قبل أيام من انتخابات الرئاسة... ما مستقبل العلاقات الإيرانية العربية؟
يتنافس في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، إلى جانب رئيسي، محسن رضائي، وسعيد جيلي، وعلي رضا زاكاني، وعبدالناصر همتي، ومحسن مهر علي زاده، وأمير حسين قاضي زاده.

السياق
تشهد إيران الجمعة المقبلة، انتخابات رئاسية جديدة، يتنافس فيها 7 مرشحين، بينهم 4 متشددين، يحظى أحدهم بدعم المرشد الأعلى علي خامنئي، هو إبراهيم رئيسي.
ويتنافس في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، إلى جانب رئيسي، محسن رضائي، وسعيد جيلي، وعلي رضا زاكاني، وعبدالناصر همتي، ومحسن مهر علي زاده، وأمير حسين قاضي زاده.
ورغم أن تيارات النظام الإيراني، تدور في فلك المرشد وأسس ولاية الفقيه، التي يعبِّـر عنها الدستور الإيراني الصادر عام 1979 وتعديلاته لعام 1989، فإن هناك العديد من المتغيرات، التي لا يمكن إغفال تأثيرها، في سلوك القيادة السياسية الإيرانية المرتقبة.
أبرز هذه المتغيرات، استئناف محادثات فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني، في خطوة تهدف لإعادة إحياء الاتفاق النووي، بمشاركة الولايات المتحدة التي انسحبت منه في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 8 مايو 2018.
هذه الخطوة يَـعُــدُّها مراقبون حافزاً للنظام الإيراني لتعديل سياساته، لاسيما في المحيط الإقليمي، خصوصاً مع الدول الخليجية والعربية، ضمن إجراءات دفع طهران لـ"تصفير" المشكلات والأزمات الإقليمية التي تسبَّبت فيها، خصوصاً في اليمن ولبنان والعراق وسوريا.
عقبات على الطريق
هناك عقبات عدة، تقف أمام استئناف علاقات طبيعية بين إيران والدول العربية عموما، ودول الخليج على وجه الخصوص، أبرز هذه العقبات، "العقيدة" التي تأسَّس عليها النظام الإيراني، حيث ينص الدستور الإيراني في ديباجته بعنوان "أسلوب الحكم في الإسلام" في الفقرة الثانية: "وبالنظر إلى محتوى الثورة الإسلامية في إيران، التي كانت حركة تهدف إلى نصرة جميع المستضعفين على المستكبرين، فإن الدستور يعدّ الظروف لاستمراريّة هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصاً بالنسبة لتوسيع العلاقات الدولية مع الحركات الإسلاميّة والشعبيّة، إذ يسعى إلى بناء الأمة الواحدة في العالم (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) ويعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة في جميع أنحاء العالم".
تشير هذه الفقرة، إلى أن اعتناق النظام الإيراني مبدأ تصدير "الثورة" إلى الدول العربية والإسلامية، وهو ما يعني بالضرورة، إثارة الاضطرابات والقلاقل، وانتهاج سياسة عدائية تفكيكية، تمكِّنها من تحقيق أهدافها.
وهناك أيضاً المادة 11 من الدستور الإيراني، التي تدعم العقدية العدائية للنظام الإيراني تجاه الدول العربية والإسلامية، حيث تنص "وفقاً للآية الكريمة (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) يشكِّل المسلمون أمةً واحدةً، ويتعيَّن على حكومة جمهورية إيران الإسلامية صياغة سياستها العامة، على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها، ومواصلة السعي لتحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية للعالم الإسلامي".
وبالنظر إلى المصطلح المستخدم في هذه المادة "تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية"، يتضح أن إيران تعتمد فرض هيمنتها على الدول العربية والإسلامية، سبيلاً للسيطرة عليها، ضمن مخططها لبناء إمبراطورية سياسية باستخدام الدين، وهو ما يدعم المنهج العدائي لسياستها الخارجية.
طائفية التفكيك
بالعودة أيضاً إلى ديباجة الدستور الإيراني تحت عنوان "الحكم في الإسلام"، يتضح أيضاً أن نظام طهران يسعى لتحقيق أهدافه التوسعية، عبر تقوية الروابط والصلة مع الجماعات الإسلامية السُّنية والشيعية على السواء.
وهنا يقول الدكتور عبيد خليفي، الأكاديمي التونسي المتخصص في الفكر الإسلامي والجماعات الإسلامية، في تصريحات خاصة لـ"السياق"، إن "الثورة الإسلامية في إيران الخميني سنة 1979 كانت لحظة تاريخية مفصلية في العلاقة العضوية بين نظام الملالي وحركات الإسلام السياسي بشقيه السُّني والشيعي".
وأشار خليفي إلى أن "غرور انتصار الثورة الإيرانية، دافع للخميني كي يعلن مشروع (تصدير الثورة الإسلامية)، لذلك كان نظام طهران قدوة ونموذجاً لحركات الإسلام السياسي والسُّني، وبدأ الدعم الإيراني لتلك الحركات مادياً وسياسياً".
ويلفت الأكاديمي التونسي إلى أن "الحرب الإيرانية العراقية، التي هزمت فيها إيران، جعلتها تغيِّر رؤيتها لكيفية التغلغل في البلدان العربية والإسلامية، وأخذت في ربط علاقات مصلحية وظيفية، بدعم مطلق للإسلام السياسي الشيعي في اليمن ولبنان والسعودية والبحرين والعراق وباكستان، والمحافظة على علاقات ودية مع الإسلام السياسي السُّني في بقية الأقطار وتحديداً جماعة الإخوان، التي بدأت علاقاتها بها عام 1979، وقد نجحت إيران بذلك في تشكيل هوة طائفية في تلك البلدان التي تحتوي الشيعة، والتي صارت مرجعياتها إيرانية بحتة في الرؤية والمشروع".
وبحسب المحلل السياسي التونسي، فإنه "من المستبعد أن تغيِّر إيران سياساتها الخارجية بعد كل انتخابات، فمجلس تشخيص مصلحة النظام، ورؤية المرشد، يسيِّران المشروع الإيراني، في الاعتماد على علاقاتها ونفوذها في المنطقة، عبر جماعات الاسلام السياسي السُّني والشيعي، لتحقيق الاختراق الإقليمي وتوسيع النفوذ والمفاوضات السياسية مع الأطراف الدولية، في ملفات المال والنفط والنووي الإيراني".
هذا الرأي، يؤكده أيضاً الدكتور حسن أبو هنية، الخبير الأردني في شؤون الجماعات الإسلامية، حيث قال في تصريحات خاصة لـ"السياق"، إنه لا يتوقَّع أن يكون لتغيير الرئيس في إيران أيُّ تأثير في هذا الشأن".
وأشار أبو هنية إلى أن "صلاحيات الرئيس محدودة في النظام الإيراني، وأن الصلاحيات الواسعة هي للمرشد والحرس الثوري"، وتابع: "العلاقة بين إيران والإسلام السياسي السُّني باتت في أضعف حالاتها، بعد ما يسمى (الربيع العربي)، وأن طهران أصبحت تعتمد على مشروعها الخاص الطائفي، بدعم الحركات الشيعية، في العراق وسوريا ولبنان واليمن".
لكنه أوضح أنه "إذا عادت أمريكا إلى الاتفاق النووي، سنشهد تحسُّناً في علاقات إيران بالعالم العربي، فالأمور الاستراتيجية لا تتأثَّر بمنصب الرئيس، بل بالتغيُّرات الكبيرة".