أفغانستان تغرق في الفقر.. بعض الأفغان يبيعون أطفالهم للبقاء أحياء
تفاقم الفقر في أفغانستان، وهي أزمة إنسانية ازدادت وتيرتها، منذ وصول حركة طالبان المسلحة إلى السلطة في 15 أغسطس الماضي، بعد أن احتجزت الولايات المتحدة 9 مليارات دولار من أصول البنك المركزي الأفغاني، وحجبت معظم المساعدات الخارجية

ترجمات – السياق
تحذيرات أممية، من وضع كارثي يعيشه الأفغانيون، على وقع الأزمة الاقتصادية، التي تعصف بالبلاد، والتي زادت من حدتها، آثار سيطرة حركة طالبان المسلحة على أفغانستان، إلا أن تلك التحذيرات لم تكن لتضع في أسوأ سيناريوهاتها، أن يتجه مواطنو البلد الآسيوي لبيع أطفالهم للبقاء على قيد الحياة.
ذلك الوضع المأساوي، سلَّطت صحيفة وول ستريت الضوء عليه، راصدة قصصًا من قلب الواقع، عمّا وصلت إليه الأزمة في أفغانستان، مشيرة إلى أن هناك مآسي لا حصر لها، نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي.
وقالت الصحيفة الأمريكية، إن تفاقم الفقر في أفغانستان، وهي أزمة إنسانية ازدادت وتيرتها، منذ وصول حركة طالبان المسلحة إلى السلطة في 15 أغسطس الماضي، بعد أن احتجزت الولايات المتحدة 9 مليارات دولار من أصول البنك المركزي الأفغاني، وحجبت معظم المساعدات الخارجية.
حافة الوجود
وبينما تحذر الأمم المتحدة من أن 95% من الأفغان، لا يحصلون على ما يكفي من الطعام مع اقتراب فصل الشتاء، حذر -كذلك- برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، من «دفع الناس إلى حافة الوجود».
وبحسب الأمم المتحدة، فإن السكان الأفغان، البالغ عددهم نحو 40 مليون شخص، قد يقعون تحت خط الفقر في الأشهر المقبلة، إلا أن وراء هذه الإحصاءات، مآسي شخصية لا حصر لها لعائلات أفغانية، أصبح الحصول على الطعام أقصى آمالهم.
صالحة، 40 عامًا، أم لستة أطفال، تكسب 70 سنتًا يوميًا عن تنظيف المنازل، في أحد أحياء هيرات الغنية، بينما زوجها ليس لديه عمل، بحسب «وول ستريت جورنال»، التي قالت إن صالحة عملت وزوجها في مزرعة في مقاطعة بادغيس الغربية، لكنهما فقدا هذا الدخل قبل عامين، بسبب القتال والجفاف في المنطقة، فانتقلا إلى مخيم للنازحين من محافظات أخرى في هرات، يُعرف باسم «شهراك سابز»، واقترضا المال للحصول على الطعام.
إلا أنه بعد أن تضاعفت أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الدقيق والنفط، منذ منتصف أغسطس الماضي، مع شل النظام المالي والتجارة بعد سيطرة طالبان، لم تتمكن الأسرة من سداد الدين، فعرض المقرض شطب الدين عند تسليمه «صالحة» ابنتها الصغيرة إليه.
الأبناء رهينة
وتقول صالحة لـ«وول ستريت جورنال»، إن عائلتها لديها ثلاثة أشهر لتقديم المال، وإلا فإن ابنتها نجيبة ستقوم بالأعمال المنزلية في منزل المُقرض، وستتزوج أحد أبنائه الثلاثة، عندما تصل سن البلوغ.
ومن منزلها الصغير المكون من غرفتين، قالت صالحة للصحيفة: «إذا كانت الحياة رهيبة للغاية، فسوف أقتل نفسي وأولادي، أنا لا أعرف حتى ماذا سنأكل الليلة».
زوجها عبدالوهاب، التقط أطراف الحديث، ليقول: «سأحاول إيجاد المال لإنقاذ حياة ابنتي»، بينما قال المقرض خالد أحمد إنه «تقدَّم بطلب للزوجين، ليس لدي أي نقود أيضًا، فلا يوجد خيار سوى أخذ الابنة».
وبعد سيطرة طالبان، أغلقت باكستان وإيران المجاورتان حدودهما في مواجهة تدفق اللاجئين، ما أدى إلى فقدان العديد من رجال هذا المجتمع فرص أعمالهم، ولم يتبق إلا جمع الزجاجات البلاستيكية والقمامة الأخرى، لبيعها لإعادة التدوير.
وبينما يقول السكان إن الأطفال يجب أن يستسلموا لسداد ديون عائلات أخرى في المنطقة، قالت «وول ستريت جورنال»، إن المحنة المتزايدة، يمكن أن تقوِّض قبضة طالبان القوية الآن على السلطة، وأن تكون أداة تجنيد للجناح المحلي لتنظيم داعش، الذي يعد خصمهم الوحيد المهم.
أزمة إنسانية
يقول الناس: «لقد جاهدنا 20 عامًا، وفقدنا أفراد عائلاتنا، ولم يكن لدينا طعام مناسب، وفي النهاية، كوفئنا بهذه الحكومة»، يقول مسؤول بـ«طالبان» غربي البلاد، إن «الأفغان سيتعين عليهم التعود وأن يكافحوا بضعة أشهر».
