ذا ناشيونال إنترست: على أمريكا أن تفهم طالبان لتتمكن من تغييرها
مستقبل أفغانستان، تحت حكم الحركة المسلحة، التي أعادت البلد الآسيوي إلى عقود للخلف

ترجمات -السياق
«هذا البلد أمامه طريق طويل قبل أن تحدث النهضة، لكنها ستحدث أمام العالم كله»، هكذا ترى «طالبان» مستقبل أفغانستان، تحت حكم الحركة المسلحة، التي أعادت البلد الآسيوي إلى عقود للخلف، بسياساتها القمعية، وإجراءاتها التي تحد من حرية المرأة وتعليمها.
نظرة تفاؤلية يبدو أنها شقت طريقها إلى مسؤولي «طالبان»، من قيادات الحركة مرورًا بذبيح الله مجاهد، نائب وزير الإعلام والثقافة في إمارة أفغانستان، إلى المسؤولين الحكوميين التابعين لها، بحسب «ذا ناشيونال إنترست»، التي قالت إن تلك النظرة «القاصرة» كانت مغايرة تمامًا للواقع «القاتم».
وتقول الصحيفة، في تقرير لمايكل إي بول، المستشار السياسي السابق لمكتب وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الدينية والشؤون العالمية، إنه منذ استيلاء طالبان على كابل في أغسطس 2021، حاول خبراء السياسة الأمريكية فهم الأخطاء الاستراتيجية التي ارتكبت في أفغانستان، مشيرًا إلى أن لجنة الحرب الأفغانية -المشكلة حديثًا- ستحدد الدروس المستفادة من الحرب الأمريكية في أفغانستان، وتسعى إلى فهم التوترات بين الجهود المدنية والعسكرية، وكيف أسهم الفساد الذي زرعته أنشطة بناء الدولة في دورات الفساد، وسوء إدارة الخروج من البلد الآسيوي.
إلا أنه أكد أن على واشنطن أن تنتقل من الماضي إلى الحاضر، بالتركيز على ديناميكيات السلطة الداخلية لـ«طالبان»: ما الذي يحكم عقلياتهم؟ أي الفصائل الداخلية تتصارع على السلطة؟ الأدوار المتباينة لمذهب طالبان الديني، والأهم كيفية استخدام هذه المعلومات، كرافعة لتشكيل تطور طالبان في المنطقة.
وضع أفضل
يقول مايكل إي بول، في تقريره، إن زيادة المعرفة بالديناميكيات الداخلية للإمارة، والانقسامات، والعوامل المعقدة التي تؤثر في صنع القرار لن تقلل من الالتزام الأمريكي بحقوق المرأة وحقوق الإنسان، بل تجعل واشنطن في وضع أفضل للتأثير في طالبان وتقريبهم من الاحترام، وربما تنفيذ المبادئ الأساسية للديمقراطية.
وأشار إلى أن الخلافات الداخلية لطالبان على الشمولية، والحكم، والمشاركة المتعددة الأطراف مع الدول الغربية، وحقوق الإنسان كلها منقسمة بشدة من مختلف فروع الفكر الديوبندية، لا سيما التفاهمات الدقيقة التي تشكلت خلال الحرب.
ففصيل من المفكرين «ذوي العقلية العالمية» يرون أنه يجب استثمار الأموال من المجتمع العالمي في اقتصاد أفغانستان والبنية التحتية، التي ترتبط -في النهاية- بالدخول في الدبلوماسية، إلا أن بين المقاتلين داخل عشيرة حقاني، ضغطًا مكثفًا لتطبيق المثل العليا التي قاتلوا من أجلها.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن حقاني طالبان اعتادوا اتخاذ قراراتهم الخاصة في ساحة المعركة، لكنهم أعربوا عن إجهادهم من بطء وتيرة اتخاذ القرار في مجلس الشورى بقندهار، مشيرة إلى أن الموازنة بالنسبة للإمارة، إرضاء جميع الفصائل على الطاولة، مع عدم فقدان الثقة بالدبلوماسية العالمية.
وأشارت إلى أنه يمكن للولايات المتحدة الاستفادة من علاقتها الدبلوماسية بالإمارة، من خلال زيادة خبرتها في الشؤون الخارجية بسرعة، فعلى سبيل المثال أنشأ وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جون كيري عام 2012، مكتب الدين والشؤون العالمية (RGA)، الذي دعم الدبلوماسيين الأمريكيين في فهم الديناميكيات المعقدة والمتغيرة للمجتمعات والمؤسسات الدينية.
وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن كيري أدرك أن على الدبلوماسيين أن يأخذوا بالاعتبار أصحاب المصلحة المهمين، لتعزيز العلاقات السياسية والأمن على المدى الطويل، مشيرة إلى أن المكتب المكون من ثمانية وثلاثين خبيرًا في الخدمة الخارجية والدين، دعموا مديري مجلس الأمن القومي، ومكتب وزير الخارجية، والمكاتب الإقليمية والمجالات الوظيفية في وزارة الخارجية.
