وزير خارجية إسرائيل السابق: إنشاء اتحاد فلسطيني أردني الأمل الأخير
حذر بن عامي، من أن الصراع هناك لديه القدرة على تصعيد الوضع إلى مواجهة مروعة قد تؤجج العالم الإسلامي.

ترجمات-السياق
جدد وزير خارجية إسرائيل السابق شلومو بن عامي، الدعوات لإنشاء كونفدرالية فلسطينية أردنية، قائلاً إنه في أبريل الماضي، تزامن عيد الفصح اليهودي مع شهر رمضان الخاص بالمسلمين، ما أثار التوترات في جميع أنحاء الضفة الغربية التي تحتلها تل أبيب، ويسكنها ما يقرب من 2.5 مليون عربي و500 ألف يهودي، حيث وقعت اشتباكات مشؤومة في الحرم الشريف بالقدس، وهو موقع مقدس لكلا الدينين، وأصبح رمزاً للقضية الوطنية الفلسطينية.
وحذر بن عامي، في مقال كتبه لـ "وول ستريت جورنال" الأمريكية، من أن الصراع هناك لديه القدرة على تصعيد الوضع إلى مواجهة مروِّعة قد تؤجج العالم الإسلامي.
حل الصراع
ورأى بن عامي، وهو نائب رئيس مركز توليدو الدولي للسلام، أنه بالنظر لأن جميع المحاولات الأخرى لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فشلت، فإنه الوقت حان لإعادة النظر في الخيار الأردني، مشيراً إلى أن الضفة الغربية كانت بالفعل تحت حكم عمان بين عامي 1948 و1967، عندما احتلتها إسرائيل، كما أنه منذ عام 1988، عندما تخلى الملك الأردني الراحل الملك حسين عن مطالب بلاده بالسيادة لصالح منظمة التحرير الفلسطينية، باتت الضفة الغربية مُعضلة لا يمكن حلها بالنسبة للأردن.
وتابع: "لقد فشل النضال الفلسطيني من أجل إقامة دولة مستقلة، يدعي الأردن أنها حيوية لأمنه القومي، فشلاً ذريعاً، صحيح أنه لم يعلن ضم إسرائيل للضفة الغربية بشكل رسمي، وهو كابوس أردني آخر، لكن هذا الأمر يبدو واقعاً لا جدال فيه على الأرض".
وكان معسكر السلام الإسرائيلي، الذي بات حجمه يتضاءل، قد دعا في الآونة الأخيرة إلى فكرة إنشاء كونفدرالية إسرائيلية فلسطينية، مع ربط إسرائيل بدولة فلسطينية جديدة في الضفة الغربية، إذ يأملون أن يمنع هذا الحل قيام دولة واحدة فقط من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، لكن المشكلة أن الكونفدرالية الإسرائيلية الفلسطينية ستمثل اندماجاً قابلًا للانفجار بين مجتمع غربي مزدهر ومجتمع آخر فقير، كما أن العلاقة بين الطبقة الغنية من الإسرائيليين والسكان الفلسطينيين المضطهدين كثيراً لن تختلف عن العلاقة التي كانت في ظل نظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا"، بحسب ابن عامي.
فكرة قديمة
ووفقاً لابن عامي، فإن الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية لديها أسباب أكثر إقناعاً من حيث الاقتصاد والدين والتاريخ والذاكرة، لأن الفكرة ليست جديدة، حيث اقترحها الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر عام 1977 على رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها مناحم بيجن، كما دعم الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات فكرة إنشاء اتحاد كونفدرالي، وكذلك فعل وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر، الذي ضغط لصالح الفكرة أثناء رئاسة جيرالد فورد للولايات المتحدة.
وأضاف: "لم يكن الملك حسين، مثل إسرائيل ومعظم القادة العرب، يؤيد إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، إذ كان يخشى أن تصبح الدولة متطرفة وأن تقع في أيدي (زعيم يشبه الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي)، على حد تعبير كارتر، إذ إنه بالنسبة للملك الأردني الراحل، كان من المحتم أن ترث الدولة الفلسطينية السمات الثورية للحركة الوطنية الفلسطينية".
عام 1985، توصل الملك حسين إلى تفاهم مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية حينها، ياسر عرفات، يمارس فيه الفلسطينيون "حقهم غير القابل للتصرف في تقرير المصير" في سياق دولة عربية كونفدرالية تجمع بين الأردن وفلسطين، ودافع الملك الأردني عن هذه الفكرة كمسألة "مصير مشترك وكذلك تاريخ وخبرة وثقافة واقتصاد وبنية اجتماعية مشتركين"، ورأى أنه سيتم إنقاذ الحركة الوطنية الفلسطينية الفوضوية، من خلال ربط مصيرها بالأردن وهي "دولة ذات سيادة تتمتع بمكانة دولية ذات مصداقية"، كما أنه عندما زار العاهل الأردني الحالي الملك عبدالله الثاني الضفة الغربية في مارس 2021، ردد الرئيس الفلسطيني محمود عباس الشعور نفسه عندما قال "نحن واحد"، حسب بن عامي.
عاصمة تجارية
أوضح الوزير الإسرائيلي السابق أنه منذ إنشاء إمارة شرق الأردن عام 1921 خارج الأراضي التي كانت تابعة لفلسطين الخاضعة للحكم البريطاني، فإن مصيرها ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضية الفلسطينية، كما نصت اتفاقية السلام التي أبرمتها المملكة الأردنية الهاشمية عام 1994 مع إسرائيل، على تقنين وصايتها على الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس، وحتى الآن تعد عمان، وليس تل أبيب، العاصمة التجارية لفلسطينيي الضفة الغربية.
