لمنع انزلاق البلاد في الفوضى.. الليبيون يتطلعون إلى ماضيهم لبناء ديمقراطية
بينما تشجع إدارة الرئيس جو بايدن الحكم الديمقراطي في المنطقة، يعتقد بعض الليبيين أن مستقبلهم متجذر في الماضي

ترجمات - السياق
بعد عقد من العنف والصراع، باتت ليبيا على شفا الانهيار مرة أخرى، إذ تأجلت الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر 2021، لعدم القدرة على التوصل إلى توافق بسبب الأفكار التي فرضها الغرب، ولو كانت الدول الغربية تهتم بالاستماع إلى تحليل الفاعلين المحليين، لفهمت سبب عدم وجود فرصة للجهود الدولية، بحسب الأمين الشتيوي نائب رئيس المنظمة الليبية للدعوة إلى الشرعية الدستورية.
وقال الشتوي، إن الجملة الأكثر دقة من "قمة الديمقراطية" الأخيرة هي الجملة الأبسط التي قالها الرئيس الأمريكي جو بايدن: "الديمقراطية صعبة"، مضيفاً أنه بالنظر لحياته الخاصة ومساره الوظيفي، فإن بايدن في وضع جيد لإدراك كيف كافحت الولايات المتحدة للحفاظ على ديمقراطيتها، فضلاً عن دعمها في الأماكن الأخرى.
الترويج للديمقراطية
وقال الشتيوي، في مقال بمجلة ناشونال إنترست الأمريكية، إن بايدن وُلد في الوقت الذي دخلت فيه الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية للدفاع عن الديمقراطية، رغم حرمانها للكثيرين من حقوقهم في الداخل، كما طغت محاولة الانقلاب على تنصيبه في يناير 2021، مشيراً إلى أن بايدن بدأ حياته السياسية بمعارضة الحرب في فيتنام، إلا أنه صوَّت لصالح الجهود الأمريكية لإحلال الديمقراطية في أفغانستان، قبل الإشراف على انهيارها العام الماضي.
وتابع: "يبدو أن هذه التجارب أقنعت بايدن بشيئين: مركزية الديمقراطية في قلب السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وكذلك مدى صعوبة مثل هذه الجهود، ففي يوليو الماضي، أخبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، سفراء الولايات المتحدة بأن الترويج للديمقراطية (يخدم المصالح القومية الأمريكية بشكل مباشر"، لكنه أخبرهم أيضاً بأن الولايات المتحدة "لن تطلب من الدول الأخرى أكثر مما نطلبه من أنفسنا".
ورأى الشتيوي أن هذه السياسة الخارجية تبدو جديدة وأكثر ذكاءً وأكثر تأملاً للذات، مشيراً إلى أنها ستكون لديها القدرة على عكس التراجع الحالي في عدد الدول الديمقراطية، لكن لن ينجح بايدن وبلينكن إلا إذا استمرا في المزج بين البراجماتية والمبادئ، في نهجهم للترويج للديمقراطية.
دول استبدادية
ولفت الأمين الشتيوي، إلى أن الديمقراطية عانت نكسات في العقود الأخيرة، ويرجع ذلك -في كثير من الأحيان- إلى الرأي القائل إن الديمقراطية يمكن تحقيقها بقوة الإرادة، وقد لخَّص الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش هذه الفكرة بشكل أفضل فقال: "عندما نجد الديمقراطيات الشابة، نحتاج إلى مساعدتها، وعندما نجد العدو، فإننا نحتاج إلى قتاله"، إذ كانت الفكرة هي أن كل ما تحتاجه الدولة هو إطاحة الديكتاتور وكتابة دستور على غرار النظام الغربي وحينها ستتولد الديمقراطية، لكن على العكس من ذلك، فقد ترك هذا المنظور الولايات المتحدة تنظر إلى البلدان ذات الهياكل الديمقراطية السطحية على أنها ديمقراطيات حقيقية، وجميع الدول الأخرى كدول استبدادية بطبيعتها.
ووفقاً للشتيوي، فإن هذا كان "سوء فهم" للعملية الديمقراطية، موضحاً أن الديمقراطية عملية بطيئة وتنبع من التاريخ والسياق المحلي، كما أنها نادراً ما تُجلب من الخارج، إذ يُظهر لنا التاريخ أن عدداً قليلاً جداً من الديمقراطيات ظهر بعد الضغط الخارجي.
