني السيطرة على نحو 80 بالمئة من ساحل أوكرانيا على البحر الأسود.

 

معارك ضارية

كانت ماريوبول -قبل الغزو الروسي- ميناءً مزدهرًا على البحر الأسود، يسكنه ما يقرب من نِصف مليون شخص، لكن بعد أن حاصرتها القوات الروسية أوائل مارس الماضي، شهدت المدينة أشد المعارك ضراوة منذ بدء الحرب، حيث فرضت القوات الروسية حصارًا عليها وعزلتها عن العالم الخارجي.

وأوضحت "فورين بوليسي" أنه بعد أسابيع من القصف العنيف، بما في ذلك الهجمات على مستشفى للولادة وأحد المسارح، حيث كان مئات المدنيين يلجأون إلى هذه المناطق بحثًا عن مأوى، لجأ الجيب الأخير للقوات الأوكرانية إلى مصنع آزوفستال للحديد والصلب، وهو مجمع مترامي الأطراف مساحته أربعة أميال مربعة.

ويقدر المسؤولون الأوكرانيون أن نحو 100 ألف مدني ما زالوا محاصرين داخل المدينة، بينما حذر ديفيد بيسلي، رئيس برنامج الغذاء العالمي، من أنهم "يموتون جوعًا".

وقالت السفارة الأوكرانية بواشنطن في بيان: أكثر من 1000 مدني، بينهم نساء وأطفال، ما زالوا في الطابق السفلي من مصنع الحديد والصلب، الذي يتعرض لقصف عنيف ونيران المدفعية.

ورفضت القوات الأوكرانية سلسلة من الإنذارات الروسية للاستسلام، رغم تحذيرات موسكو بأن أي قوات متبقية "سيُقضى عليها".

ورغم أن المدينة صمدت أطول بكثير مما كان متوقعًا، فإنها -حال سقوطها- ستمنح موسكو أول فوز كبير لها في الحرب، حتى الآن.

 

انتصار دعائي

وبينت المجلة الأمريكية، أنه بعد سبعة أسابيع فقط من الحرب، اضطرت روسيا إلى تغيير أهدافها الحربية بشكل جذري، عقب الجهود الأولية للاستيلاء على كييف، العاصمة الأوكرانية، في هجوم خاطئ أعاقه سوء التخطيط والمقاومة الأوكرانية الشرسة.

وأشارت إلى أن القوات الروسية سيطرت -حتى الآن- على مدينة أوكرانية كبيرة واحدة فقط، هي خيرسون، على طول الساحل الجنوبي، التي كان عدد سكانها -قبل الحرب- قرابة 300 ألف.

وأوضحت المجلة أنه بعد انسحابها من منطقة كييف، تركز موسكو جهودها على شرقي أوكرانيا، التي شهدت تصعيدًا كبيرًا في الضربات الروسية خلال الأيام الأخيرة، إيذانًا ببداية هجوم جديد في دونباس، لافتة إلى أن القوات الروسية استولت على مساحات شاسعة من منطقة لوهانسك وجزء كبير من الساحل الجنوبي على طول بحر آزوف.

وترى "فورين بوليسي" أنه إذا سقطت ماريوبول، فسوف تمنح موسكو أول انتصار كبير لها في الحرب، وإن كان مكلفًا.

ونقلت عن اللفتنانت جنرال المتقاعد، بن هودجز، الذي تولى الإشراف على القوات البرية الأمريكية في أوروبا بين عامي 2014  و2017، قوله إن الحرب شرقي أوكرانيا جديدة تمامًا، متوقعًا معركة "كلاسيكية وقوة نيران ثقيلة".

وحسب المجلة، يعتقد بعض المسؤولين الغربيين أن موسكو تحاول الانتهاء من السيطرة على ماريوبول سريعًا، للاحتفال بالنصر في 9 مايو "موعد نهاية الحرب العالمية الثانية".

ونقلت عن مسؤول أوروبي، تحدث بشرط عدم كشف هويته: "يسعى بوتين إلى السيطرة على ماريوبول، في أقرب وقت ممكن، قبل نهاية أبريل الجاري، لأنه يحتاج إلى إعلان انتصاره في أوكرانيا قبل 9 مايو".

