كاتب أمريكي: قصة أفغانستان لن تنتهي بغزو طالبان

لعبة إلقاء اللوم بشأن سقوط كابل مازالت جارية، إذ ألقى الرئيس جو بايدن باللوم على سلفه الرئيس دونالد ترامب، وعلى اتفاق السلام مع طالبان، الذي حدَّد موعدًا نهائيًا للانسحاب الأمريكي، بالتسبُّب في ما حدث.

كاتب أمريكي: قصة أفغانستان لن تنتهي بغزو طالبان

ترجمات - السياق

قال الكاتب الأمريكي، مايكل روبين، إن قصة أفغانستان، لن تنتهي بغزو طالبان للعاصمة كابل، مشيراً إلى أن الحركة قد تدَّعي النصر، لكنها بالنسبة لأفغانستان، لا تمثِّل نهاية القتال، بقدر ما تمثِّل فصلًا واحدًا في تاريخ دموي.

واستعرض روبين، وهو زميل معهد أمريكان إنتربرايز، في مقال بمجلة "ذا ناشيونال إنترست الأمريكية"، توابع استيلاء طالبان على القصر الرئاسي في كابل، واستكمال حربها الخاطفة عبر أفغانستان، مع فرار الرئيس أشرف غني.

واستشهد روبين، بما كتبه وزير الدفاع بسم الله خان محمدي: "لقد قيَّدوا أيدينا من الخلف وباعوا البلاد... اللعنة على غني وعصابته"، مشيرًا إلى أنه في غضون ذلك، هناك مأساة إنسانية، إذ تعدم طالبان أولئك الذين عملوا مع الولايات المتحدة، بينما يتردَّد أن مقاتلي الحركة يغتصبون نساء هؤلاء الحلفاء.

وبالانتقال إلى واشنطن، قال روبين: إن لعبة إلقاء اللوم بشأن سقوط كابل مازالت جارية، إذ ألقى الرئيس جو بايدن باللوم على سلفه الرئيس دونالد ترامب، وعلى اتفاق السلام مع طالبان، الذي حدَّد موعدًا نهائيًا للانسحاب الأمريكي، بالتسبُّب في ما حدث.

وأوضح الكاتب: رغم أن صفقة ترامب مع طالبان كانت خاطئة، فإن أعذار بايدن مخادعة لثلاثة أسباب، أولًا: لم تلتزم طالبان بالاتفاق وألغته، ثانيًا: انقضى الموعد النهائي للانسحاب الأمريكي قبل أشهر، وأخيرًا: لم يلتزم بايدن بصفقات ترامب الأخرى بشأن الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك، وخط أنابيب Keystone XL  بين كندا والولايات المتحدة، وبذلك فإن فِكرة أن ترامب كبَّل يديه، بشأن اتفاق طالبان، مجرَّد هراء.

 

القصة لم تنته

ومع ذلك -يضيف الكاتب- بينما يرفرف علم الإمارة الإسلامية الآن فوق القصر الرئاسي في كابل، فإن انتصار طالبان ليس نهاية القصة، مشيرًا إلى أن (هياج) طالبان ليس مقياسًا لشعبيتها، بل نتيجة لدعمهم من قِبَلِ باكستان، وزخم سقوط العاصمة بأيديهم، إذ إنه نادرًا ما يقاتل الأفغان حتى الموت، ولكن بدلاً من ذلك ينشقون إلى الجانب الأقوى، لذلك جاء عرض بايدن، بتأكيد الانسحاب في 31 أغسطس الجاري، هدية لقادة طالبان، الذين سعوا للتأثير في حُكام المقاطعات، للتنحي مقابل حياتهم.

وبحسب روبين، فإن طالبان ليست قوية كما تبدو، ويضيف: "في مارس 2000 زرت إمارة طالبان الإسلامية، في ذلك الوقت سيطرت طالبان على تسعين بالمئة من البلاد، وضغطت حينها على واشنطن للاعتراف بها، كما فعلت باكستان، وجادلت بأنها "لم تكن أكثر تطرفًا من غيرها"... حينها قدت سيارتي عبر ممر خيبر من بيشاور في باكستان، ثم زرت جلال آباد وكابل وغزنة وقندهار... وفي كل مدينة، كان الأفغان يقولون إن الأمن الذي وعدت به طالبان، عندما وصلت في البداية اختفى سريعًا.

ورفض روبين، الاتهامات الموجَّهة للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان، بأنه وراء تأسيس طالبان، وقال في مقاله: "يدَّعي بعض التقدُّميين والانعزاليين، وغيرهم من منتقدي السياسة الخارجية الأمريكية التقليدية، أن إدارة ريجان أنشأت طالبان، لكن ذلك هراء وعفا عليه الزمن"... وتابع: "لقد دعمت الولايات المتحدة المجاهدين، مثل أحمد شاه مسعود وآخرين، ممن أصبحوا في قلب التحالف الشمالي، الذي قاتل الاتحاد السوفييتي آنذاك، بينما تشكلت طالبان عام 1994، من الإنصاف انتقاد ريجان ووكالة المخابرات المركزية في مسائل أخرى، لكنهما لم يسلِّحا هؤلاء المقاتلين، الذين كانوا في روضة الأطفال، حينما غزا السوفييت بلادهم.

