لماذا يجب أن تكون الأسلحة النووية في مأمن من التهديدات السيبرانية؟
رغم أن التقنيات التي أدخلت في أنظمة الأسلحة النووية الأمريكية جديدة، فإن العديد من التدابير الفنية والإجرائية والسياسات، التي تضمن أنها تلبي أعلى معايير الموثوقية والتحكم، تعود إلى حقبة الحرب الباردة

ترجمات - السياق
شددت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، على ضرورة أن تكون الأسلحة النووية في مأمن من التهديدات السيبرانية، مشيرة إلى أنه يجب النظر في العواقب المحتملة للهجمات الإلكترونية ضد منشآت الطاقة النووية المدنية.
وذكرت المجلة -في تحليل لإيرين دمباتشر الخبيرة في مبادرة التهديدات النووية- أن الصراع الأخير في أوكرانيا أظهر -مرة أخرى- المخاطر الجسيمة الكامنة بالتدخل في العمليات العادية للمنشآت النووية، خلال أوقات الأعمال العدائية العسكرية.
وأشارت إلى الأنباء الأخيرة عن اكتشاف أحد المختبرات الوطنية في الولايات المتحدة أن مكثفات تجارية رخيصة -بخمسة دولارات- كان من المتوقع استخدامها في قطاع تحديث الأسلحة النووية الأمريكية، لم تستوفِ الشروط والمعايير العالية المطلوبة، في حين أقر مسؤول في وزارة الطاقة الأمريكية -في جلسة استماع أمام الكونغرس- بأن التحول إلى جزء جديد وما يرتبط به من إعادة تصميم، يكلف دافعي الضرائب ملايين الدولارات.
ورأت أن هذا المثال الذي يوضح مخاطر استخدام التكنولوجيا التجارية الجاهزة، مجرد قمة جبل الجليد لسلسلة التوريد والمخاطر الكامنة في برامج تحديث الأسلحة النووية، مشددة على أنه لتخفيف حدة هذه المخاطر، يجب أن تعطي عمليات الاستحواذ الأولوية للأمان الرقمي والموثوقية، إضافة إلى التكلفة والجدول الزمني والأداء.
الأمان الرقمي
وأوضحت "ناشيونال إنترست" أنه رغم أن التقنيات التي أدخلت في أنظمة الأسلحة النووية الأمريكية جديدة، فإن العديد من التدابير الفنية والإجرائية والسياسات، التي تضمن أنها تلبي أعلى معايير الموثوقية والتحكم، تعود إلى الحقبة التناظرية للحرب الباردة.
وأشارت إلى أن مخاطر سلسلة التوريد متأصلة في أي مشروع تحديث، لكن مع استبدال العديد من أنظمة الأسلحة النووية الأمريكية لأول مرة منذ عقود، أصبحت مخاطر الأمن الرقمي ومخاوف الموثوقية أكثر أهمية من أي وقت مضى.
وأفادت بأن هناك ما لا يقل عن 46 برنامجًا متباينًا للتحديث النووي قيد التنفيذ، بينما تقدر مبادرة التهديد النووي (NTI) أن تسعة برامج من كل عشرة، ستحصل على مكونات أو ترقيات رقمية جديدة.
وذكرت أن التقنيات الرقمية تقدِّم نقاط ضعف جديدة، ما يضيف تعقيدًا إلى جهود التحديث الأكثر تعقيدًا، مقارنةً بتطويرها كُلا على حدة.
وحسب المجلة، فإن الولايات المتحدة تقوم حاليًا بتحديث الأسلحة النووية ووسائل إيصالها، التي تتضمن ما يعرف بـ "الثلاثي النووي"، أي الصواريخ البالستية العابرة للقارات والطائرات المحملة بالذخائر النووية والغواصات، وما يتبعها أيضًا من أنظمة إصدار الأوامر من القيادة والتحكم بالأسلحة وأنظمة التحذير.
وكشفت أنه من الممكن أن تأتي نقاط ضعف الأمن الرقمي من الهجمات الإلكترونية أو استغلال للثغرات الرقمية، ما قد يمنع الوصول إلى المعلومات المهمة، من خلال هجمات رفض الخدمة أو التشويش.
وبينت أن المعلومات المغلوطة أو تزييفها رقميًا، قد تؤدي إلى استنتاجات سيئة وقرارات خاطئة، مشيرة إلى أن ذلك غير مقبول عندما يتعلق الأمر باستخدام محتمل للسلاح النووي، لافتة إلى أن البيانات الأخيرة من القيادة الاستراتيجية الأمريكية تشير إلى تحسينات في الأشهر الستة إلى الثمانية الماضية، وأن وزارة الدفاع الأمريكية وسعت جهودها لتتبع وتقليل نقاط الضعف.
في الوقت ذاته أكدت المجلة الأمريكية، أن كشف نقاط الضعف يختلف عن تخفيفها أو القضاء عليها، مشددة على أنه عندما يتعلق الأمر بالسلامة والثقة في الردع النووي الأمريكي والاعتماد عليه، فهو أمر يجب فيه عدم تخفيض الكلفة.
تفادي المخاطر
ولتفادي المخاطر مجددًا، دعت دمباتشر إلى ضرورة اعتماد الجيش الأمريكي والمختبرات الوطنية والصناعات الدفاعية الأمريكية على معايير عالية في أسلحتها النووية، مشيرة إلى أن واشنطن -على مر عقود- حرصت على تفادي المخاطر في أنظمتها الداخلية والخارجية، مشددة على أهمية تطبيق الحذر ذاته في "التحديات الحاضرة للأمن الرقمي".
