مع شُح الخيارات... أمريكا وحلفاؤها يستعدون لحرب طويلة في أوكرانيا
نقلت واشنطن بوست عن مسؤولين أمريكيين قولهم: إن واشنطن وحلفاءها يستعدون لصراع طويل الأمد في أوكرانيا، في وقت تحاول فيه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حرمان روسيا من الانتصار بزيادة المساعدات العسكرية إلى كييف.

ترجمات - السياق
بعد مرور أكثر من 100 يوم من الحرب الروسية الأوكرانية، قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إن الخيارات لإنهاء الحرب في أوكرانيا شحيحة أمام الولايات المتحدة وحلفائها، في ظل إصرار موسكو على تحقيق أهدافها واستمرار القصف.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين قولهم: إن واشنطن وحلفاءها يستعدون لصراع طويل الأمد في أوكرانيا، في وقت تحاول فيه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن حرمان روسيا من الانتصار بزيادة المساعدات العسكرية إلى كييف، بينما تسعى جاهدة لتخفيف آثار الحرب المزعزعة للاستقرار في الجوع والاقتصاد العالمي.
وأشارت إلى أن إعلان بايدن -هذا الأسبوع- تقديم مليار دولار إضافي كمساعدات أمنية لأوكرانيا، وهي أكبر شريحة من المساعدات الأمريكية حتى الآن، أحدث دليل على تصميم واشنطن على ضمان صمود أوكرانيا في الصراع الدائر بمنطقة دونباس الشرقية.
بينما كشفت دول أوروبية، بما في ذلك ألمانيا وسلوفاكيا، عن شحناتها الخاصة من الأسلحة المتطورة لإرسالها إلى أوكرانيا، بما في ذلك طائرات الهليكوبتر وأنظمة الصواريخ متعددة الإطلاق.
ودعا وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، حلفاء بلاده إلى تكثيف شحنات الأسلحة إلى الأوكرانيين، وأعلن، خلال اجتماع بمقر حلف شمال الأطلسي في بروكسل لدول مجموعة الاتصال، التي أنشأتها الولايات المتحدة لمساعدة كييف، أن "أوكرانيا تواجه لحظة مفصلية في ساحة المعركة"، وأضاف: "لذلك يجب علينا تكثيف التزامنا المشترك، ومضاعفة جهودنا حتى تتمكن من الدفاع عن نفسها".
المخاطرة بالتصعيد
ورأت "واشنطن بوست" أن قرار تزويد أوكرانيا بأسلحة متطورة مثل الصواريخ المضادة للسفن والمدفعية المتنقلة بعيدة المدى، القادرة على تدمير أصول عسكرية كبيرة أو ضرب عُمق روسيا، يعكس استعدادًا متزايدًا في العواصم الغربية للمخاطرة بالتصعيد غير المقصود مع روسيا.
وأشارت إلى أنه يبدو أن الدعم شجع حكومة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إذ تعهد -هذا الأسبوع- باستعادة كل أوكرانيا التي تسيطر عليها روسيا، حتى المناطق التي ضمتها موسكو قبل فترة طويلة من غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 24 فبراير الماضي.
لكن -حسب الصحيفة- يقول محللون: رغم زيادة المساعدات الخارجية، ورفع الروح المعنوية للقوات الأوكرانية، فإن كييف وداعميها يمكن أن يأملوا في ما هو أكثر بقليل من الجمود مع الجيش الروسي الأكبر والأفضل تسليحًا.
وبينوا أنه على عكس محاولة موسكو الفاشلة للاستيلاء على العاصمة كييف، لعبت معركة دونباس دورًا في تعزيز القوة العسكرية لروسيا، ما سمح لها باستخدام الضربات المدفعية المواجهة لقصف المواقع الأوكرانية وتوسيع نطاقها.
ونقلت الصحيفة عن إيفو دالدر، السفير الأمريكي السابق لدى "الناتو" الذي يرأس مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، قوله: إن المأزق في ساحة المعركة يترك الولايات المتحدة أمام خيارين، إما الاستمرار في مساعدة أوكرانيا بالحفاظ على الوضع الراهن الدموي المحتمل، مع العواقب العالمية المدمرة، وإما وقف الدعم والسماح لموسكو بالانتصار.
صراع طويل الأمد
ونقلت "واشنطن بوست" عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية -رفض ذكر اسمه- قوله: "المسؤولون في إدارة بايدن ناقشوا احتمال نشوب صراع طويل الأمد مع تداعيات عالمية حتى قبل فبراير"، إذ أشارت المخابرات الأمريكية حينها إلى أن بوتين كان يستعد للغزو.
وقال المسؤول إن إدارة بايدن تأمل بأن الأسلحة الجديدة، إضافة إلى العقوبات المتتالية والعزلة الدبلوماسية لروسيا، تحدث فرقًا في التوصل إلى نتيجة تفاوضية نهائية للحرب، ما قد يقلل من استعداد روسيا لاستمرار القتال.
وسلَّطت الصحيفة الضوء على تداعيات الحرب، وتأثيرها في السلع الأساسية، ونقلت عن مسؤولين أمريكيين، تحذيرهم من أن استمرار الحرب لأمد طويل، يعني دخول العالم في حالة شديدة من الركود والجوع المتزايد.
