ما أسباب حرب أوكرانيا؟
وعود الولايات المتحدة لأوكرانيا قادتها إلى المواجهة والطريقة الوحيدة لالتزام واشنطن بوعودها المخاطرة بحرب عالمية ثالثة

ترجمات - السياق
ما سبب الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا؟، يفترض المرء أن الإجابة الأولى، التي يتفق عليها الجميع تقريبًا، أن بوتين هو الذي تسبب في الحرب، من الواضح أن ذلك يجب أن يكون جوابك الأول، لقد بدأ الحرب، واتخذ القرار وكانت أسبابه حاسمة.
يقول الكاتب ديفيد هندريكسون، في مقاله بموقع ذي أمريكان كونسرفاتيف: لا نعرف الآن ماذا يريد بوتين من الحرب، لديه مجموعة من الأهداف تبدو غير متماسكة، وتسبب مشكلة كبيرة لحملته العسكرية، إذ يقول إنه يريد اجتثاث النازية ونزع سلاح أوكرانيا، وليس احتلالها، ويريد تجنيب المدنيين ويلات حرب يشنها حيث يعيشون.
الرسالة كما يقول "سننتصر ثم نخرج" ونذكر الأمريكيين بوعد مماثل لهم عام 2003، عندما أمر جورج بوش بغزو العراق، وذهب تصور وزير الدفاع دونالد رامسفيلد إلى شيء من هذا القبيل: أولًا، سنطردهم من الميدان ، ثم ستأتي الأمم المتحدة مع الكثير من قوات حفظ السلام، وستختفي القوات الأمريكية بنهاية الحرب.
إن حرب بوتين ليست أكثر هلوسة من حرب بوش، لكن مزيج الأهداف غير المتماسكة، ينبئ بتعقيدات ضخمة لمشروعه، كيفما آلت إليه الأمور في النهاية.
ما يمكن تسميتها دوافع بوتين السلبية، أو ما كان يحاول منعه، من خلال خوض الحرب، حدث بالفعل، دستور في أوكرانيا "مناهض لروسيا" ، أي دولة وأمة هدفهما الأساسي معارضة روسيا.
حيث اتخذ هذا الهدف العظيم للنظام السياسي الأوكراني، أشكالًا مختلفة منذ عام 2014، عندما استولى "الشعب" على السلطة - أي خمسمئة ألف متظاهر في دولة يبلغ عدد سكانها 45 مليون نسمة- وأدى إلى انفصال المقاطعات الشرقية والحرب الأهلية.
كان دعم هذا الإجراء غير الدستوري، الخطيئة الأصلية لأمريكا في المؤامرة التي تتكشف.
فقد شق الأمة الاوكرانية في المنتصف، وحظر إمكانية وجود رئيس مقبول بشكل هامشي من جميع الأطراف، ثم جعل هدف أوكرانيا الأكبر استعادة الأراضي المفقودة في الشرق، بتكلفة باهظة تحملتها تنميتها الاقتصادية.
هذه الممارسة الزائفة في بناء الديمقراطيات -من خلال جمع حشود في العاصمة وتشكيل حكومة جديدة- أعقبتها مجموعة من الإجراءات عدَّها الروس معادية إلى حد كبير: القصف المتكرر لدونباس، قطع المياه عن أهل القرم، قانون اللغة الأوكراني، الذي أدين في تقرير لمجلس أوروبا، إغلاق وسائل الإعلام الروسية وسائل إعلام أخرى، اعتقال فيكتور ميدفيدشوك بتهمة الخيانة، وهو صديق بوتين الذي تقدم حزبه على حزب زيلينسكي في بعض استطلاعات الرأي أواخر عام 2020، التحصين المستمر للجيش الأوكراني من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، كل الأشياء -باختصار- دفعت بوتين نحو الحائط.
يواجه الغربيون صعوبة في تقييم الأهمية النسبية لهذه التطورات، لأنها عُدَّت جميعًا بشكل أساسي في وسائل الإعلام، على أنها مخادعة أو احتيالية.
كنا مثل قاضٍ في محكمة طلاق، دخل في كل إجراء بقناعة عميقة واحدة: "الرجل هو المخطأ".
خلاصة القول، أن الولايات المتحدة وأوكرانيا والغرب ذهبوا بعيدًا في استفزاز الدب. وتكررت التحذيرات من استفزاز الدب. في الواقع، حذرت الجوقة النقدية من توسع "الناتو" التي تجاهلوها، ورأت خطرًا في الخطط التي التي كانت ترسم لأوكرانيا في أذهانهم، وكانوا محقين في ذلك، اتضح أن الأمر خطر للغاية.
