لماذا تبدو الحرب الأوكرانية مألوفة للعديد من الأفغان؟
العالم لا يتنبه -في الغالب- للحرب، خصوصًا تلك التي تكون بعيدة عن الغرب.. غالبًا ما يصفنا الناس بأننا غير متحضرين، وبينما يستمر الصحفيون في التحدث عن تحيزهم العنصري، من المهم أن نتذكر أن كل حياة بشرية مهمة، بصرف النظر عن العِرق أو الدين.

ترجمات - السياق
يبدو مشهد الحرب في أوكرانيا مألوفًا جدًا للعديد من الأفغان، فبالنظر إلى الذكريات المؤلمة لهذا البلد الآسيوي، فإن الأوكرانيين يعيشون المأساة نفس من هجرات ونزوح جماعي، أملًا في حياة أفضل بعيدًا عن الحرب.
وقالت فايزة ساقب، في مقال بصحيفة إندبندنت البريطانية: "قبل الغزو السوفييتي لأفغانستان عام 1979، كانت أفغانستان مزدهرة في الثقافة والتاريخ والجواهر الخفية، التي سُرقت عندما عمت الحرب البلاد وأعمت الكثيرين، لقد مزق الغرباء وطني، وللأسف لا يزال التاريخ يعيد نفسه".
ورأت أن الصراع الحالي في أوكرانيا، له صدى لدى العديد من الأفغان، الذين عاشوا الأجواء نفسها تقريبًا تحت وطأة الحرب التي مزقت بلادهم، ونقلت عن بعضهم تصورهم أن المأساة التي يعيشها الأوكرانيون ما هي إلا تكرار لما عايشوه.
حياة أفضل
"بالنظر إلى الذكريات المؤلمة، تحدثت إلى والدتي، التي تتمتع بقوة كبيرة، هاجرت من بلد إلى آخر لتوفير أفضل حياة ممكنة لأحبائها"، تقول فايزة ساقب.
وتشير إلى أن والدتها -كالعديد من الأمهات اللائي يعشن في ظل الحرب- ربت الأطفال في وقت صعب، إذ استخدمت جسدها لحماية أطفالها، مضيفة: "كانت تحمي إخوتي في لحظات لا تطاق، لحظات يجب أن تلهمنا التعاطف مع أولئك الذين يواجهون الحرب في جميع أنحاء العالم".
وترى الكاتبة أن العالم لا يتنبه -في الغالب- للحرب، خصوصًا تلك التي تكون بعيدة عن الغرب، مضيفة: "غالبًا ما يصفنا الناس بأننا غير متحضرين، وبينما يستمر الصحفيون في التحدث عن تحيزهم العنصري، من المهم أن نتذكر أن كل حياة بشرية مهمة، بصرف النظر عن العِرق أو الدين".
كان كبير مراسلي شبكة "سي بي إس نيوز" تشارلي داغاتا، وصف الأسبوع الماضي، أوكرانيا، بأنها ليست "مثل العراق وأفغانستان، قائلًا: "هي دولة متحضرة نسبيًا، ما يعني أن الأوكرانيين، على عكس الأفغان والعراقيين، يستحقون تعاطفنا أكثر من العراقيين أو الأفغان".
المآسي
وفي روايتها للمآسي التي عايشها الأفغان جراء الحرب، قالت ساقب: إن العديد من الأفغان -كما يفعلون- عاشوا يومًا بعد يوم وهم يصلون أملًا في تجنُّب القتل، مشيرة إلى أنه ذات يوم صدر إعلان في بنجشير أن "الروس سيهاجموننا غدًا، والجميع بحاجة إلى الإجلاء"، لكن الحقيقة المحزنة أنه لم يكن هناك مكان نلجأ إليه.
وأضافت: "كانت أغلبية المنازل تحتوي على ملاجئ من القنابل، لكن أمي، التي تعاني رهاب الأماكن المغلقة، كرهت الشعور بأنها عالقة في ملجأ من القنابل يومًا آخر، إذ قررت البقاء في المنزل بصحبة أخي الصغير، للصلاة من أجل سلامة أحبائها".
وبأسى تتابع الكاتبة رواية ما حدث: "بدأت الصواريخ تتساقط مثل قطرات المطر، سقط صاروخ في حديقة منزل أمي وأصاب شجرة توت، ودمر جزءًا كبيرًا من المنزل، بينما خرج شقيقي من المنزل خوفًا وذعرًا وسارعت والدتي وراءه".
واستطردت: "أخبرتني أمي بأنها حينما خرجت إلى الشارع، رأت صورًا لا يمكن نسيانها، إذ رأت جثثًا فوق جثث، والشوارع ملطخة بالدماء، كما أنها رأت رجلًا على شفا الموت وساقاه منفصلتان عن جسده، إذ كان يتنهد طلبًا للمساعدة بينما يأخذ أنفاسه الأخيرة".
وحسب "إندبندنت" تضيف الكاتبة رواية ما حدث على لسان أمها: "سرعان ما تحول السلام إلى فوضى، وأخي الذي كان في الخامسة من عمره في ذلك الوقت، سُلبت منه طفولته، وبات لا صوت يعلو فوق صوت الصواريخ والقنابل، وكأن براءة أفغانستان انتهت بلا رجعة".
ضياع الأمان
وذكرت الكاتبة، أنه في ظل هذه الأوضاع الموجعة، ضاع الأمان بلا رجعة، إذ شاهدت والدتها جثتي طفلين ممسكين بأيديهما وهما متجمدتان بعد قصف أحد الملاجيء هناك، مشيرة إلى أن هذا الهجوم كان مجرد واحد من العديد من الأحداث المفجعة التي وقعت خلال الغزو السوفيبتي لأفغانستان.
وبعد هذا الهجوم المفجع، توضح فايزة ساقب، أن عائلتها غادرت أفغانستان في النهاية بعد السنة الخامسة من الغزو، إذ شقت طريقها إلى باكستان لمدة ثماني سنوات، مشيرة إلى أنه بعد سنوات من الهجرة والانتقال من بلد إلى آخر، وصلت عائلتها أخيرًا إلى بريطانيا عام 1995.
وختمت الكاتبة: "الحرب في أوكرانيا سرد مألوف للغاية بالنسبة للعديد من الأفغان، وتثير ذكريات لا تُنسى بالنسبة للكثيرين، ولهذا السبب على بريطانيا بذل المزيد من الجهد لقبول اللاجئين".
وتضيف: "لا يمكننا أن ننسى شعوب أوكرانيا وأفغانستان وسوريا واليمن وفلسطين، والقائمة طويلة، فالجميع يستحقون فرصة في الحياة... الجميع يستحقون حياة طبيعية".