خلال هذه الفترة -يضيف الكاتب- زرت أيضًا مزار الشريف، التي كانت في ذلك الوقت، تحت سيطرة عبدالرشيد دوستم، الذي كان الحليف الرئيس للقوات الخاصة الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية، خلال حملة إطاحة حكومة طالبان، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

ويتابع روبين: "بعد ذلك، دخلت من ترميز، أوزبكستان، التي كانت الطريق الذي من خلاله دعمت أوزبكستان وتركيا وكلاءهما من أمراء الحرب في أفغانستان، وعام 1999، كادت إيران وطالبان أن تخوضا حربًا لا هوادة فيها، بعد أن ذبحت طالبان دبلوماسيين إيرانيين وعملاء مخابرات في قنصلية مزار الشريف، بينما في المقابل دعم الإيرانيون إسماعيل خان كأمير حرب بالوكالة، رغم عدم سيطرته على الكثير من الأراضي الأفغانية حينها.

 

الخوف من طالبان

زميل معهد أمريكان إنتربرايز، يعود ليؤكد في مقاله، أن جيران أفغانستان -باستثناء باكستان- يخشون طالبان، ويضيف: "نتوقَّع أن يرعى كل منهما -باكستان وطالبان- خلال الأسابيع المقبلة، الميليشيات وأمراء الحرب، الذين سيحاولون الاستيلاء على الأراضي الواقعة على طول الحدود، ليكونوا منطقة عازلة، ومن ثم فإن من المؤكد، أن روسيا ستساعد الجمهوريات السوفيتية السابقة المتاخمة لأفغانستان، لأنها تخشى وصول التطرف بين سكانها المسلمين الذين تتزايد أعدادهم.

ويستطرد الكاتب: "نظرًا لأن طالبان، كانت تعتمد على الزخم أكثر من اعتمادها على البراعة العسكرية، فإن هذا يعني أنها قد تفقد قريبًا بعض المقاطعات، ومن ذلك هرات على سبيل المثال، باعتبارها فارسية ثقافيًا، وكانت جزءًا من إيران، وبذلك إذا بذلت الجمهورية الإسلامية جهودًا متضافرة، لوضع وكيل في السُّلطة هناك، فمن المرجَّح أن تنجح، كما أن طهران قد تفرض أيضًا سيطرتها على مدن فراه ونمروز، وباقي المحافظات الأخرى، التي تتشارك معها الحدود، وينطبق الشيء نفسه على منطقة بدخشان شمالي شرق أفغانستان، المتاخمة لطاجيكستان.

ويضيف روبين: "عندما يصبح جيران أفغانستان، نشطين ويرعون وكلاء جددًا للحرب، قد يستغرق الأمر عامًا أو عامين من القتال المنخفض الكثافة مع طالبان، قبل إنشاء مناطق نفوذهم، ويقسمون أفغانستان مرة أخرى، كما كان الحال خلال الحرب الأهلية، في تسعينيات القرن الماضي".

 

الدوران التركي والباكستاني

وعن الدور التركي المنتظر في أفغانستان، قال روبين: إن رجب طيب أردوغان لم يخفِ أنه ليست لديه مشكلة أيديولوجية مع برنامج طالبان المتطرف، فقد ساعدت تركيا قبل أردوغان، في دعم أمراء الحرب شمالي أفغانستان، وقدَّمت لهم الدعم الطبي واللوجستي عبر أوزبكستان وتركمانستان، ومن ثم فإنه غير الواضح ما إذا كان أردوغان، سيسمح باستمرار ذلك أم لا، رغم أنه من المرجَّح أن يحاول اللعب على الجانبين، لتحقيق أقصى فائدة تجارية.

أما باكستان -يضيف الكاتب- فهي اليوم منتشية لفوز طالبان، لكنها قد تندم على ذلك، فقد كانت طالبان حركة محلية عام 1994 واستحوذت عليها وكالة الاستخبارات الباكستانية (ISI)وقد فعلت المخابرات الباكستانية ذلك لأن وكيلها السابق، قلب الدين حكمتيار، لم يكن يحظى بشعبية كبيرة بين الأفغان، وبذلك فإن طالبان، على الأقل في البداية، كانت خيارًا أفضل، لكن لا يمكن لحكومة إسلام آباد أن تنسى في الوقت ذاته، أن طالبان أبناء عمومة أيديولوجيون لحركة طالبان باكستان، المسؤولة عن مقتل الآلاف من الجنود والمدنيين الباكستانيين.

واستطرد الكاتب: إن كل دولة دعمت الجهاديين، في أي مكان بالعالم، عانت رد فِعل سلبي، ومن ثم فإن باكستان لن تكون محصنة من ذلك، فضلًا عن أن انتهاء الوجود الأمريكي، يعني عدم وجود قوة هناك، لمنع الأفغان المناهضين لطالبان، من شن حملة تمرُّد وإرهاب داخل الوطن الباكستاني، ويضيف: "الواقع أن الأفغان، الذين تحدَّثت معهم -على مر السنين- وعدوا بذلك"، أي بشن عمليات داخل الأراضي الباكستانية.

ويختم الكاتب بالقول: باختصار قد تدَّعي طالبان النصر، لكنها بالنسبة لأفغانستان، لا تمثِّـل نهاية القتال، بقدر ما تمثِّـل فصلًا واحدًا في تاريخ دموي كبير، ومن ثم على الجميع هناك، أن يستعدوا للمرحلة التالية، في الحرب الأهلية الأفغانية.