يبدو أن هذا انتقاد مريع إلى حد ما لسياسة الولايات المتحدة ولكن، إذا كانت القاعدة التي اتبعتها، هي التي قادتك إلى هذه النتيجة، فما جدوى القاعدة؟
لقد كانت القاعدة، التي اتبعتها الولايات المتحدة، أن روسيا في الأساس دولة عدوانية، وقد ظهر ذلك في كل ما فعلته في أوكرانيا وأماكن أخرى، ومن أجل الدفاع عن هذه القاعدة التي أدت إلى النتيجة السيئة، يضطر المدافعون عن سياسة الولايات المتحدة إلى الإصرار على أن الحرب كانت حتمية في الأساس.
لكن دعونا نعيد الشريط، ونرى ما إذا كان مسار عمل مختلف من قبل الولايات المتحدة سيغير النتيجة.
لقد كانت لدى الذين جلبوا حرب العراق عام 2003 أيضًا رؤية لنظام جديد شرقي أوروبا، لذا فقد رفضوا حل التسعينيات، وهو أن أوكرانيا يجب أن تظل محايدة بين روسيا والغرب.
أوباما وضع مسألة الانضمام إلى "الناتو" في الأدراج الخلفية، لكنه سمح بعد ذلك لمساعدة وزير الخارجية فيكتوريا نولاند، بالتوجه إلى كييف، وتقديم التزامات رمزية للعشرات هناك، والتدخل الصارخ في الشؤون الداخلية لأوكرانيا، والتخطيط للتحريض على ثورة.
لم تأخذ سياسة الولايات المتحدة في الاعتبار، حقوق الأقليات اللغوية المنصوص عليها، في جميع معاهدات حقوق الإنسان ذات الصلة.
ووصفت السكان الروس في شبه جزيرة القرم ودونباس، بأنهم بيادق في يد بوتين، كما لو أن وزارة الخارجية لم تسمع بحق تقرير المصير.
لم يكن هناك أي تراجع في واشنطن عن هذه الخطوات، أو بالأحرى كان التراجع أن واشنطن لم تكن عدوانية بما فيه الكفاية. كانت الحجة ضد اتخاذ موقف آخر تدور في الرقعة نفسها: "هذا ما يقوله بوتين. إذا اعترفت بهذه المظالم، فإنك تساعد في كتابة الرواية الروسية للأحداث. من أين يأتي إخلاصك لبوتين؟".
أود أن أقول، ردًا على هذه المناورات، إن مبادئ سياستي الخارجية تأتي من جورج واشنطن، وليس فلاديمير بوتين، لكننا سنترك هذه الحجة ليوم آخر.
لعبت الصيغة، التي اعتمدتها الولايات المتحدة تجاه روسيا، أثناء وبعد ثورة الميدان، دورًا كبيرًا في إحداث الكارثة التي تلت ذلك. كان سبب الحرب بالنسبة لبوتين، دستور أوكرانيا، كـ "مناهضة لروسيا"، وكان هذا، في الواقع، الهدف المهيمن على سياسة الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا، في السنوات الثماني الماضية. تكثفت بشكل كبير عام 2021 مع وصول إدارة بايدن.
لم تكن هذه السياسة غائبة في عهد إدارة ترامب، حيث استمرت الولايات المتحدة في فرض عقوبات بعيدة المدى، لكن الأعمال التجارية في أوكرانيا أزعجت ترامب بشدة، الذي كانت تدور في رأسه دراما مختلفة تمامًا عن التي تحدث في أوكرانيا، وركز على الوصول إلى قاع فساد عائلة بايدن، من الواضح أن القوميين في أوكرانيا لم يكونوا معجبين بترامب، لكنهم كانوا من أشد المعجبين ببايدن، أغلقت حكومة زيلينسكي إمبراطورية مدفيدشاك الإعلامية في فبراير كهدية للإدارة المقبلة.
ربما لو فاز ترامب بولاية ثانية لنجح في تفادي الأزمة، حيث رأى ترامب أن أمريكا ملتزمة أكثر من اللازم في أوروبا، وعلى هذا الأساس كان من المحتمل أن تكون مستعدة لمطالبة بوتين بالعودة إلى صفقة 1997 بين "الناتو" وروسيا. لم يكن بإمكان ترامب أن يتبنى هذا الأمر بشكل مباشر، لذلك كان إجماع واشنطن الثابت ضد وجهة نظره قوياً للغاية، لكن يمكن للمرء أن يراه يقول للروس: "انظروا، لا يمكننا العودة إلى وعود عام 1997، لكننا سنطالب بوقف توسع "الناتو"، دعونا نسميه وقفًا مؤقتًا 15 أو 20 عامًا وننتهي من ذلك".
