الملف الأفغاني.. كتاب للأمير تركي الفيصل يكشف تفاصيل مثيرة

مجلة أمريكية، أجرت مقابلة مع الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، تحدَّث فيها باستفاضة عن محتوى كتابه الجديد -الملف الأفغاني-.

الملف الأفغاني.. كتاب للأمير تركي الفيصل يكشف تفاصيل مثيرة

ترجمات – السياق

بعد أسابيع من الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، وسيطرة طالبان على البلاد، دشن الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، كتابًا بعنوان "الملف الأفغاني"، قدَّم من خلاله شهادة تاريخية عن الفترة الزمنية الأكثر أهمية وحساسية، في التاريخ الأفغاني الحديث، وعلاقة المملكة بالملف الأفغاني، من واقع رحلة عمله التي امتدت أكثر من عقدين.

مجلة نيو لاينز الأمريكية، أجرت مقابلة مع الأمير تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، تحدَّث فيها باستفاضة عن محتوى كتابه الجديد (الملف الأفغاني).

ويقول الصحفي الاستقصائي تام حسين، الذي أجرى الحوار مع المسؤول السعودي السابق، إنه التقى الأمير، في صباح صيفي في لندن، بينما كان يستعد لنشر كتابه.

وأضاف تام حسين، أن الأمير تركي، الذي يتحدَّث الإنجليزية بطلاقة، كان دقيقًا في عباراته طوال المقابلة، إذ ظل يختار كلماته بعناية، وحتى عندما قال نكتة "أكد أنها قيلت بشكل غير رسمي".

 

السعودية وأفغانستان

الصحفي تام حسين، ذكر أن الأمير كان مصممًا على عدم الإفراط في الكشف عن نفسه، ورسم خطًا واضحًا بين الشخصي والسياسي، الخط الواضح نفسه أيضًا في كتابه، مشيرًا إلى أنه ضمن 250 صفحة من كتاب "الملف الأفغاني"، لم يتضمن الكتاب معلومات عن شخصيته، رغم أنه من أكثر الشخصيات تأثيرًا في العقود الأخيرة، وأنه لا يزال يمتلك قراءة معمَّقة، وذات صلة كبيرة بالأحداث الجارية.

ويضيف تام: بعد عشرين عامًا من أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تعود طالبان إلى السلطة مرة أخرى في كابل، وعندما سألته عن آخر الأخبار في أفغانستان، أخبرني الأمير تركي، بأن المملكة العربية السعودية، يجب أن تفعل كل ما في وسعها لتحسين أوضاع الشعب... ومع ذلك، كان مُصرا على أنه ينبغي عدم الاعتراف بحكومة طالبان دوليًا، ما لم تقطع علنًا علاقاتها بتنظيم القاعدة.

 

دعم مالي

وأوضح تام حسين، أن كتاب الأمير "الملف الأفغاني"، يؤرخ لدور المملكة العربية السعودية في أفغانستان على ثلاث مراحل، بدءًا من الاحتلال السوفييتي 1979-1989، وهو الوقت الذي ينظر فيه الأمير تركي إلى الوراء بفخر خاص.

وأشار حسين، إلى أنه تم توثيق تمويل الاستخبارات السعودية للأفغان خلال تلك الفترة، مشيراً إلى أن الأمير رفض الاعتذار عن الدعم المالي الهائل الذي ساعد في تقديمه، بالشراكة مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية للأفغان.

لكن أقرب ما توصل إليه، للتعبير عن الأسف، هو عندما كتب أنه ونظراءه الأمريكيين ربما كانوا يركزون أكثر من اللازم، على الهدف المباشر المتمثل في كسب الحرب، بدلاً من العواقب المحتملة طويلة المدى لأفعالهم، بحسب حسين.

وانتقل تام حسين، للحديث عن التمويل الذي كانت تقدِّمه المملكة وواشنطن للأفغان، وأشار إلى أنه بحلول عام 1989، قدَّر الأمير تركي أن مخابرات البلدين، كانتا تمنحان المتمردين الأفغان مليار دولار سنويًا ، كما أنه اعترف بأنه حتى هذا الرقم المذهل، لا يرقى إلى المبلغ الحقيقي، الذي كان الأفغان يحصلون عليه من المملكة، لأنه لا يشمل التبرعات من المؤسسات السعودية الخاصة والمواطنين.