خبرات متنوعة
سياسة أثمرت خبرات متنوعة لدى وزارة الخارجية الأمريكية، في الإسلام السُّني لأفغانستان وجنوب آسيا، والإسلام الشيعي في العراق وإيران، والبوذية في ميانمار، والأديان الإفريقية التقليدية، والكنائس الأرثوذكسية في أوكرانيا وروسيا، بحسب الصحيفة الأمريكية.
إلا أنها قالت إنه منذ الإنهاء الفعلي لمكتب الدين والشؤون العالمية RGA من وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون، افتقرت وزارة الخارجية إلى الخبرة والاستراتيجيين اللازمين لتقديم المشورة للقيادة العليا، والعمل في الوقت نفسه مع الزعماء الدينيين، في سياق الديناميكيات الدينية والسياسية والاجتماعية الداخلية المتقلبة.
وبدلاً من ذلك، حوَّلت وزارة الخارجية في عهد وزير الخارجية السابك مايك بومبيو، تركيزها إلى تعزيز الحرية الدينية الدولية، ما جعله يفقد خبراء الدين الذين يعرفون التفاصيل المعقدة للشبكات عبر الإقليمية، وفهموا كيف أسهمت الانقسامات الداخلية المعقدة للفكر الديني، في الانقسام أو الحفاظ على الاقتصاد.
عبثية السياسة الأمريكية
تقول «ذا ناشيونال إنترست»، إن السفير المتجول للحرية الدينية الدولية رشاد حسين، رئيس مكتب الحرية الدينية الدولية (IRF)، لديه فريق من 25 خبيرًا، مع ثلاثة خبراء فقط في الدين والشؤون الدولية، مشيرة إلى أن موظفي IRF يقومون بأنشطة البرمجة ويخططون لمشاركات تحدث السفير، ما يمنعهم من المشاركة مباشرة مع أصحاب المصلحة الدينيين، لتعزيز أولويات السياسة الأمريكية.
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن ما وصفتها بـ«عبثية» استنزاف مكتب الخبرة في الدين والشؤون العالمية، في وقت تشتد الحاجة إليه، يوضح كيف أن الدبلوماسيين الأمريكيين وصناع القرار والاستراتيجيين، لا يتماشون مع احتياجات السياسة الخارجية الحالية، مشيرة إلى أنه رغم أن ميليسا رودجرز، كبير مستشاري البيت الأبيض للشؤون الدينية، ووزير الخارجية أنتوني بلينكين يدركان هذه الفجوة، فإنهما لم يتحركا لتصحيحها.
وأشارت إلى أن صعود عالم ديني وزعيم ديوبندي في أفغانستان، مثل مولوي أخوندزاده إلى دور عام بارز، يسلط الضوء على العلاقة الحاسمة بين الفاعلين الدينيين والسياسيين، ما يجعل الولايات المتحدة في حاجة إلى تحديد استراتيجية دبلوماسية، للعمل مع قادة مثل القائد الأعلى لحركة طالبان، الملا هبة الله أخوند زاده، الحاكم الفعلي لأفغانستان، والملا محمد يعقوب وزير دفاع حركة طالبان الأفغانية نجل الملا عمر.
أمريكا تتخلف عن الركب
وبحسب «ذا ناشيونال إنترست»، فإن الولايات المتحدة تتخلف عن اللاعبين الإقليميين، مثل إيران وتركيا وباكستان والصين، مشيرة إلى أنه إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة بتقليص التهديدات العالمية للقاعدة و«داعش خراسان»، فمن الحكمة الاستثمار في شراكة محددة مع الإمارة، ما يجعل الأخيرة أكثر احتمالًا لإحراز تقدم في تعزيز القيم المشتركة، مثل التعددية وحقوق المرأة وسيادة القانون وحرية التعبير وحقوق الأقليات.
وأشارت إلى أن مزيج فك الارتباط ونقص الخبراء الدينيين، يعيق الدبلوماسية الأمريكية والنفوذ السياسي، في أفغانستان وخارجها، فوزارة الخارجية «مشلولة» من دون خبراء في الدين والشؤون الخارجية، لتقديم إرشادات سياسية حكيمة بشأن النشاط الديني والسياسي، ورؤى ثاقبة لكيفية مناورة طالبان داخل التسلسلات الهرمية الاجتماعية.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن إعادة الخبراء الذين يمكنهم تقديم تحليلات للتفسيرات المتباينة لطالبان، ستؤدي إلى تحسين تحليل وزارة الخارجية، لا سيما في ما يتعلق بكيفية تفكير الإمارة، في الحكم والتمويل وإنفاذ القانون، والمشاركة العالمية وديناميكيات صنع السياسات.