كيف تعد الهند المستفيد الأبرز من حرب روسيا؟

رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن الهند، هي الأكثر استفادة من الحرب الروسية الدائرة في أوكرانيا

كيف تعد الهند المستفيد الأبرز من حرب روسيا؟

ترجمات - السياق

مع دخول الحرب الروسية في أوكرانيا يومها الـ 105، يرى مراقبون أن الصين والهند ستكونان ربما أكبر مستفيدين من العقوبات الغربية ضد موسكو، عبر حصولهما على احتياجاتهما النفطية وبأسعار مخفضة في ظل التصاعد المتواصل في أسعار النفط والطاقة عالميا على وقع العقوبات الغربية ضد روسيا.

ورأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن الهند، هي الأكثر استفادة من الحرب الروسية الدائرة في أوكرانيا، مشيرة إلى أنها من خلال رفض إدانة موسكو والانضمام إلى العقوبات التي يقودها الغرب، تمكنت نيودلهي من رفع مكانتها العالمية.

وقالت، في تقرير: إن القوى الكبرى الأخرى -الولايات المتحدة وروسيا والصين- تغازل الهند بشدة، لحرمان خصومها من ميزة استراتيجية.

وأمام ذلك، يستمتع رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وحكومته القومية الهندوسية، بتسليط الأضواء عليهما، للحفاظ على استمرار هذا الزخم، لافتة إلى أن هدفهم المحتمل تأدية دور قوة عظمى مستقل للهند، وتسريع الانتقال إلى نظام دولي متعدد الأقطاب، وفي النهاية ترسيخ مكانتها الجديدة بمقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

 

شريك استراتيجي

وترى "فورين بوليسي" أن هذه التطورات لا تنفي حقيقة أن الولايات المتحدة أصبحت أهم شريك استراتيجي للهند، مشيرة إلى أن البلدين أحرزا تقدمًا هائلًا في السنوات الأخيرة.

وأشارت إلى أنه منذ عام 2018، عقدت نيودلهي وواشنطن اجتماعات قمة سنوية، ووقعتا العديد من الاتفاقيات الأمنية الرائدة، فضلًا عن أن كلا البلدين جزء من الحوار الأمني، المعروف باسم الرباعي، إلى جانب أستراليا واليابان.

وبينت أنه بقمة الرباعية في طوكيو الشهر الماضي، التقى مودي الرئيس الأمريكي جو بايدن للمرة الثانية، مكملاً المناقشات الجارية بين البلدين.

وحسب المجلة، انضمت نيودلهي أيضًا إلى إطار العمل الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ من أجل الرخاء، الذي تم الكشف عنه مؤخرًا في واشنطن، والذي يهدف إلى تكثيف العلاقات الاقتصادية في المنطقة، من دون إبرام معاهدة تجارية رسمية.

وذكرت، أنه خلال شراكتهما المزدهرة، تعهدت الهند والولايات المتحدة، بصفتهما أكبر ديمقراطيتين في العالم، بتوجيه قيمهما المشتركة ومصالحهما الاستراتيجية في احتواء الصين، لدعم النظام الدولي الليبرالي القائم على القواعد.

ولكن عندما غزت روسيا أوكرانيا، قررت الهند اتباع سياسة فائقة الواقعية وحماية المصالح الهندية قبل كل شيء -ليس أقلها اعتمادها العميق على روسيا للحصول على المعدات العسكرية- إذ إنها بدلاً من إدانة دولة ذات سيادة لغزوها وسعيها لتدمير دولة أخرى، وهو انتهاك لا جدال فيه للنظام القائم على القواعد، اتخذت الهند موقفًا أكثر حيادية.

ففي البداية، بدا أن استراتيجية حكومة مودي تهدف إلى الإضرار بالشراكة مع الولايات المتحدة، إذ إنه في مارس الماضي، وصف بايدن التزام الهند بمعاقبة روسيا بأنه "مهتز إلى حد ما"، وأوائل أبريل، زار نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي داليب سينغ، نيودلهي وحذر من "العواقب" المحتملة على البلدين، في حال تقويض العقوبات الأمريكية ضد روسيا.

 

تغيُّـر المواقف

وحسب "فورين بوليسي" فإنه بحلول منتصف أبريل، غيَّـرت إدارة بايدن نغمتها بشكل كبير تجاه نيودلهي، إذ التقى بايدن ومودي خلال انطلاق ما يسمى حوار 2 + 2 في واشنطن.

بعد الاجتماع، كان من الواضح أن بايدن وافق على موقف مودي، إذ أشار بيان أمريكي حينها إلى أن الزعيمين سيواصلان "مشاوراتهما الوثيقة" بشأن روسيا، من دون أي مؤشر على أن واشنطن مستعدة لاتخاذ أي إجراء ضد نيودلهي.

إضافة إلى ذلك، لم يكن على الهند إدانة روسيا أو تقديم أي تنازلات أخرى، مثل كبح أو إنهاء استيرادها للنفط الروسي الرخيص.

وأمام هذه التطورات، رأت المجلة الأمريكية، أن هذه الاتجاهات ستسهم في صعود الهند إلى مكانة القوة العظمى، وتحول النظام العالمي نحو تعددية قطبية أكبر.

وتشير التصريحات اللاحقة من البيت الأبيض –بوضوح- إلى أن واشنطن لن تدفع نيودلهي أكثر من ذلك، ربما خوفًا من تدمير التعاون في مواجهة الصين بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

على سبيل المثال، قال وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين، في أبريل: "الهند يجب أن تتخذ قراراتها الخاصة بكيفية التعامل مع هذا التحدي".

