ماذا وراء حريق مقر حركة النهضة في تونس؟
أعلنت وزارة الداخلية، العثور على جثة متفحمة لشخص داخل مقر الحزب، وإجلاء الموجودين بالمبني ونقل 18 مصابًا لتلقي العلاج، منهم 16 حالة اختناق بسيط، وشخص تعرض لحروق متفاوتة الخطورة، وآخر مصاب بكسور

السياق
مفاجآت مدوية، كشفتها التحقيقات الأولية، عن الحريق الذي اندلع في المقر المركزي لحركة النهضة الإخوانية التونسية، بمنطقة مونليزير، و أسفر عن وفاة أحد أعضاء الحركة وإصابة 18 آخرين.
وبينما لم يستبعد البعض وقوف الحركة وراء الحريق، خاصة أنها تفرض على مقرها المركزي حصارًا أمنيًا، إذ لا يسمح بدخول أي شخص من دون موعد، إلا أن المعلومات الأولية أشارت إلى أن أحد أعضاء الحركة "أشعل النيران" في نفسه، بعد أن رفض زعيم الحركة راشد الغنوشي مقابلته.
نظرية المؤامرة
وبعد دقائق من اندلاع الحريق، توقع البعض أن يكون مفتعلًا لإخفاء وثائق مهمة، تثبت تورط قيادات الحركة في أعمال فساد وتمويلات مشبوهة للإخوان.
واستشهد أصحاب هذا السيناريوا، بغياب زعيم الحركة راشد الغنوشي عن مكتبه، حيث يمتد عمله طوال أيام الأسبوع من التاسعة صباحًا حتى الخامسة مساء، في سابقة تعد الأولى من نوعها منذ تجميد عمل البرلمان، عقب القرارات الاستثنائية للرئيس قيس سعيد في 25 يوليو الماضي.
ولفت المراقبون إلى أن الغنوشي، تغيب الخميس وقت الحريق، عن اجتماع داخلي للحركة، ليحضر نيابة عنه نائبه علي العريض، وهو أمر لم تتعود عليه حركة النهضة منذ تأسيسها.
وفاة شخص وإصابة 18
بدورها، قالت وزارة الداخلية التونسية، في بيان، أنها تلقت إشعارًا بنشوب حريق بمقر حزب حركة النهضة بجهة مونبليزير بالعاصمة.
وأشارت التحقيقات إلى أن الحريق وصل مكاتب التوثيق بالمقر المركزي للنهضة، التي تضم أرشيف الحركة وعقودها والأقراص الممغنطة.
وتداول نشطاء تونسيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو ظهر خلالها نائب رئيس حركة النهضة الإخوانية علي العريض، وهو يلقي بنفسه من الطابق الثاني لمقر الحركة.
وكشفت التحقيقات أن "العريض" أصيب بكسور بالساقين، بينما أصيب رئيس مجلس الشوري عبدالكريم الهاروني بحروق، بعد أن وصلت النيران إلى مكتبه.
وأعلنت وزارة الداخلية، العثور على جثة متفحمة لشخص داخل مقر الحزب، وإجلاء الموجودين بالمبني ونقل 18 مصابًا لتلقي العلاج، منهم 16 حالة اختناق بسيط، وشخص تعرض لحروق متفاوتة الخطورة، وآخر مصاب بكسور.
غدر الإخوان
ووقع الحريق إثر إقدام شخص ينتمي للحزب -يدعى سامي السيفي- على سكب البنزين في جسده وإشعال النار فيه، ما أدى إلى حرق ثلاثة طوابق في مقر الحزب.
والسيفي، طرد مؤخراً من عمله داخل مقر الحركة، حيث طلب لقاء الغنوشي، إلا أنه منع من ذلك، ليسكب البنزين ويحرق نفسه، متسبباً باندلاع النيران في المقر.
وكشف صديق سامي السيفي، المتسبب في حرق مقر النهضة تفاصيل علاقة الأخير بحركة النهضة الإخوانية.
