فايننشال تايمز: أزمة العملة التركية من صُنع أردوغان
تعكس مشكلات العملة اتخاذ القرار غير المنتظم لرجل واحد، والتأثير الذي يمارسه على البنك المركزي التركي، الذي من المفترض أن يكون مستقلًا في سياساته وقراراته

ترجمات - السياق
قالت صحيفة فايننشال تايمز، إن أزمة الليرة التركية من صُنع رجب طيب أردوغان، بسبب تدخله السافر في عمل البنك المركزي التركي، وإساءة استخدام القواعد النقدية المتبعة دوليًا.
وتراجعت الليرة التركية ما يزيد على 4% مقابل الدولار في تعاملات ضعيفة ومتقلبة، مقتربة من المستويات المتدنية القياسية التي سجلتها الأسبوع الماضي، عندما أكد أردوغان تمسكه بسياسته بخفض بأسعار الفائدة، رغم انتقادات واسعة النطاق.
وذكرت "فايننشال تايمز" أن أردوغان أقال ثلاثة من محافظي البنك المركزي منذ منتصف عام 2019، ويصر على مواصلة خفض أسعار الفائدة، في محاولة لتحفيز النمو الاقتصادي والاستثمار.
أزمة غير عادية
وقالت الصحيفة، إن تركيا تمر بأزمة غير عادية، مشيرة إلى أنه لم يكن الانهيار في قيمة الليرة -التي انخفضت بنحو الخُمس خلال الأسبوعين الماضيين- بسبب مشكلات في الأسس الاقتصادية كما حدث في الماضي، إذ سجلت الدولة -التي عانت فترة طويلة عجزًا في الحساب الجاري- فائضًا للشهر الثاني على التوالي في سبتمبر بفضل الارتفاع الهائل في الصادرات وانتعاش أعداد السائحين الأجانب.
وأوضحت، أنه بدلاً من ذلك، تعكس مشكلات العملة اتخاذ القرار غير المنتظم لرجل واحد، والتأثير الذي يمارسه على البنك المركزي التركي، الذي من المفترض أن يكون مستقلًا في سياساته وقراراته.
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أنه رغم تدخله السافر في قرارات البنك المركزي، ودوره الواضح في تراجع العملة التركية، فإن أردوغان يلقي باللوم على القوى الخارجية في انخفاض قيمة الليرة.
وذكرت أن الليرة التركية تراجعت إلى مستوى قياسي، بعد أن أقال أردوغان، رئيس البنك المركزي ناجي اجبال، الذي حظي باحترام المستثمرين الأجانب، بسبب رفع أسعار الفائدة لترويض التضخم، مشيرة إلى أن أردوغان عين بدلًا منه أستاذ اقتصاد ليس لديه خبرة في السياسة النقدية، هو ساهاب كافجي أوغلو.
وأضافت: "أدى تعيين كافجي أوغلو الموالي لأردوغان إلى انخفاض الليرة 15 في المئة بعد ذلك بوقت قصير، قبل أن تتعافى إلى حد ما، ثم أصبح الانخفاض حادًا هذا الشهر بعد أن خفض البنك المركزي أسعار الفائدة للمرة الثالثة خلال أشهر".
التراجع أمام الدولار
وأوضحت "فايننشال تايمز" أن عملات الأسواق الناشئة كان أداؤها سيئًا بشكل عام مقابل الدولار هذا العام، مشيرة إلى أن التوقعات بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيبدأ قريبًا تقليل برنامجه لشراء الأصول، المصمم لدعم الاقتصاد والقطاع المالي من خلال جائحة كورونا، أدت إلى ارتفاع قيمة الدولار أمام هذه العملات.
وقالت: "إذا استمر الرئيس التركي في متابعة برنامج خفض أسعار الفائدة، فإن الليرة ستنخفض وسترتفع الأسعار بلا هوادة".