وتابع تام حسين: "من دون أن يقول ذلك تمامًا، من الواضح أن الأمير تركي، يعتقد أن الأفغان لم يكن بإمكانهم هزيمة السوفييت، من دون مساعدة المخابرات السعودية، ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية ووكالات استخبارات أخرى"، مشددًا على أن إحدى أكثر النقاط إثارة للاهتمام في كتابه، تتعلق بمساعدة الحكومة الصينية لـ "المجاهدين"، وهو موضوع ما زلنا نعرف عنه القليل نسبيًا، فعلى النقيض من شحنات الأسلحة، المتضخمة وغير الفعالة في كثير من الأحيان، من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فقد كتب أن الصينيين "أثبتوا أنهم موردون مفيدون وفعالون للغاية" للمعدات العسكرية.

 

القسم الثاني

وأوضح الصحفي الاستقصائي، أن القسم الثاني من كتاب "الملف الأفغاني" يبدأ بخروج السوفييت من البلاد في فبراير 1989، ويغطي وقتًا أكثر صعوبة في عمل الأمير تركي، مشيرًا إلى أنه أراد من المجتمع الدولي، تنفيذ برنامج إنمائي كبير في المناطق الحدودية لأفغانستان وباكستان لأنه -كما أخبره- "كان هذا هو السبيل الوحيد لتحويل الأسلحة إلى أدوات من أجل التنمية بعيدًا عن التطرف"، لكنه أضاف في كتابه، أنه عندما لم يلقَ عرضه آذاناً مصغية، ازداد قلقه من قتال "المجاهدين "في ما بينهم.

وعن شعوره بالإحباط، أوضح الأمير تركي للكاتب، أنه يرى فاصلًا واضحًا بين "الحملة المشرفة لتحرير أفغانستان وشعب أفغانستان، والطريقة اللاحقة المخزية للغاية، التي تصرف بها قادتها بعد رحيل السوفييت".

ومن المفارقات -حسب حسين- أن أكثر مَنْ ينتقدهم الأمير تركي من قادة "المجاهدين" الأفغان كانا اثنين من أكبر المستفيدين من الدعم المالي لدائرة المخابرات العامة (عبد الرب رسول سياف، زعيم الاتحاد الإسلامي، وقلب الدين حكمتيار، زعيم الحزب الإسلامي).

يصف الأمير تركي، حكمتيار بأنه "واحد من أقوى قادة حرب العصابات وأكثرهم نشاطًا وفعالية"، وقال إنه كان أيضًا "من المستحيل التعامل معه سياسيًا".

 

الحرب الأهلية

وأضاف تام حسين، أنه مع انحدار أفغانستان في عمق الحرب الأهلية، منتصف التسعينيات، كتب تركي أن المملكة العربية السعودية توقفت عن تمويل "المجاهدين" وركزت على إرسال المساعدات الإنسانية بدلاً من ذلك.

وأشار حسين إلى أن أفغانستان -كحالها حاليًا-كانت في حاجة ماسة للمساعدة، إذ يُعتقد أن أكثر من مليون أفغاني قُتلوا في الصراع مع السوفييت، بينما قُتل عشرات الآلاف في الفترة التي تلت ذلك، إذ حارب "المجاهدون" بعضهم للسيطرة على كابل.

وأوضح، أنه عندما استولت طالبان على السلطة عام 1996، كانت المملكة العربية السعودية وباكستان والإمارات العربية المتحدة، الحكومات الثلاث الوحيدة، التي اعترفت بهم كحُكام شرعيين لأفغانستان.

 

الجزء الثالث

 

ويتناول الجزء الثالث من الكتاب الأكثر أهمية -حسب الكاتب- محاولات المملكة العربية السعودية، لتسليم أسامة بن لادن زعيم القاعدة، الذي حارب السوفييت إلى جانب "المجاهدين" الأفغان.

وأوضح، أنه بحلول عام 1996، كان زعيم القاعدة يعيش بالمنفى في السودان، ثم عاد بن لادن إلى أفغانستان قبل تولي طالبان السلطة، ليواكب عمل حكومة جديدة عديمة الخبرة، تواجه مشكلات موروثة، وتفتقر إلى المهارات الدبلوماسية لحلها.

وأوضح الأمير تركي -بحسب تام حسين- أنه يحب السياسيين الذين ليسوا مزاجيين، ويعملون وفقًا للمعايير الدبلوماسية، وهو أمر لا ينطبق على العديد من المسؤولين في نظام طالبان القديم.

 

محور التواصل

 

ويتابع الصحفي، كشف ما قاله الأمير تركي خلال المقابلة قائلًا: "يبدو أن تركي شعر بأنه قادر على العمل مع قادة المجاهدين الأفغان المتناحرين باستمرار، لأنهم على الأقل يؤمنون بسياسة متجذِّرة في العالم الحقيقي".

