رغم العقوبات غير المسبوقة... الاقتصاد الروسي صامد
قوة صادرات النفط في أبريل الجاري مكنت بوتين من تجنُّب انهيار الاقتصاد

ترجمات-السياق
رغم التوقعات بانهيار الاقتصاد الروسي، الذي يخضع لعقوبات غربية شديدة، فإنه بعد شهرين من غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا، ارتفعت صادرات بلاده النفطية إلى أوروبا والهند وتركيا، كما تمكن قطاعها المالي -حتى الآن- من تجنُّب أزمة خطيرة في السيولة.
وقالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية -في تحليل- إن الخبراء يرون أن نجاح العقوبات قد يظهر على المدى الطويل، لكن في الوقت الحالي، لا تزال الدول التي تفرض عقوبات على روسيا تقوِّض جهودها بشكل خطير، من خلال شراء الطاقة منها، وفي بعض الحالات بكميات أكبر -خلال أبريل الجاري- مما كانت عليه في مارس الماضي.
نصيب الأسد
نقلت المجلة عن إدوارد فيشمان، الموظف السابق المتخصص في شؤون أوروبا بوزارة الخارجية الأمريكية قوله: "يواصل بوتين جني ما لا يقل عن مليار دولار يومياً من بيع النفط والغاز، ويأتي نصيب الأسد من أوروبا".
وأشارت المجلة إلى أنه رغم إرسال بعض الدول الأوروبية مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا، فإن هذه المساعدات تبدو قليلة للغاية أمام ما يدفعونه لروسيا مقابل النفط والغاز.
ونقلت المجلة عن مات سميث من "Kpler"، وهي شركة تتعقب سفن شحن النفط، قوله: رغم القيود الغربية المفروضة على القطاع المالي الروسي، فإن صادرات النفط تصل إلى 3.6 مليون برميل يومياً في أبريل الجاري، مقارنة بـ 3.3 مليون برميل يومياً الشهر الماضي.
وقال خبراء معهد التمويل الدولي -في تقرير هذا الأسبوع- إن شحنات النفط الروسية في أبريل تسير بوتيرة قياسية حتى الآن، حتى مع الأخذ في الاعتبار الخصم الكبير الذي تقدمه موسكو على الخام الروسي مقارنة بالمعايير العالمية، وهو ما يعني أنه من المرجح أن تتجاوز عائدات تصدير النفط للشهر نفسه في السنوات السابقة بهامش كبير.
تعزيز الصادرات
وفقاً للمجلة، فإن هذه الإيرادات أدت إلى وجود فائض في حسابات روسيا الجارية، التي وصلت إلى مستويات قياسية جديدة، إذ بلغت خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 60 مليار دولار، مقابل 120 مليار دولار لعام 2021، ما زود الكرملين بإيرادات جديدة لمواجهة العقوبات.
ويشير بعض خبراء الطاقة إلى أن روسيا تعزز الصادرات من المخزونات الحالية، لأنها تتوقع فرض المزيد من العقوبات الغربية على النفط، كما تزيد الدول الغربية واردتها للسبب نفسه، بتشجيع من أسعار موسكو المخفضة بشدة.
ويصر المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون على أن بوتين لن يتمكن من تجنُّب التداعيات الاقتصادية الكارثية لعدوانه على أوكرانيا على المدى الطويل، ونقلت المجلة عن نائب وزيرة الخزانة الأمريكية، والي أديمو، قوله: "الأزمة الاقتصادية التي تواجهها روسيا ستترك الكرملين بموارد أقل لدعم الاقتصاد الروسي، ومواصلة غزو أوكرانيا".
ورأت المجلة أن ذلك قد يكون صحيحاً نهاية المطاف، إذ فرضت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن -الأسبوع الماضي- عقوبات إضافية على البنوك والروس، ما جعل 60% من الأصول المصرفية الروسية تخضع للعقوبات الأمريكية، كما تحذو أوروبا حذو واشنطن بشكل تدريجي.
نقص الإمددات
نقلت المجلة عن رئيسة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، قولها: "نقص الإمدادات في قطاع التكنولوجيا وأجزاء أخرى سيؤثر قريباً في الاقتصاد، ما سيدفع روسيا لدخول فترة صعبة من التغييرات الهيكلية المرتبطة بالعقوبات".
ويتوقع الخبراء انكماشاً خطيراً في الائتمان المتاح للأفراد والشركات الروسية هذا العام، مع انكماش الاقتصاد بنسبة 8-15%، على المدى الطويل، كما يتوقع بعض الاقتصاديين، في ظل الظروف الحالية، أن ينكمش الاقتصاد الروسي بمقدار الخُمس أو أكثر في السنوات المقبلة، وسيتسارع هذا الاتجاه كلما طال أمد الحرب، مع مغادرة الشركات الغربية والمتعددة الجنسيات أو تعليق عملياتها في موسكو.
