فورين بوليسي: بايدن سيظل في حاجة إلى السعودية

بعد وقت قصير من أداء بايدن اليمين الدستورية العام الماضي، بدا أنه يفي بوعده الانتخابي، بعدم إعطاء -شيكات على بياض- عندما اتخذ عددًا من الخطوات لتغيير العلاقات الأمريكية السعودية.

فورين بوليسي: بايدن سيظل في حاجة إلى السعودية

ترجمات - السياق

رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن سياسة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن ضد السعودية (فشلت)، ولم تحقق الغاية منها، مشددة على أن واشنطن ستظل في حاجة شديدة إلى المملكة، في العديد من سياساتها الخارجية، خصوصًا تجاه إيران واحتياجاتها من النفط.

وذكرت المجلة في تحليل لستيفن كوك -وهو زميل أقدم في زمالة إيني أنريكو ماتي لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية- أنه بعد وقت قصير من أداء بايدن اليمين الدستورية العام الماضي، بدا أنه يفي بوعده الانتخابي، بعدم إعطاء "شيكات على بياض" عندما اتخذ عددًا من الخطوات لتغيير العلاقات الأمريكية السعودية.

وإثر ذلك، جمَّد الرئيس الجديد مبيعات الأسلحة إلى المملكة، في انتظار مراجعة كيفية استخدامها، بينما أوضح البيت الأبيض حينها أنه عندما تكون لبايدن علاقة تجارية بالمملكة العربية السعودية، فإنه سيتعامل فقط مع العاهل السعودي الملك سلمان.

كانت وسائل إعلام أمريكية قالت إن الرئيس جو بايدن سيزور السعودية نهاية يونيو، وسيلتقي الأمير محمد بن سلمان، في تراجع عن تعهد سابق له بعدم التواصل مع ولي العهد الشاب.

تأتي الزيارة بعد تمديد الهدنة في اليمن، وموافقة السعودية على زيادة إنتاج النفط، وأفادت صحف أمريكية بأن الهدف منها "إعادة بناء العلاقات مع المملكة النفطية، في وقت يسعى فيه بايدن إلى خفض أسعار المحروقات في بلاده، وعزل روسيا على الساحة الدولية".

 

القيم الأمريكية

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه رغم أن المملكة العربية السعودية لم تكن "منبوذة"، كما تعهد المرشح بايدن -قبل فوزه بالرئاسة- فإن الإدارة يمكن أن تدعي أن الرئيس كان يغير معايير العلاقة، مشيرة إلى أن النهج الجديد أضفى مصداقية على تعهد بايدن باتباع سياسة خارجية تركز على حقوق الإنسان، وتؤكد القيم الديمقراطية الأمريكية.

ورغم ذلك -تضيف المجلة- فإن نشطاء حقوق الإنسان أصيبوا بخيبة أمل، بعد أن تبين للجميع أن السياسة الأمريكية الجديدة تجاه الرياض (محكوم عليها بالفشل).

وتأكيدًا لهذا الفشل، كشف ستيفن كوك، أنه في اليوم التالي لتوضيح فريق بايدن موقفهم السلبي من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تحدث عبر الهاتف مع مسؤول سعودي وبدا مسترخيًا بشكل مدهش بشأن الأمر، وقال لي: "ستيفن، لا بأس"، وأضاف: "لا أحد هنا مندهش من هذا القرار، لكن سيأتي يوم يحتاج فيه الرئيس بايدن إلى السعودية، ويتعين عليه الاتصال بصاحب السمو الملكي"، في إشارة إلى ولي العهد.

ويتابع الكاتب: رغم أن تقييم المسؤول السعودي للقرار الأمريكي بشأن تغير العلاقات مع الرياض، بدا (ساخرًا ومتعجرفًا)، فإنه كان تقييمًا دقيقًا للوضع الحالي.

وأوضح، أنه أوائل عام 2021، كان من الجيد سياسيًا في الولايات المتحدة انتقاد ولي العهد السعودي، وكان ذلك خروجًا حادًا عن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، التي فعلت كل ما في وسعها لحماية الرياض من المواقف الدولية الناقدة.

وأضاف: "لقد كان فوزًا سياسيًا مجانيًا على ما يبدو، لكن بايدن وفريقه تجاهلا حقيقة حاسمة، أن السعودية كانت ولا تزال لاعبًا إقليميًا وعالميًا حاسمًا".

 

القوة السعودية

وتطرق كوك، للحديث عن القوة السعودية الكبيرة سياسيًا واقتصاديًا، قائلًا: عندما دخل بايدن المكتب البيضاوي، كانت السعودية الدولة العربية الرئيسة الوحيدة التي استمرت في الحفاظ على نفوذها وتأثيرها، إذ كانت مصر قد تحولت في الغالب إلى اهتمامها بشأنها الداخلي منذ انتفاضة عام 2011 ضد الرئيس الأسبق حسني مبارك، بينما الأردن، رغم شراكتها الأمنية المهمة مع الولايات المتحدة، فإن حجمها المتواضع واقتصادها الضعيف حدا من قدرتها على أن تكون قائدًا إقليميًا.

أيضًا -يضيف الكاتب- ظل العراق عاجزًا بسبب الغزو الأمريكي قبل عقدين من الزمن، وكانت سوريا ولا تزال دولة فاشلة، وكانت تونس بعيدة جدًا وغريبة جدًا في المنطقة، بحيث لا يمكن أن يكون لها الكثير من النفوذ، مشددًا على أن ذلك كله ترك الرياض كمحور عربي رئيس لواشنطن في المنطقة.