وأضافت: تلعب ميول أردوغان المؤامراتية والاستبدادية دورًا سيئًا أكثر من المعتاد في تراجع الليرة، إذ إنه في حين أنه كان يُصعد منذ فترة طويلة ضد ما يسميه "لوبي أسعار الفائدة" ، إلا أنه كان أيضًا براغماتيًا ماكرًا ، ما سمح للبنك المركزي في النهاية برفع أسعار الفائدة خلال الحلقات السابقة لتقلب العملة، مشيرة إلى أنه هذه المرة، يبدو أنه مصمم على متابعة التزامه الأيديولوجي بأسعار الفائدة المنخفضة ، قائلاً بداية الأسبوع الماضي إن تركيا تخوض "حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال".
نهاية الشر
في المقابل، ووسط أزمات الليرة التي لا تنتهي، ترى "فايننشال تايمز" أن أحزاب المعارضة متفائلة بأن أردوغان في سنواته الأخيرة في السلطة، والانتخابات المقرر إجراؤها عام 2023 ستنهي "دوامة الشر".
وأشارت إلى أن شعبية أردوغان تتلاشى مع تآكل مستويات المعيشة بسبب الأسعار المرتفعة، موضحة أنه عند انتخابه أول مرة، وعد حزبه العدالة والتنمية بعصر من النمو وزيادة الدخل.
وبينت الصحيفة، أن النمو الذي وعد به أردوغان ظل سنوات عدة بفضل برنامج صندوق النقد الدولي الذي ورثته حكومته، إلا أنه سرعان ما تلاشت هذه الطفرة، وهو ما قد يكون سببًا لنهاية حكمه مع الانتخابات المقبلة.
وشددت "فايننشال تايمز" على أنه قد تكون لما سمته (ملحمة أردوغان) نهاية حزينة، إذ يعمل التضخم بالفعل بمعدل سنوي يبلغ 20 في المئة، ما يعني أن أسعار الفائدة تقترب من سالب 5 في المئة.
وأشارت إلى أنه إذا استمر الرئيس التركي في اتباع برنامج لخفض أسعار الفائدة، سوف تنخفض الليرة أكثر وسترتفع الأسعار بلا هوادة، موضحة أنه في ظل هذه الظروف، فإن السبيل الوحيد أمام الأتراك للدفاع عن مدخراتهم، هو اللجوء إلى عملة خارجة عن سيطرة أردوغان.
وقالت "فاينانشيال تايمز" في ختام تقريرها: "ما لم يغير مساره فجأة، فإن السؤال الوحيد الذي يواجه تركيا، وهي دولة تتمتع بإمكانات كبيرة، هو إلى متى يبقى الرئيس في السلطة، وما مدى الضرر الذي يمكن أن يحدثه قبل رحيله؟".
اجتماع المركزي
ومن المقرر أن يجتمع البنك بشأن أسعار الفائدة في 16 ديسمبر.
وفي المقابل، تراجعت الثقة الاقتصادية في تركيا بشكل طفيف على أساس شهري في نوفمبر، لكنها ظلت أعلى مما كانت عليه قبل عام، حتى بعد انخفاض حاد في قيمة الليرة، وفقًا لبيانات رسمية.
وقال معهد الإحصاء التركي، إن مؤشر الثقة انخفض إلى 99.3 هذا الشهر من 101.4 في أكتوبر.
ويتكون المؤشر، الذي بلغ 95.9 في نوفمبر الماضي، من خمسة استطلاعات رأي تقيس معنويات المستهلكين وقطاعات التجزئة والخدمات والتصنيع والبناء التي نُشرت الأسبوع الماضي.
وأبلغت الشركات عن صعوبة الاتفاق على عقود الطلبات بالليرة التركية وسط تقلبات في العملة، بينما حذرت جمعية الصناعة والأعمال التركية (TÜSİAD) من أن الحكومة يجب أن تضمن استقلالية المؤسسات مثل البنك المركزي، لضمان النمو الاقتصادي المستدام.