سامي السيفي، الذي أضرم النيران في جسده داخل مقر النهضة، من مواليد 1970 وأحد المحكوم عليهم في أحداث باب سويقة، التي تم التخطيط والتنفيذ لها، بعلم قيادات الحركة الإخوانية عام 1991، واستهدفت لجنة التنسيق الحزب بباب سويقة، ووصفها الغنوشي في أول لقاء إعلامي له بعد عودته إلى تونس من منفاه في لندن عام 2011، بأنها أخطاء فردية لشباب بالحركة.
وقال صديق سامي السيفي، في تصريحات لوسائل إعلام تونسية، إن الأخير كان يعاني التجاهل وسوء المعاملة من قيادات الحركة، وإنه كان يعمل في شركة لتوزيع الأدوية وتم طرده بطريقة تعسفية، ثم حصل على منحة مالية من مكتب شؤون المناضلين للحركة قبل التراجع عنها، وتوظيفه كحارس وتكليفه ببعض الأعمال التي وصفها بـ"المهينة".
كما كشف، عن قضاء السيفي، حكمًا بالسجن 15 سنة على خلفية حرق المعهد الفني بتونس، بإيعاز من بعض قيادات حركة النهضة الإخوانية.
ولفت إلى أن "السيفي" كان قد طلب لقاء راشد الغنوشي، للمطالبة بتصحيح وضعه المهني والمادي، لكن الأخير رفض، ليسكب البنزين على جسده بالمقر وإضرام النار، ما تسبب في اندلاع الحريق بمقر الحركة.
ظلم النهضة
كريم عبدالسلام، صديق آخر لـ"سامي السيفي" وهو العقل المدبر والمنفذ لأحداث باب سويقة، قال أيضًا لوسائل إعلام تونسية إن صديقه الذي أحرق نفسه بالمقر المركزي لحركة النهضة "أحرقه القهر 40 سنة فأقدم على فعلته" في إشارة لما تعرَّض له من ظلم من حركة النهضة الإخوانية.
وتابع عبدالسلام، أن السيفي تم الاستغناء عنه تعسفيًا منذ سنة ونصف السنة من العمل بمقر حزب النهضة، وسئم مماطلة الحركة وتسويف قياداتها بمساعدته أو الحصول على حقه في منحة مالية من مكتب شؤون المناضلين بالحركة.
واستنكر مراقبون للشأن التونسي، تصريحات راشد الغنوشي، التي سلك خلالها طريق التضليل والهروب والإنكار الأعمى، حين ألقي بمسؤولية موت "ابن النهضة" سامي السيفي على الإعلام تارة وعلى الدولة بعد 2011 التي لم تفعل مسار العدالة الانتقالية- حسب قوله- تارة أخرى، متناسيًا أنه والنهضة الإخوانية من كان يديرون نظام الدولة خلال تلك الفترة.
ديكتاتورية الغنوشي
بدوره، استبعد محمد ذويب المحلل السياسي التونسي، في حديثه لـ"السياق" أن يكون الحريق للتخلص من مستندات تدين الحركة.
وقال: "لا أعتقد أن الحركة مازالت تحتفظ بأرشيف يدينها داخل مقرها الرئيس حتى اليوم، وأنها حتمًا تخلصت منه عقب القرارات الاستثنائية للرئيس قيس سعيد في 25 يوليو التي أطاحتها من الحكم".
وانتقد ذويب، تصريحات راشد الغنوسي، بشأن الحادثة، وقال: "كعادته منذ عقود، يحاول الغنوشي توظيف آلام وعذابات القواعد لتحقيق مآرب سياسية، فها هو يصرح بأن المتوفى، ضحية الإهمال الذي تعرض له عشر سنوات"، وتساءل ذويب: "من أهمل حقوق الناس بصرف النظر عن انتماءاتهم منذ عشر سنوات؟ أليست النهضة؟".
ويقول المحلل السياسي التونسي: "إن الروايات من داخل الحركة تقول إن الرجل أحرق نفسه بعد أن رفض الغنوشي مقابلته، ما يشير إلى أنه احتج على دكتاتورية الغنوشي".
وأضاف: "سيظل الغنوشي، يُهين قواعد الحركة لتحقيق أهدافه الشخصية، لكنهم لا يعقلون".