في المقابل، كتب الأمير تركي في كتابه، أن طالبان كانت "غير متحضرة ومن المستحيل التعامل معها"، وهو ما يوضحه من خلال سرد حادثة وقعت عام 1995، طلبت فيها الحكومة الروسية مساعدة دبلوماسية من باكستان، في ما يتعلق بطائرة نقل روسية، أجبرتها طالبان على الهبوط جنوبي أفغانستان.

واستطرد تام حسين: طالبان سيطرت على قندهار في ذلك الوقت، لكنها لم تكن قد استولت على كابل، وكانت الطائرة تحمل أسلحة، إذ أخبرهم الباكستانيون أن بإمكانهم الاحتفاظ بالطائرة والأسلحة، لكن يجب أن يطلقوا سراح الطاقم.

لكن ما حدث بعد ذلك، أصاب الأمير تركي بالذهول، حسب وصف الكاتب، الذي نقل عن تركي قوله: "طالبان فشلت تمامًا في فهم أن هذا هو العرف في مثل هذه الحالات، وبدلاً من ذلك، أجابوا بأنه أولاً يجب على الروس أن يقدِّموا لنا قائمة بالقتلى والمفقودين خلال فترة الاحتلال، ثم سنفرج عن الطاقم، إذا وافق أقارب القتلى الأفغان"، ويكشف الصحفي الاستقصائي أنه بعد أكثر من عام في الأسر، هرب أفراد الطاقم.

وهنا تساءل الصحفي: لماذا عززت السعودية علاقاتها بنظام طالبان في السنوات التي تلت ذلك؟ ويجيب الأمير تركي: المملكة ليست لديها خيارات أخرى قابلة للتطبيق، إذا كانت تريد تسليم بن لادن.

أما في ما يتعلق بدائرة المخابرات العامة -يضيف الكاتب- فقد كان استمرار الاتصال بطالبان، السبيل الوحيد لإبقاء زعيم القاعدة في متناول اليد.

وقال: رغم أن تركي كان يعرف عائلة بن لادن، فإنه كتب أنه لم يكن قريبًا من بن لادن ولم يلتقه إلا مرة واحدة في المملكة العربية السعودية، بعد الانسحاب السوفبيتي من أفغانستان.

ونقل تام حسين، عن الأمير تركي قوله: خلال اجتماعه مع زعيم القاعدة، عرض بن لادن إطاحة حكومة جنوب اليمن، المدعومة من موسكو.

وأضاف الأمير تركي: لقد كان مخططًا غبيًا، غير مدروس بشكل ميؤوس منه، وخطير وضد مصالح المملكة، وأضاف: إذا كان سيهاجم الجنوب، فقد يوحد الفصائل في الحكومة نفسها هناك، ضد المصالح السعودية.

 

الأهداف السعودية

وأوضح الصحفي الاستقصائي، أن الأمير تركي كان أكثر تعاطفاً مع السعوديين الآخرين، الذين قاتلوا في أفغانستان في الثمانينيات.

ويرى الكاتب، أن هذه كانت المرة الأولى التي يختبر فيها السعوديون تحديات القتال، في حين أن البعض عادوا -نهاية المطاف- إلى التكيف مع الحياة المدنية، كما كتب الأمير تركي في كتابه.

ويضيف تركي: "هذه هي الطريقة التي أنظر بها إلى الجهاديين الدوليين اليوم، فهم من الشباب ذوي الذكاء الضئيل، والتعليم المتدني، ولا يفهمون تعقيدات العالم، لأنهم يعتقدون أن لديهم مهمة لتغيير العالم من خلال العنف، إنهم أنواع الشخصيات التي تؤمن بنظريات المؤامرة، بدلاً من أي محاولة لتعلُّم وفهم طريقة عمل الاقتصاد والسياسة الدولية والمجتمعات الحديثة ".

 

كتاب ممتاز ولكن

وقال الصحفي الاستقصائي: رغم أن كتاب "الملف الأفغاني" ممتاز، فإنه يحتوي على بعض الغموض، وأشار إلى أن الكتاب مكتوب بعمق، ويحتوي على معلومات مهمة، عن فترة حاسمة في التاريخ الحديث، وأضاف: "مع مرور الوقت، قد ينظر إلى حديث تركي على أنه رثاء مُبرر لكيفية ممارسة فن الحُكم في الدول الأخرى".

وتابع الصحفي : "عندما غادرت شقة الأمير السعودي، ظللت أفكر في ما سيحدث، إذا سمح لنا حقًا بالدخول إلى ذهنه، وفِكره الذي لا يعرفه أحد، فأنا مقتنع بأن كتابًا أو سيرة ذاتية عنه، ستكون أكثر انفتاحًا وصِدقًا، وستكون بعمق  وحجم كتاب هنري كيسنجر "الدبلوماسية".