وبدلاً من نهج ترامب المتعثر تجاه القضايا الأوروبية، حصلنا على إحياء إنجيلي لـ "الأممية الحازمة" بكل مجدها: تصميم من إدارة بايدن على جعل أوكرانيا أولوية في السياسة الخارجية منذ اليوم الأول، حملة كبيرة من قِبل زيلينسكي لاستعادة شبه جزيرة القرم ودونباس. دفعة أكثر تصميماً من القوميين الأوكرانيين لتعريف أوكرانيا بمصطلحات معادية لروسيا. توصيات من مجلس الأطلسي في مارس، لتمديد ضمان المادة 5 إلى الأراضي الواقعة تحت سيطرة أوكرانيا الفعلية، بعبارة أخرى، التعهد بخوض الحرب إذا فعلت روسيا ما تفعله الآن. جهود "الناتو"، التي عززها الضغط الهائل من المصالح الأوكرانية، وضعت هذا الخيار على الطاولة طوال العام، حتى أغلق بايدن الباب في ديسمبر.
يوجد الآن تعاطف هائل مع الأوكرانيين، وهو شعور صائب عندما يوضع الضعيف في مواجهة القوي، لكن الحقيقة المرة أننا أخطأنا في حقهم. لقد قدناهم في مسار مزدهر نهايته كارثية، كما قال جون ميرشايمر. ما الذي لعب في رؤوسهم عام 2021، عندما جاء بايدن وبلينكين؟ كان الاحتمال اللامع هو أن الإدارة -التي وصلت أخيرًا إلى واشنطن- تهتم بهم، فترامب لم يهتم، لكن بايدن وبلينكين يهتمان بنا.
فعل الأوكرانيون الكثير عام 2021 لإغضاب بوتين، ومن غير المرجح أنهم فعلوا ذلك وهم يفكرون أنهم وحيدون في هذه المواجهة، فالإحساس الأوكراني بالخيانة -المقنع إلى حد ما اليوم بالحاجة إلى دعم متعدد الأبعاد- حقيقي.
فمنذ اللحظات الأولى للكارثة، كان هناك إحساس بأننا ارتكبنا خطأ بحقهم، لقد رفعنا توقعاتهم إلى حد السماء، ثم قلنا: آسفون، لن نرد. لقد اعتقدوا أنهم تحت حمايتنا، لكننا لم نفعل ذلك ولم نستطع، لأننا لن نتمكن من ذلك، إلا في مواجهة خطر الحرب العالمية الثالثة.
كانت الخطوة الأكثر لعنة وإرباكًا، الطريقة التي كان التعامل بها مع توسع "الناتو". هل المقصود بالتوسع أن يكون تهديدًا ضمنيًا للروس؟
بالطبع بكل تأكيد. هل سترفع -على الأرجح- آمال الأوكرانيين، الذين اعتقدوا أنها ستؤدي إلى دعم عسكري أمريكي حقيقي؟
نعم ، لقد حدث ذلك أيضًا، لكن بعد ذلك اتضح أن الأمر ليس سوى خدعة. لو علم الاوكرانيون، في نوفمبر 2020، أنهم أمام أربع سنوات أخرى من حكم ترامب، لكانوا على الأرجح اتخذوا موقفًا أقل عدوانية تجاه بوتين.
كانت هذه إحدى الطرق، التي كان من الممكن أن بها وقف مسيرة الحماقة. لم تكن الحرب حتمية. لقد أنتجت من خلال أيديولوجية معينة أو وجهة نظر عالمية، والنتيجة السياسات المطابقة لها على الأرض.
في بحثنا عن أسباب الحرب، وجدنا أن هناك طريقًا آخر، لا يسلكه كثيرون، هناك ذعر حقيقي من اتخاذه، فأخذنا أصحاب القرار في الطريق الآخر. انظر أين أوصلنا. انظر أين وصلت أوكرانيا.
*الكاتب ديفيد هندريكسون، رئيس جمعية جون كوينسي آدامز، مؤلف كتاب الجمهورية في خطر: الإمبراطورية الأمريكية والتقاليد الليبرالية (أكسفورد 2018).