وبينت -وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي- أن الحرب أدت إلى إغراق الاقتصاد العالمي -الذي يتوقع أن يعاني انخفاض النمو لسنوات- في أزمة متجددة، كما أدت إلى تفاقم حالة الطوارئ الغذائية العالمية، إذ أدى القتال إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وشل صادرات الحبوب الأوكرانية التي تطعم عادةً مئات الملايين من الناس سنويًا، ما دفع قرابة 44 مليون شخص إلى الاقتراب من المجاعة.
وقال مسؤول وزارة الخارجية الأمريكية: النتائج المترتبة على قدرة روسيا في تحقيق مطالبها القصوى بأوكرانيا، تحدٍّ كبير للولايات المتحدة وحلفائها، وللمجتمع الدولي.
تفاصيل المعارك
وعن التفاصيل الأخيرة للمعارك الدائرة في أوكرانيا، ذكرت "واشنطن بوست" أن القوات الأوكرانية حاولت –الجمعة- الدفاع عن المناطق المتضائلة الخاضعة لسيطرتها في سيفيرودونتسك، وهي مدينة استراتيجية في مقاطعة لوهانسك يتوقع مسؤولو البنتاغون سقوطها قريبًا.
لكن في إشارة إلى أن الأسلحة الغربية قد تجر الغرب للتعمق أكثر في الصراع هناك، كشف مسؤول دفاعي أمريكي –الجمعة- أن صاروخًا أمريكيًا مضادًا للسفن من طراز هاربون، أصاب زورقًا روسيًا في البحر الأسود.
وسط هذه التطورات، يبدو أن طموح القادة الأوكرانيين للاندماج بشكل أكبر في أوروبا اقترب، حيث أوصت المفوضية الأوروبية بأن تصبح أوكرانيا مرشحًا رسميًا لعضوية الاتحاد الأوروبي، وهو ما أشاد به زيلينسكي واصفًا إياه بـ"القرار التاريخي"، رغم أن العضوية قد تكون بعيدة، حسب وصف الصحيفة الأمريكية.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين: "الأوكرانيون مستعدون للموت من أجل المنظور الأوروبي، لذلك نريدهم أن يعيشوا معنا الحلم الأوروبي".
من جانبه، قال بوتين، الذي انتقد الغرب في خطاب ألقاه الجمعة، إنه ليس لديه أي شيء ضد فكرة انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، لكنه شدد على أن "جميع مهام العملية الخاصة سيتم الوفاء بها"، حيث يصف الكرملين الغزو بالعملية الخاصة، محذرًا من أن بلاده يمكن أن تستخدم أسلحة نووية، إذا تعرضت سيادتها للتهديد.
"الناتو"
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أنه في ضوء ما تصفه الدول الغربية بأنه تغير جذري في النظرة الأمنية، من المتوقع أن يكشف قادة "الناتو" عن عمليات نشر جديدة بأوروبا الشرقية، في قمة تُعقد أواخر يونيو بمدريد.
من جانبه، ساوى الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، بين معاناة المدنيين في أوكرانيا وما ألحقته ألمانيا النازية بأوروبا، محذرًا من أنه بينما تواجه موسكو مشكلات مزمنة في هجومها على أوكرانيا، بما في ذلك القيادة والروح المعنوية والخدمات اللوجستية، فإن الأرقام تؤكد تفوق الروس بوضوح شرقي أوكرانيا.
وترى الصحيفة الأمريكية، أن احتمال التوصل إلى نتيجة تفاوضية بعيد، ونقلت عن محللين، توقعهم بأن يعلن بوتين وقف إطلاق النار بعد إنهاء السيطرة على منطقة دونباس، الأمر الذي من شأنه تجميد سيطرة روسيا على تلك المناطق وغيرها.
ونقلت الصحيفة عن صمويل شاراب، الخبير الروسي في مؤسسة راند، قوله: "ما يقلقني أن روسيا من ناحية والأوكرانيين وشركاءهم من ناحية أخرى، يسعون لتحقيق أهداف غير متوافقة بشكل متبادل، وهو ما يقود الروس إلى مواصلة الضغط بقوة أكبر".
وأمام هذه التحديات، يتوقع العديد من الخبراء -حسب الصحيفة- أن يستمر الصراع في أوكرانيا لمدى بعيد، على غرار ما حدث بين الكوريتين، حيث توقف القتال بين الشمال والجنوب في هدنة عام 1953 من دون إنهاء رسمي للحرب حتى الآن.
وقال جيمس ستافريديس، أميرال بحري متقاعد وقائد أعلى سابق لحلف شمال الأطلسي، في رسالة بالبريد الإلكتروني للصحيفة: "لا أعتقد أن بوتين أو زيلينسكي يمكنهما الاستمرار في المستوى القتالي الحالي لسنوات، بالتأكيد قد تستمر الحرب أشهرًا، لكن استمرارها سنوات غير مرجح".
كانت إدارة بايدن تعهدت بأنها لن تضغط على كييف، لقبول تنازلات لترسيخ حل للحرب، بينما يشير المسؤولون الأمريكيين -الذين تحدثوا للصحيفة- إلى أن زيلينسكي -حتى لو كان يميل إلى التنازل عن أجزاء كبيرة من الأراضي الأوكرانية- قد يواجه تمردًا من الأوكرانيين، إذا قبل شروط موسكو.