التعلُّم من الأخطاء
ورأى الكاتب أن محاولات اختصار هذه العملية ستكون محفوفة بالمخاطر، لأنه في حال كانت المؤسسات الديمقراطية لا تملك شرعية تاريخية، فإنها غالباً ما تكون مفتقرة إلى الجذور، وسيُنظر إليها على أنها مفروضة بشكل مصطنع، وعندما تفشل العملية، يتم تشويه النشطاء والقادة وأيديولوجية الديمقراطية نفسها.
ورأى الكاتب أن إدارة بايدن أظهرت علامات مشجعة على التعلُّم من أخطاء الماضي، وهو ما اتضح من قائمة المدعوين إلى قمة الديمقراطية، كما اعترفت القمة بأن المناقشات المحلية ضرورية في مساعدة البلدان على التحول نحو الديمقراطية، لكن يجب على الولايات المتحدة أن تعترف وتدعم الشركاء المحليين الراغبين، الذين لديهم القدرة على الظهور كمؤسسات ديمقراطية.
وتابع: "هناك فرصة اليوم لتجنُّب الأخطاء التي ارتُكبت في أفغانستان، في ليبيا، فبعد عقد من العنف والصراع، باتت ليبيا على شفا الانهيار مرة أخرى، إذ تأجلت الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر 2021 لعدم القدرة على التوصل إلى توافق، بسبب الأفكار التي فرضها الغرب، ولو كانت القوى الغربية تهتم بالاستماع إلى تحليل الفاعلين المحليين، لفهمت سبب عدم وجود فرصة للجهود الدولية".
عودة الشرعية
وأعرب الشتيوي، عن أسفه لأن المبادرات الشعبية المحلية لا تجد آذاناً مصغية، فبينما ركز العالم على إلغاء انتخابات 24 ديسمبر، كانت مجموعة أخرى من الفاعلين المحليين، بقيادة المنظمة الليبية لعودة الشرعية الدستورية، تتطلع بدلاً من ذلك إلى مستقبل البلاد، إذ اجتمع هؤلاء الليبيون في جميع أنحاء البلاد، ليقرروا أن ليبيا لديها بالفعل حل، يتمثل في الملكية الدستورية على أساس دستور استقلالها لعام 1951، تحت قيادة ولي العهد محمد الحسن الرضا السنوسي.
وأشار الكاتب إلى التجمعات التي جرت في طرابلس وزليتن ودرنة وطبرق، قائلًا إن الحركة التي دعت إلى إعادة دستور عام 1951 اجتمعت للاستماع إلى خطاب الاستقلال السنوي لولي العهد، كما عبرت عن دعم مماثل بسلسلة من اللافتات الإعلانية في جميع أنحاء البلاد، سعت باللغتين العربية والإنجليزية إلى تذكير الليبيين والجهات الفاعلة الدولية، بأنه لا حاجة للنظر إلى ما بعد عام 1951 لإيجاد حل للشأن الليبي.
ورأى الكاتب أن وسائل الإعلام الدولية تجاهلت الآراء المحلية، إذ كانت هادئة نسبياً في تغطيتها لهذه التجمعات، محذراً من أن استمرار التركيز على المؤسسات المفروضة من الخارج سيؤدي إلى خلافات عنيفة خلال الأشهر المقبلة، قائلاً إن تقديم طرفي الحرب الأهلية مرشحيهما ورؤيتهما لمشاركة الآخرين في إعادة إعمار ليبيا، كجزء من لعبة محصلتها صفر، يشير إلى أن تجدد الصراع في المستقبل القريب يبدو محتملاً للغاية.
وطالب الشتيوي بضرورة الكف عن تجاهل المقترحات المدعومة من داخل ليبيا، للعودة إلى النظام الملكي الدستوري الذي قال إنه يمكن من خلاله إجراء الانتخابات، كما طالب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي باغتنام هذه الفرصة، قائلًا: "من خلال دعم عائلة السنوسي، التي وحدت الأمة الليبية في الماضي، ستكون هناك مؤسسة ذات روح ديمقراطية، وستكون بلا شك أساس توحيد البلاد".
ونهاية المقال، أضاف الشتيوي: "رغم رفض النماذج المحلية باعتبارها قديمة ومن غير المرجح أن تؤدي إلى الديمقراطية، فقد أظهر التاريخ الحديث أن هذه النماذج تتمتع بالفعل بقوة بقاء أكبر من النماذج الغربية المنقولة"، مشيراً إلى أن إدارة بايدن تقف في مفترق طرق، ولديها فرصة للتعلُّم من الإخفاقات السابقة في تعزيز الديمقراطية الأمريكية، والعمل مع الجهات الفاعلة المحلية على مستوى العالم، لتقوية الديمقراطية ضد أي هجوم استبدادي.