وأضافت: "مع ذلك، فإنه في الوقت الحاضر تبدو أرقام الإيرادات الروسية كأنها تروي قصة مختلفة تماماً، القصة التي تكشف الانقسام وعدم اليقين في الاستجابة الدولية للحرب الروسية في كييف، ومدى جاذبية الخام الروسي المُخفَّض سعره في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار الطاقة والتضخم في كل مكان تقريباً، إذ إنه وفقاً لأحدث البيانات، فإن صادرات الخام الروسية قفزت في الأسابيع القليلة الأولى من أبريل، حيث استقبلت الهند وتركيا وإيطاليا كميات أكبر من المعتاد، وبينما حظرت الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وكندا الواردات الروسية، فإن أغلبية الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا، استمرت في الشراء".
وجاءت أكبر زيادة في النسبة المئوية من الهند، التي رفضت الانضمام إلى العقوبات أو إدانة غزو بوتين، واستفادت من خصومات بوتين الكبيرة على الأسعار، إذ حصلت نيودلهي في الشهرين الماضيين فقط على 17 مليون برميل من خام "الأورال" عالي الجودة من روسيا، مقارنة بـ 12 مليوناً للعام الماضي، ومع ذلك، فإن حجم الطلب الهندي لا يزال قليلاً مقارنة بالطلب الأوروبي، إذ رفعت تركيا وارداتها من النفط الروسي من 200 ألف برميل يومياً في مارس إلى 300 ألف هذا الشهر، كما تستقبل إيطاليا أيضاً مزيداً من الخام الروسي هذا الشهر، حيث رفعت وارداتها من 100 برميل يومياً إلى 300 ألف برميل، حسب المجلة.
الانتخابات الفرنسية
وأشارت مجلة فورين بوليسي، إلى أن واشنطن وعواصم غربية أخرى تراقب الجولة الأخيرة من الانتخابات الفرنسية، حيث قالت المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان إنها تعارض فرض عقوبات على روسيا في مجال الطاقة، كما ألمحت -في مناظرة الأسبوع الماضي- إلى أنها ترغب في مضاعفة اعتماد فرنسا على الغاز المستورد.
وأضافت: "كما لا تزال الشكوك قائمة في عدد الشركات الدولية الملتزمة بالانسحاب من روسيا، حيث تستمر بعض الشركات الأمريكية الكبرى في العمل هناك، وكذلك عدد كبير من الشركات الأوروبية والهندية والصينية، إذ يستخدمون الحيل لتجنُّب الإدانة العلنية، حيث تجادل قطاعات مثل قطاع الأدوية بأنه يوفر الأدوية الأساسية للروس، رغم أنهم يبيعون الأدوية التي لا تستلزم وصفة طبيب، بينما يستخدم آخرون، بما في ذلك العديد من شركات المواد الغذائية الأمريكية، ذريعة أنهم يبيعون مواد غذائية ضرورية، في حين أن العديد من المنتجات مجرد وجبات سريعة، ويواصل نحو 400 شركة متعددة الجنسيات أعمالًا تجارية في موسكو، رغم أن البعض يقول إنهم يؤجلون الاستثمار المستقبلي والتطوير والتسويق، أو يقلصون حجم العمليات".
عزلة طويلة
رأت "فورين بوليسي" أنه بالنسبة لبوتين، سيكون السؤال الأكبر، ما إذا كان بإمكانه تكييف اقتصاده مع العزلة طويلة الأمد أم لا، موضحة أن الاقتصادات الأخرى التي واجهت قبضة خانقة مماثلة، مثل إيران، فعلت ذلك، ولذا فإنه يمكن لموسكو أن تبقي بنوكها تعمل لوقت طويل بالاعتماد على الدعم الناتج عن الطاقة، في حال أصبحت معسرة من الناحية الفنية، وتابعت: "على عكس إيران، فإن روسيا لم تواجه خنقاً شبه كامل لصادراتها من الطاقة، لكن رفض الواردات الغربية من السلع الاستهلاكية ومواد الإنتاج وقطع الغيار، والضغط المتزايد على التمويلات الروسية، سيؤدي في النهاية إلى إلحاق أضرار جسيمة بالاقتصاد، وإذا ارتفعت معدلات البطالة، فقد يتسبب ذلك في مشكلة لم يواجهها بوتين، تتعلق بقدرته على البقاء في منصبه".