وقال بن عامي: "لقد مضى التاريخ قدماً، ويريد الآن القوميون الفلسطينيون، المدفوعون بمقاومة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي، دولة مستقلة خاصة بهم، لكن استطلاعات الرأي التي أجريت عامي 2013 و2016 تشير إلى أن الخيار الأردني يمكن أن يكسب مؤيدين إذا وعد بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي".
وذكر بن عامي أن المؤسسة الأردنية لم تتخلص من مخاوف الملك حسين من قيام دولة فلسطينية متطرفة وغير منظمة، إذ إنه رغم أن الملك عبد الله أعلن -أكثر من مرة- أنه "سئم" المحادثات الخاصة بالكونفدرالية الأردنية الفلسطينية، فإنه دائماً ما يترك الباب مفتوحاً لهذا الترتيب، لكن "بعد إنشاء دولة فلسطينية"، إذ يحظى هذا التسلسل المتمثل في إنشاء دولة فلسطينية أولاً ثم الكونفدرالية في ما بعد، بالإجماع بين مؤيدي الفكرة في الأردن.
لكن خيارات الأمن القومي عادةً ما تُتخذ وفقاً للتهديدات والفرص، حيث لن ينظر الأردن إلى الاتحاد الكونفدرالي إلا كملاذ أخير لحماية أمنه، وليس كطريقة لحل مأزق إسرائيلي، فالطموح المعلن لليمين الإسرائيلي لضم الضفة الغربية، والاتفاقات الإبراهيمية للسلام الأخيرة بين إسرائيل وأربع دول عربية، التي أعلنت عملياً انتهاء الصراع العربي الإسرائيلي، قد تجبر عمّان على إعادة تقييم موقفها من الضفة الغربية، حسبما يرى بن عامي.
وأضاف: "لقد حظيت دعوة عودة الأردن إلى الضفة الغربية بدعم المستشار الملكي السابق عدنان أبو عودة ورئيسي الوزراء الأردنيين السابقين عبدالسلام المجالي وطاهر المصري، إذ إنه عام 2008، أعلن المجالي خطة كونفدرالية، مدفوعة بخوفه من أن يؤدي فك الارتباط الإسرائيلي إلى هجرة جماعية أو نقل قسري للفلسطينيين إلى الأردن، كما أن لدى الأردن أيضاً كل الأسباب للخوف من سيطرة حركة حماس على الضفة الغربية، حال انسحاب تل أبيب منها".
اتفاقية سلام ثنائية
وأشار بن عامي إلى أن المجالي كان يعلم، بصفته مفاوض سلام مع إسرائيل، أن اتفاقية سلام ثنائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين أمر غير مرجح، ولذا فقد أعرب عن اعتقاده أن الكونفدرالية الأردنية الفلسطينية وجميع الضمانات المصاحبة لها، يجب أن تكون جزءًا من أي اتفاق سلام بين الأطراف الثلاثة، وليس شيئاً يتم التفاوض عليه بعد إنشاء دولة فلسطينية، لأن الإسرائيليين والفلسطينيين لن يكونوا قادرين على تحقيق ذلك بمفردهم.
ووفقاً لخطة المجالي، فإن كلًا من السلطتين التشريعية والتنفيذية في الاتحاد ستقوم على أساس التمثيل المتساوي للدولتين، مع التناوب الفلسطيني والأردني على منصبي رئيس البرلمان ورئيس الوزراء، وسيكون الملك رأس الدولة لكن ليس بصفته ملك الأردن، لكن بصفته سليل السلالة الهاشمية، كما سيكون للفلسطينيين الذين يعيشون في الأردن خيار الاختيار بين الجنسية الفلسطينية والأردنية.
ووفقاً لابن عامي، فإن هذه الخطة كانت بالون اختبار لم يكن من الممكن إطلاقها لولا موافقة الملك عبدالله عليها، كما أنه بعد أن ضغط المجالي مرة أخرى لتبنيها بزيارة للضفة الغربية في مارس 2016، ذهب المئات من الشخصيات الفلسطينية البارزة إلى عمان للتعبير للملك عن دعمهم لها.
ورأى بن عامي أنه يجب أن يكون قطاع غزة جزءًا من الدولة الفلسطينية الكونفدرالية، مشيراً إلى أن البديل أن تصبح تحت السيطرة المصرية، إذ كان القطاع، الذي يعد واحداً من أكثر البيئات المحاصرة على وجه الأرض، تحت حكم مصر قبل حرب 1967، ناقلاً عن رئيس المخابرات المصرية الراحل عمر سليمان قوله له في اجتماع في القاهرة عام 2008: "غزة هي حدودنا المشتركة مع إيران، ولذا فإن ضمان الحكم المستدام هناك يمثل مصدر قلق أمني حيوي بالنسبة لنا".
ونهاية المقال، قال بن عامي إن وجود اتفاق أردني فلسطيني إسرائيلي مشترك، قد يكون الأمل الأخير المتبقي للدولة الفلسطينية، موضحاً أنه مع عودة الأردن إلى المعادلة، سيكون لدى إسرائيل محاور موثوق به، يتمتع بمصلحة راسخة في الامتثال لأي قرارات، كما لن يعد بإمكانها استخدام ذريعة الضعف المؤسسي الفلسطيني لإدامة احتلالها للضفة الغربية.