وفي طوكيو قال بايدن، الشهر الماضي: "أنا ملتزم بجعل الشراكة بين الولايات المتحدة والهند من بين أقرب الشراكات لدينا على وجه الأرض" رغم الاختلافات في ما يتعلق بروسيا.

وأشارت المجلة، إلى أنه خلال بيانهما المشترك، أدان بايدن وحده روسيا، بينما لم يفعل مودي ذلك.

وذكرت المجلة الأمريكية، أنه خلال الأشهر الماضية، حافظت الهند أيضًا على علاقاتها الوثيقة بروسيا، من خلال الامتناع المتكرر عن التصويت في الأمم المتحدة، عندما قدَّمت الدول الغربية قرارات ضد روسيا.

 وحسب المجلة، تتمتع روسيا والهند بشراكة طويلة الأمد تعود إلى الحرب الباردة، عندما اعتقدت نيودلهي أن واشنطن تدعم بنشاط عدوها اللدود باكستان، لافتة إلى أنه كثيرًا ما قدرت الهند الدعم الروسي، لاسيما في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث يتم طرح الوضع الإقليمي لجامو وكشمير بشكل روتيني.

 

الصين

أما عن الدور الصيني، فبينت "فورين بوليسي" أن الهند تتمتع أيضًا بتاريخ طويل من الاستفادة من شراكتها مع روسيا ضد منافستها الأخرى، الصين، التي تعاني معها توترات حدودية مستمرة.

وأشارت إلى أنه على مدى عقود، اشترت الهند أسلحة روسية، لافتة إلى أنه وفقًا لأحد التقديرات الحديثة، فإن ما يقرب من 85 بالمئة من المعدات العسكرية الهندية روسية الصُنع.

وذكرت المجلة أنه اعتبارًا من الشهر الماضي، ورد أن إدارة بايدن كانت تدرس تمويلًا عسكريًا بـ 500 مليون دولار للهند كمحاولة لإبعادها عن المعدات الروسية الصنع.

أيضًا -حسب المجلة- تغاضت واشنطن عن فرض قانون مواجهة أعداء أمريكا ضد الهند، لشراء نيودلهي لنظام صواريخ أرض-جو S-400 من موسكو، ما يشير إلى أن الهند ببساطة مهمة للغاية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، خصوصًا في استراتيجيتها بالمحيط الهادئ.

وترى المجلة الأمريكية أن الهند استفادت بشكل أكبر من خصم أسعار النفط والفحم الروسي منذ اندلاع الحرب، مشيرة إلى أنه رغم أن وزير الشؤون الخارجية الهندي إس. جايشانكار سخر في أبريل من أن الهند ربما تستورد نفطًا روسيًا أقل في شهر واحد مما تستورده أوروبا في فترة ما بعد الظهر، فقد ارتفعت واردات نيودلهي النفطية من روسيا بشكل حاد، بعد فرض العقوبات الغربية بحق موسكو.

وأمام تقدم العلاقات الروسية الهندية، زار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الهند في أبريل الماضي، لشكر نيودلهي على دعمها الثابت لموسكو في الأمم المتحدة.

وبينت المجلة أنه أثناء وجود لافروف هناك، أشاد بنظام تبادل العملات الروبية والروبل، الذي يوفر وسيلة بديلة لإجراء المعاملات مع البنوك الروسية الخاضعة للعقوبات، إضافة إلى ذلك، قال لافروف: "سنكون مستعدين لتوريد أي سلع تريد الهند شراءها".

وبالنظر إلى مناقشات مودي المستمرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ الحرب، فقد أثار لافروف إمكانية قيام الهند بدور الوسيط في الحرب الروسية الأوكرانية، الأمر الذي من شأنه أن يضع الهند في موقع بارز جدًا على الساحة الدولية، حسب وصف المجلة الأمريكية.

وأمام ذلك، ونظرًا لأن موقف الهند المحايد يتعارض بشكل واضح مع سياسة الولايات المتحدة، شعرت بكين أيضًا بفرصة استراتيجية للتواصل مع نيودلهي، بهدف أساسي هو إبعادها عن احتضان واشنطن لها.

ففي مارس، كان وزير الخارجية الصيني وانغ يي أول مسؤول صيني كبير يزور الهند منذ عام 2019، حيث بدا كأنه يُغازل بكين، قائلًا: "إذا تعاون البلدان، فإن العالم سيهتم".

وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أنه في الفترة التي سبقت زيارة وانغ، ألقى الناطق باسم الحزب الشيوعي الصيني الناطق باللغة الإنجليزية، جلوبال تايمز، أيضًا نبرة تصالحية غير عادية، حيث كتب: "تشترك الصين والهند في مصالح على جبهات عدة، على سبيل المثال، أشار الغرب بأصابع الاتهام إلى الهند لشرائها النفط الروسي بسعر مخفض، لكننا نرى أن هذا حق شرعي للهند".

وأمام هذه التحولات، ترى "فورين بوليسي" أن الحرب الروسية في أوكرانيا أفادت الهند بلا شك، حيث تتنافس القوى العظمى بقوة لخطب ود نيودلهي، لاسيما الولايات المتحدة والصين.

وأشارت إلى أن هذه الاتجاهات -إذا استمرت- ستسهم في صعود الهند إلى مكانة القوة العظمى، وستحول النظام العالمي نحو تعددية قطبية أكبر.

إلا أن المجلة أفادت بأن ما يمكن أن يعرقل نجاح نيودلهي هو التصعيد الخطير في الصراع الروسي الأوكراني، الذي قد يجبر الهند -في النهاية- على اختيار أحد الجانبين بين القوى العظمى.