ورغم هذه الأهمية التي لا تخطئها عين، فإنه -حسب المجلة الأمريكية- ظل هناك جمهور عريض إلى حد ما في واشنطن، يتعمد خفض قيمة السعودية ودورها، مشيرة إلى أن ذلك يعود إلى أن المحللين والمسؤولين افترضوا أن الولايات المتحدة ستعود إلى الاتفاق النووي الإيراني، ما يعد مصدرًا للتوتر الإقليمي ويسهل التراجع الأمريكي.

ومع ذلك، حسب الكاتب- فإن ما يبدو معقولًا في المقالات الصحفية ومقالات الرأي وتقارير مراكز الأبحاث، هو في الواقع أصعب في عالم فوضوي، حيث غالبًا ما تقف السياسة في طريق إيجاد حلول للمشكلات الكبيرة.

وبيّن أن المفاوضات أصبحت مع طهران تدور حول إعادة الحياة للاتفاق، مشيرًا إلى أنه بفضل ما سماها (سياسة الضغط الأقصى المشؤومة) التي انتهجتها إدارة ترامب، يتردد أن الإيرانيين لديهم ما يكفي من المواد الانشطارية لصنع سلاح نووي.

وشدد على أن كل ذلك يعني أنه يتعين على الولايات المتحدة -مرة أخرى- حشد تحالف إقليمي مع السعودية، كعضو مركزي، لاحتواء إيران وردعها.

 

حرب أوكرانيا

بجانب إيران، يرى ستيفن كوك أن الحرب الدائرة في أوكرانيا، أعادت واشنطن إلى الاهتمام بالسعودية، مشيرًا إلى أنه بحلول الوقت الذي أصبح فيه بايدن رئيسًا، كانت فكرة أن السعودية لم تعد مهمة -أو لم تعد مهمة كما كانت- ترسخت في واشنطن لسببين.

السبب الأول -حسب الكاتب- أن الولايات المتحدة أصبحت مستقلة في مجال الطاقة، مشيرًا إلى أنه نظرًا لأن الولايات المتحدة أصبحت أكبر منتج للنفط في العالم، فإنها ستكون معزولة عن السوق العالمية والصدمات الجيوسياسية.

والسبب الثاني -من وجهة نظر الكاتب- أن مصادر الطاقة البديلة كانت ستقلل من الحاجة إلى نفط الشرق الأوسط، وبذلك تقلل من دور السعودية الكبير في السياسة الخارجية الأمريكية.

لكن -عكس ما رأت واشنطن- كشفت حرب روسيا في أوكرانيا عن العيوب في السببين، إذ اتضح أن بعض الصدمات الجيوسياسية -مثل الحاجة إلى إخراج أحد منتجي الطاقة الأوروبيين الرئيسين من السوق لأنه غزا جارته بوحشية- من المستحيل تجنُّبها، بصرف النظر عن كمية النفط التي تنتجها بلادك.

وأشار كوك، إلى أنه رغم أنه من المعقول أن مصادر الطاقة البديلة ستقلل -نهاية المطاف- من الحاجة إلى النفط السعودي، فإن ذلك سيكون في العقود المقبلة، وليس خلال فترة رئاسية أو فترتين رئاسيتين، وبالتأكيد ليس قريبًا بما يكفي لإنقاذ بايدن من أرقام استطلاعات الرأي الضعيفة، حيث يتصارع الأمريكيون مع ارتفاع أسعار الغاز.

 

العلاقة مقابل النفط

ويفسر ستيفن كوك تراجع بايدن عن قراره بمقاطعة السعودية، بأنه يأمل أنه إذا صافح ولي العهد ووافق السعوديون على ضخ المزيد من النفط، لن يدفع الأمريكيون ما بين 5 و 7 دولارات مقابل غالون من الغاز لمدة أطول بكثير من المتوقع.

وأشار إلى أنه من المحتمل أن يكون هناك ما هو أكثر من مقايضة "المصافحة مقابل النفط"، لكن من الواضح أن بايدن قلق بشأن شعبيته المتدنية، والحد من الأضرار التي لحقت بالديمقراطيين، في انتخابات التجديد النصفي.

وأوضح أنه بعيدًا عن المخاوف السياسية الضيقة، فإن أسعار الطاقة المرتفعة تعصف بالبلدان الأقل قدرة على تحمُّل تكاليفها، ما يضيف مكونًا آخر إلى انعدام الأمن الغذائي والتضخم.

ويرى الكاتب أن بايدن يجد نفسه في أسوأ المواقف الممكنة مع المملكة العربية السعودية، لافتًا إلى أنه كان من المحتمل أن تكون هناك طريقة أفضل للتعامل مع المملكة، حتى لا يضطر لمثل هذه العودة، وهو في أشد الحاجة إلى الرياض وجهودها على المستويين السياسي والاقتصادي.

ويرى كوك، أن إزالة بطاريات صواريخ باتريوت من المملكة، في وقت كان الحوثيون يطلقون صواريخهم على مدن سعودية، تمثل سياسة (قصر النظر) التي اتبعتها إدارة بايدن مع السعودية، وهو ما زاد عدم الثقة، مشددًا على أهمية أن تعرض الإدارة الأمريكية على الرياض المزيد من المساعدة في مجال أمن الحدود والدفاع الجوي.

وأمام هذه التحديات العديدة التي تواجه الإدارة الأمريكية، يرى كوك، أن زيارة بايدن إلى الرياض نهاية يونيو الجاري، لو جاءت بسبب نفط المملكة، الذي كان دائمًا أساس العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية، فإن السعوديين سيفهمونها على أنه "تم تنفيذ الأمر بالطريقة التي كان المسؤول السعودي يعرفها دائمًا".