وقال مسؤولو طالبان مرارًا، إنهم يرحبون بالمساعدات الدولية لأفغانستان، لكنهم لن يتنازلوا عن معتقداتهم الإسلامية للحصول على المساعدة.
ومع ذلك، فإن الأزمة الإنسانية تغذي الجدل داخل المجتمع الدولي، عمّا إذا كان يجب تقييد المساعدات الخارجية، إذا سيطرت طالبان على سلوكها، وأظهرت احترامًا أكبر لحقوق المرأة والأقليات.
وحثَّ وزير الصحة الأفغاني الجديد، طبيب المسالك البولية الذي عينته طالبان، وأحد القلائل من غير رجال الدين في الإدارة الجديدة، المجتمع الدولي على عدم مغادرة البلاد.
«هذه هي الأم نفسها، الطفل ذاته، المريض عينه، الذي كنت تساعده، لم يتغيروا»، يقول الدكتور قلندر عباد في مقابلة، مشيرًا إلى أن «الحكومات تتغيَّـر في جميع البلدان».
تحذيرات أممية
وحذَّرت مجموعات، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة، من أن المساعدات الإنسانية الطارئة، يجب أن تكون غير مشروطة، مؤكدين أن المطالبة بضرورة السماح لنساء طالبان بالدراسة والعمل، الأولوية الأكثر إلحاحًا لضمان عدم موت النساء من البرد أو الجوع هذا الشتاء.
ويقول بعض مسؤولي الإغاثة، إن الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، التي قاتلت في أفغانستان على مدى العقدين الماضيين، تتحمَّل مسؤولية خاصة.
وقال يان إيجلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، الذي يعمل في مور: «هذه البلدان التي لديها بصمات أصابعها في كل هذه الحالة المؤسفة، عليها على الأقل توزيع الأموال التي نحتاجها، حتى نتمكن من الوصول إلى أعداد ضخمة هذا الشتاء، لإنقاذ الناس من الموت».
وقالت اثنتا عشرة مقاطعة أفغانية في كابل: «حجب التمويل المنقذ للحياة، لأننا ما زلنا نتفاوض بشأن حقوق المرأة، سيكون أمرًا خاطئًا».
وقال إيجلاند، الرئيس السابق لقسم المساعدات الطارئة التابع للأمم المتحدة، إن منظمته لن تعيد فتح مدارس الأولاد، في المقاطعات التي لا يُسمح فيها بمدارس الفتيات، لكنها لن توقف المساعدات، التي يمكن أن تنقذ الأرواح.
من جانبها، أكدت هيذر بار المديرة المساعدة لقسم حقوق المرأة في "هيومن رايتس ووتش"، أن المانحين تعهدوا بأنهم سيحكمون على طالبان من خلال أفعالهم، لكن خطر المجاعة لم يترك لهم أي خيار سوى تقديم المساعدة، مشيرة إلى أن حركة طالبان تأخذ الأفغان رهائن وتخدع المجتمع الدولي.
الأدوية تنفد
وقبل سيطرة طالبان، كان نحو 2300 مستشفى وعيادة أفغانية تعتمد على التمويل الأجنبي، وهو ما أكده مدير الطوارئ الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية، ريتشارد برينان، قائلًا، إن 17% فقط منها تعمل الآن بكل طاقتها، و64% نفدت منها الأدوية الأساسية.
كما دفعت المساعدات الدولية، رواتب آلاف الأطباء والممرضات والمعلمين، الذين يكافحون الآن لتغطية نفقاتهم.
وفي هرات، هناك مركز غذاء طارئ للأطفال، المصابين بسوء التغذية الحاد، تديره منظمة أطباء بلا حدود الخيرية الفرنسية، وهو ممتلئ ويتعين عليه توسيع طاقته الاستيعابية، بحسب «وول ستريت جورنال»، التي قالت إن الأطفال يعانون ضيق التنفس وجفافًا وصدمة، بينما تحصل أمهاتهم على القليل من القوت، لدرجة أنهم غير قادرين على إنتاج ما يكفي من الحليب.
تلك الأزمة ستتفاقم بشكل أكبر، بعد أن هدد موظفو مستشفى هيرات الإقليمي، بالتخلي عن وظائفهم، إذا لم يتقاضوا رواتبهم لمدة أربعة أشهر، تقول «وول ستريت جورنال»، مشيرة إلى أن الأدوية الشائعة، مثل المضادات الحيوية في المستشفيات الحكومية، وحتى الإمدادات الأساسية مثل القفازات والضمادات الجراحية نفدت، بينما إمدادات الأكسجين منخفضة، وعلى المرضى شراء الأدوية الخاصة بهم، ومستلزمات التخدير وغيرها من ضرورات الجراحة.
من جانبه، قال الدكتور محمد عارف جلالي، المدير الطبي: «آمل ألا نعود للوضع قبل 25 أو 30 عامًا، عندما لم تكن هناك مرافق صحية في هذا البلد(..) يمكننا أن نفقد كل شيء اكتسبناه».
وفي جناح تقويم العظام، أصيب عبدالرحمن، وهو مستلقٍ على سرير ودبوس يخرج من ساقه، برصاص لصوص دراجته النارية، بينما أصيب الجرح بالعدوى، وأخبر الأطباء والده بأنه قد يضطر إلى بتر ساقه.
وقال عبدالرحمن، وهو عامل يبلغ من العمر 37 عامًا: «إذا قطعوا ساقي ، فلن يكون هناك من يعتني بأسرتي(..) ماذا سيحدث لأطفالي الصغار؟».