وشددت الخبيرة في مبادرة التهديدات النووية، على أن أي تحديث يطرأ على المجال النووي الأمريكي، يجب ألا يقتصر على الانتقال من قسم البحث والتطوير إلى الاستخدام مباشرةً، مؤكدة أهمية إخضاع أي جزء قد يؤثر في أداء الأنظمة النووية -جديدة كانت أم محدثة- لاختبارات صارمة وتقييم وتصديق وتوثيق، لافتة إلى أن أنظمة التحذير، وإن كانت مكلفة، فهي مسؤولية أساسية للأمن النووي.
وأوضحت أنه قد تتوفر خطوات إضافية في مجال تحديث الترسانة النووية، منها التعاون مع دول أخرى للحد من نقاط الضعف الرقمية في تحديث القطاع النووي، مشيرة إلى أن هذا الأمر لجأت إليه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في تقييم فشل السلامة، للأسلحة النووية والقيادة والسيطرة، إضافة إلى أنظمة التحذير.
وأشارت إلى أن عضوي مجلس الإدارة في "مبادرة التهديدات النووية"، سام نون وإرنست مونيز، كانا قد عرضا هذه الفكرة، برفقة أعضاء من الكونغرس، وأكدا أن المراجعات الحديثة يمكنها أن تقلل من مخاطر الاستخدام النووي، من خلال منع الاستخدام الخاطئ أو غير المتعمد للأسلحة النووية، الذي يعتمد على تنبيه خاطئ بوجود هجوم.
وحسب المجلة الأمريكية، يتطلب قانون تصريح الدفاع الوطني لعام 2022، تشكيل وزير الدفاع الأمريكي لجنة استشارية فيدرالية مستقلة، لمراجعة سلامة الأسلحة النووية والأنظمة المنوطة بها وتقييم أمنها ومتانتها.
وأشارت إلى أن هناك أسئلة عن المخاطر النووية لم تجد الإجابة عنها، منذ أن أصبحت التقنيات الرقمية مهيمنة في جميع أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات والإنذار والتسليم النووية.
تهدف هذه "المراجعة الآمنة" -حسب المجلة- إلى ضرورة فحص الإجراءات الفنية، التي يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة، وكذلك فرص الحد من المخاطر التعاونية المحتملة مع الدول النووية الأخرى.
الفشل الآمن
وشددت دمباتشر على ضرورة أن تتناول المراجعة الفنية، كيفية تصميم الأنظمة وبنائها مع مراعاة الأمن السيبراني وكيف يمكن لهذه الأنظمة -حال فشلها- أن "تفشل بأمان" من دون مخاطر كبيرة.
ووضعت الخبيرة النووية أسئلة مهمة للأمن السيبراني النووي، منها -على سبيل المثال- هل يمكن تقليل عدد المكونات الرقمية لتقليل سطح الهجوم الإلكتروني؟ وهل يمكن عزل الأنظمة العسكرية النووية والتقليدية، بما في ذلك أنظمة القيادة والتحكم والإنذار في الفضاء عن بعضها، لتقليل مخاطر التشابك وسوء التوزيع وسوء الفهم، الذي قد يؤدي إلى الاستخدام المبكر أو غير المقصود للأسلحة النووية؟ وهل يمكن أن يقتصر الارتباط بين الأنظمة النووية والأصول والبنية التحتية الوطنية الحيوية على حماية الأنظمة المدنية مع تقليل المسارات المحتملة للتصعيد النووي غير المقصود؟
وتوضح "ناشيونال إنترست" أنه نهاية المطاف، قد تحتاج بعض السياسات والمواقف إلى تعديل لتعويض نقاط الضعف الفنية والإجرائية، التي ستصبح عنصرًا أساسيًا في أنظمة الأسلحة النووية، والتي يمكن للهجمات الإلكترونية أن تستغلها.
وللإجابة عن هذه الأسئلة، شددت دمباتشر على ضرورة أن تكون المراجعة الآمنة شفافة إلى أقصى حد ممكن، مع إشراك كبار الخبراء -داخل الحكومة وخارجها- لتقييم الأنظمة، فضلًا عن إجراء مراجعة سرية ومشاركتها على نطاق واسع عبر جميع الإدارات والوكالات الحكومية الأمريكية ذات الصلة، بما في ذلك وزارتا الدفاع والطاقة، على أن تؤدي هذه المراجعة إلى نتائج وتوصيات تُرفع إلى وزير الدفاع والرئيس، الذي يجب عليه في البداية إبلاغ اهتمامه القوي بالمراجعة، وأن يشارك، بشكل عام، نتيجة المراجعة الآمنة مع الدول الأخرى، التي تمتلك أسلحة نووية، لتشجيعها على إجراء مراجعاتها الداخلية والآمنة.
وأضافت: "في وقت أصبحت فيه التوترات بين القوى النووية أعلى من أي وقت مضى، يجب على كل دولة لديها أسلحة نووية، أن تكون يقظة ضد مخاطر سوء التقدير، والتصعيد غير المقصود، والعواقب غير المقبولة للاستخدام النووي، ومن ثمّ فإن ذلك لابد أن يشمل ضمان الأمن السيبراني".