 

انتصار تكتيكي

وترى "فورين بوليسي" أن السيطرة على ماريوبول، ستكون لها تداعيات عميقة على المجهود الحربي الروسي والأهداف الاستراتيجية الأوسع، مشيرة إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية توقعت أن يؤدي سقوط المدينة بيد الروس إلى تحرير ما يقدر بـ 12 كتيبة، أي ما يقرب من 8000 جندي أو أكثر عن الأعمال القتالية ولو مؤقتًا.

وعلقت المجلة الأمريكية على ذلك: "نظرًا لأن موسكو تكافح مع معدلات عالية من الاستنزاف وانخفاض الروح المعنوية بين الجنود، يمكن إعادة انتشار هذه القوات كجزء من التصعيد المتوقع للقتال في دونباس".

كما ستمنح ماريوبول موسكو موطئ قدم استراتيجي على بحر آزوف، يمكن من خلاله التقدم شمالًا، في محاولة للربط مع القوات الروسية الآتية من خاركيف.

ونقلت المجلة عن صموئيل شاراب، كبير المحللين السياسيين في مؤسسة راند: "عليهم المرور عبر ماريوبول للذهاب إلى الشمال"، بينما ترى "فورين بوليسي" أن سقوط المدينة سيسمح لموسكو بربط محورين للهجوم، من شبه جزيرة القرم ودونباس.

كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن -قبل الحرب بوقت قصير- أن بلاده ستعترف باستقلال الجمهوريتين الانفصاليتين دونيتسك ولوهانسك، اللتين استولى عليهما وكلاء موسكو عام 2014، إلا أن محللين عسكريين توقعوا -حسب المجلة الأمريكية- أن تسعى موسكو للسيطرة على المنطقتين الآن، بما في ذلك ماريوبول، أكبر مدينة في منطقة دونيتسك، التي كانت تحت السيطرة الأوكرانية قبل بدء الحرب في فبراير الماضي.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن السيطرة على المنطقة، تمنح موسكو ورقة مساومة كبيرة في محادثات السلام وما يمكن تحويله إلى انتصار، رغم الاضطرار إلى تقليص طموحات الحرب الأولية بشكل كبير.

وحسب المجلة الأمريكية، تقف ماريوبول أيضًا في طريق هدف آخر من أهداف روسيا، وهو (إنشاء ما يسمى الجسر البري بين روسيا وشبه جزيرة القرم، الذي ضمته موسكو بشكل غير قانوني عام 2014).

وبينت المجلة أنه رغم أن سقوط ماريوبول سيكون نعمة كبيرة للقوات الروسية، فإنه لن يؤدي –بالضرورة- دورًا حاسمًا في المعركة المقبلة بدونباس.

 

جرائم الحرب

من أهم الأهداف التي تسعى إليها موسكو أيضًا، من خلال سقوط ماريوبول، التنصل من اتهامات جرائم الحرب التي واجهتها خلال المعارك التي دارت في كييف وبوتشا وغيرهما.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه مع انقطاع ماريوبول -إلى حد كبير- عن العالم الخارجي لأسابيع، يخشى المسؤولون الأوكرانيون أن يتجاوز عدد القتلى في المدينة 20000، مشددة على أنه من المرجح -حال سقوط المدينة- أن تكون أي جهود لجمع الأدلة الجنائية، المطلوبة لتوثيق الفظائع، وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة مستحيلة، في ظل السيطرة الروسية.

ونقلت المجلة عن راشيل دنبر، نائبة مدير قسم أوروبا وآسيا الوسطى في "هيومن رايتس ووتش" قولها: "يجب تطويق المناطق التي عُثر فيها على الجثث، حتى يمكن أن يكون هناك نوع من استعادة البقايا وتحليلها". وأضافت أنه سينشر خبراء الصواريخ الباليستية لتقييم أنواع الأسلحة المستخدمة، والاتجاه من حيث جرى إطلاقها، وأي علامات على الاستخدام غير المتناسب للقوة.

وتابعت: "هناك قلق بالغ من أنه بصرف النظر عن الحاجة إلى انتشال الجثث، للحصول على تقدير لعدد الضحايا المدنيين، جراء القصف الروسي، لا تزال هناك حاجة لفحص الطب الشرعي لجثث الذين لقوا حتفهم نتيجة لذلك، لمعرفة الطرق التي قُتلوا بها والأسلحة المستخدمة".