نيويورك تايمز: لابيد ليس زعيماً لإسرائيل لكنه الحاكم الحقيقي في الكواليس

ورغم أن لابيد كان السياسي الأكثر خبرة، وكان لديه حزب منظم بشكل أفضل، فإنه وافق على العمل تحت قيادة غانتس في تحالف جديد، أزرق وأبيض، بعد أن خلص إلى أن لدى غانتس فرصة أفضل لهزيمة رئيس الوزراء.

نيويورك تايمز: لابيد ليس زعيماً لإسرائيل لكنه الحاكم الحقيقي في الكواليس
يائير لابيد

ترجمات - السياق

نشرت صحيفة نيويورك تايمز، تقريرًا عن يائير لابيد، زعيم حزب "يش عتيد" الإسرائيلي، الذي تمكَّن عبر ائتلاف مع نفتالي بينيت، زعيم حزب "يمينا" اليميني، من إزاحة بنيامين نتنياهو من منصبه بعد 12 عامًا في حُكم إسرائيل.

كان الكنيست الإسرائيلي منح، مساء الأحد الماضي، الثقة لحكومة نفتالي بينيت، بعد أن حصلت على عدد الأصوات اللازم لمنحها الثقة بنحو 60 صوتًا ورفض 59 نائبًا لها من أصل 120 نائبًا في الكنيست، بينما امتنع عضو واحد عن التصويت.

وقالت الصحيفة الأمريكية عن لابيد: عندما كان يائير كاتب عمود في إحدى الصحف، أواخر تسعينيات القرن الماضي، وجده رئيس تحريره، رون مايبرغ، لطيفًا، لكنه كان منطوياً على نفسه، وغالبًا ما يكون عنيدًا.

مايبرغ، الذي كان وقتها رئيس تحرير صحيفة معاريف الوسطية، قال عن لابيد: "كان يجادلك حتى الموت... مهما كان الموضوع بسيطًا، إذ يظل متمسِّكا برأيه باستماته".

وبعد أكثر من عقدين، تحول لابيد، 57 عامًا، كما يقول زملاؤه ومحللون، إلى سياسي وسطي بارز، كريم وبراغماتي، وبسبب هذا التحول الجزئي، تقف إسرائيل الآن، على أعتاب واحدة من أهم اللحظات، في تاريخها السياسي الحديث.

 

دور كبير لـلابيد

بعد منح الحكومة الجديدة الثقة، فإنه لا شك أن السبب في ذلك هو (لابيد) الذي أقنع التحالف غير المحتمل -الذي يضم ثمانية أحزاب مختلفة أيديولوجيًا، لكنهم توحدوا على إطاحة نتنياهو- على التواصل طوال أشهر من المكالمات الهاتفية والاجتماعات مع قادة الفصائل، حتى كانت النتيجة تشكيل الحكومة.

ولتوطيد الصفقة وإكمالها، سمح لابيد لـنفتالي بينيت، زعيم المستوطنين اليميني السابق، الذي تردَّد في توحيد قواه مع الوسطيين واليساريين والعرب، بتولي منصب رئيس للوزراء، رغم أن حزب بينيت فاز بعشرة مقاعد أقل من حزبه.

وفي حل وسط، سيتولى لابيد رئاسة الوزراء عام 2023، بينما يتولى بينيت المرحلة الأولى من المنصب من 2021 إلى2023، ولإنجاح خطة إزاحة نتنياهو، تخلى لابيد عن الظهور في دائرة الضوء مؤقتًا، من أجل بينيت.

مايبرغ يضيف في حديثه عن لابيد: "أنا لست معجبًا به، لكنني سأكون أول مَنْ يعترف بأنه نضج بالفعل، وتخلى عن الغرور في شخصيته."

 

نشأته وحياته

ولد لابيد عام 1963 ونشأ في بيئة علمانية ذات امتيازات في تل أبيب. والدته شولاميت (86 عاما) روائية معروفة، وكان والده تومي الذي توفي عام 2008 عن 78 عاماً صحفياً، ثم أصبح وزيرا في الحكومة.

أكمل لابيد خدمته العسكرية كاتباً في مجلة عسكرية، وسار لاحقًا على خُطى والده كصحفي محترف. في التسعينيات، تنقل بين مناصب بارزة داخل المؤسسة الثقافية الإسرائيلية، وازن عموده بتقديم برنامج حواري تلفزيوني، بينما كان يمثِّل أيضًا في حفنة من الأفلام وكتابة الروايات وحتى كتابة المسرحيات والدراما التلفزيونية.

عام 2000، أصبح لابيد من أشهر مقدِّمي البرامج التلفزيونية والمعلِّقين في إسرائيل، وقد اشتهر بأسلوبه غير المعتاد في حواراته مع الضيوف.

بدأ لابيد التخطيط لمهنة سياسية، نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة، وفي عام 2012 شكَّـل حزبه السياسي العلماني الوسطي، (يش عتيد)، أو "هناك مستقبل". بشكل غير متوقَّع، احتل المركز الثاني خلف حزب الليكود بزعامة نتنياهو في انتخابات عامة، عام 2013، ودخل في حكومة ائتلافية بقيادة نتنياهو، وأصبح لابيد وزيراً للمالية.

لم يكن لابيد أول ولا آخر وافد جديد، يحاول كسر قالب السياسة الإسرائيلية بحزب وسطي جديد، لكن بالنسبة إلى الحلفاء السياسيين الأوائل لـلابيد، كانت هناك ديناميكية لعلامته التجارية الوسطية، التي شعروا بأنها متأصِّلة فيه.

 

غطرسة وسطحية

في إسرائيل، هناك من يؤيد لابيد، وفي ذلك تقول يائيل جرمان، التي أصبحت أحد المشرعين للحزب: "يتفق معي في كل شيء بدءًا من ضرورة وضع قيود على الأحزاب الدينية، ومسألة حقوق زواج المثليين، والتنازل عن الأراضي المحتلة، وإقامة دولتين لشعبين إسرائيلي وفلسطيني".

أما بالنسبة لنقاد لابيد، فاعتبروا أن هناك سطحية لسياسته وغطرسة في أسلوبه، فضلاً عن افتقاره إلى الوضوح الأيديولوجي، بينما أنشأ نشطاء ساخرون موقعًا على الإنترنت، يُعرف باسم "Lapidomator" سمح للمستخدمين بتوليد بيانات عن أي موضوع للسخرية من أفكار لابيد السياسية والاجتماعية.

ورغم احتلاله المركز الثاني في انتخابات 2013، فإنه سرعان ما تعرَّض لانتقادات، بسبب التعليقات المهينة اللاحقة للمشرِّعين العرب، كما سُخر من تفاخره بطموحاته بأن يصبح رئيسًا للوزراء... وحينها واجه البعض هذا الطموح بالقول: كيف يمكنه ذلك؟ لقد فقد عقله.

أييليت فريش، مستشارة لابيد الاستراتيجية في ذلك الوقت، قالت: إن أهم تجربة تعليمية لـلابيد جاءت بعد ذلك بعامين، فبعد إقالته من قبِل نتنياهو، وفقد حزبه ما يقرب من نِصف مقاعده في انتخابات مبكرة، عام 2015، وجد لابيد نفسه في حالة من الهزيمة السياسية. وأضافت، أن ذلك دفعه إلى التراجع، وتقليل ظهوره في وسائل الإعلام، وتحسين قاعدة معارفه، وتعزيز شبكة سياسية أفضل بهدوء.

تتذكر فريش ما قاله لابيد حينها: "قال... الآن سآخذ عامًا لنفسي، سأبني نفسي سأتعلَّم، سأغلق فمي... والآن خرج وقد أصبح أكثر تواضعاً وانفتاحاً على الرأي الآخر".

 

لابيد وغانتس

جاءت أول علامة رئيسية على نضج لابيد سياسيًا، عام 2019، عندما بدأ يناقش مع زعيم وسطي منافس وجنرال سابق في الجيش، بيني غانتس، توحيد الجهود لمحاولة إطاحة نتنياهو.

ورغم أن لابيد كان السياسي الأكثر خبرة، وكان لديه حزب منظم بشكل أفضل، فإنه وافق على العمل تحت قيادة غانتس في تحالف جديد، أزرق وأبيض، بعد أن خلص إلى أن لدى غانتس فرصة أفضل لهزيمة رئيس الوزراء.

اكتسب النهج التصالحي الجديد لـلابيد زخماً في يناير 2021، إذ كانت إسرائيل تستعد حينها لإجراء انتخابات مبكرة رابعة في غضون عامين. عند هذه النقطة، كان لابيد قد قطع علاقته مع غانتس، بعد أن تخلى الأخير عن اتفاقهما العام الماضي، عندما انضم إلى حكومة وحدة بقيادة نتنياهو.

كان لابيد يعلم أن نتنياهو لن يُهزم، إلا إذا تمكن من توحيد ائتلاف واسع من أحزاب المعارضة اليسارية واليمينية. وقد أدرك أن بعض المؤيدين المحتملين لتلك الأحزاب اليميني،ة قد يمتنعون عن دعم تحالف يقوده وسط، لذلك رفض تقديم نفسه رئيساً للوزراء، في انتظار الحصول على أكبر عدد ممكن من الأصوات، للكتلة المناهضة لنتنياهو.

حتى مع ارتفاع حزب يش عتيد، في استطلاعات الرأي قبل انتخابات مارس 2021، تمسَّك لبيد برسالته، وقال إنه سيكون على استعداد للخدمة في ظِل رئيس وزراء فاز حزبه بعدد أقل من المقاعد، إذا كان هذا هو ثمن استبدال نتنياهو.

انهيار الائتلاف

يقول بعض الحلفاء إن تحرُّك لابيد، لا ينبع فقط من الإيثار أو حب الوطن... فإذا انهار الائتلاف، قد تتم معاقبة بينيت في الانتخابات المقبل من قاعدته اليمينية، التي يشعر أعضاؤها بالغضب، لأنه ابتعد عن زميله اليميني نتنياهو، لكن من المرجَّح أن يظهر لابيد مع سمعته المصقولة وتعزيز قدرته على الانتخاب، وهما عاملان ربما شجَّعاه على أن يكون تصالحيًا للغاية.

جيرمان، المشرِّعة السابقة بحزب يش عتيد، تقول: "إنه لاعب شطرنج طموح للغاية، إنه يلعب على المدى الطويل، لذلك أعتقد أن لديه هذا الطموح بأن يصبح رئيسًا للوزراء".

لكن رغبة لابيد تحديدًا في تجنُّب المواجهة، هي التي يشعر بعض المراقبين بأنها قد تصبح أيضًا نقطة ضعف، بمجرَّد توليه منصبه في النهاية.

مايبرغ رئيس تحرير لابيد السابق، يعود ليشكك في قدرة لابيد، على إجراء مفاوضات بشأن الضفة الغربية والقدس، وقال: هل يمكنه قيادة مفاوضات عن مستقبل الضفة الغربية؟ مضيفاً: "لا أعلم، هل هو قوي بما فيه الكفاية؟ لا أعلم."