تراجع الغنوشي... مناورة إخوانية أم انحناء أمام العاصفة؟
حالة من الارتباك، يعيشها راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإخوانية، منذ صدور القرارات الاستثنائية للرئيس التونسي في 25 يوليو، الأمر الذي ينعكس بوضوح على تصريحاته، التي تارة يهدِّد خلالها بالعنف ويعتبرها انقلابًا، وتارة أخرى يصفها بالقرارات الإصلاحية الواجب دعمها.

السياق
في تطور لافت، أعلن راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإخوانية التونسية، دعمه للرئيس التونسي قيس سعيد، قائلًا: "سندعم الرئيس قيس سعيد، ونعمل على إنجاحه، بما يقتضي ذلك من استعداد للتضحيات، من أجل الحفاظ على استقرار البلاد واستمرار الديمقراطية".
تصريحات الغنوشي، التى أعلن خلالها مراجعة جذرية لما تنتهجه حركة النهضة من سياسات، اعتبرها مراقبون تراجعًا عن موقف، وصف خلاله قرارات الرئيس التونسي في 25 يوليو الماضي بـ"الانقلاب" علي الدستور والثورة، بعدما جمَّد اختصاصات البرلمان كافة لمدة شهر، مع تجريد جميع أعضائه من الحصانة، وإقالة حكومة هشام المشيشي، إلي جانب توليه رئاسة السلطة التنفيذية والنيابة العامة، استنادا إلي الفصل 80 من الدستور التونسي.
موضع شك
يرى باسل ترجمان، المحلل السياسي التونسي، في حديثه إلى "السياق"، أن تصريحات الغنوشي، تأتي بعد أن تحدَّث -قبلها بيوم واحد- عن أن حركة النهضة تمنع وقوع حمام دم في تونس.
واعتبر ترجمان، أن تصريحات الغنوشي متناقضة، وتضعه موضع الشك، خاصة أن الثقة السياسية في حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي، لدى الشارع التونسي، تكاد تكون منعدمة.
حالة من الارتباك، يعيشها راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإخوانية، منذ صدور القرارات الاستثنائية للرئيس التونسي في 25 يوليو، الأمر الذي ينعكس بوضوح على تصريحاته، التي تارة يهدِّد خلالها بالعنف ويعتبرها "انقلابًا"، وتارة أخرى يصفها بالقرارات الإصلاحية الواجب دعمها.
كان الغنوشي قد هدَّد بعودة العنف، وإغراق أوروبا عامة وإيطاليا علي وجه الخصوص باللاجئين، وقال -في تصريحات مع صحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية- "كلنا في مركب واحد، نحن التونسيين والأوروبيين وتحديدًا أنتم الإيطاليون.. فإذا لم تعد الديمقراطية إلى تونس، في أقرب وقت، فسريعًا سننزلق إلى الهاوية".
وتابع، بحسب ما نشرته الصحيفة الإيطالية: "يمكن أن يتصاعد التهديد الإرهابي، وعندها تسود حالة من عدم الاستقرار، تجبر الناس على الرحيل... هناك أكثر من 500 ألف مهاجر محتمل، سيتوجهون إلى السواحل الإيطالية في وقت سريع".
ثم عاد مطلع أغسطس، وتراجع عن وصفها بـ"الإنقلاب"، في تصريحات إعلامية، أعقبت اجتماع لقيادات "النهضة" ووصفها بـ"الفرصة المتاحة أمام الإصلاح"، وهو ما حذفته الصفحة الرسمية لحركة النهضة الإخوانية، بعد نشره على "فيسبوك".
تعاظم الفشل
يقول المحلل التونسي باسل ترجمان لـ"السياق"، إن القضية ليست تراجعًا ولا تغيير مواقف، لكن راشد الغنوشي -حسب قوله- أحس بتعاظم الفشل، خاصة أن القوى السياسية والفاعِلة في الشارع التونسي، وكثيرين من أنصار حركة النهضة، انفضوا عنها وفقدت تأثيرها الفاعِل سياسيًا.
وتابع: "على المستوى الخارجي، لم يتلقى الغنوشي اتصالًا من أي شخصية عربية أو إفريقية أو أوروبية، للتعبير عن التضامن معه أو لمعرفة موقفه، لذلك أصبح يعيش حالة غير مسبوقة، من العزلة السياسية، داخل تونس وخارجها".
ويرى ترجمان، أن تلك العزلة السياسية، التي يعيشها زعيم حركة النهضة الإخوانية، أجبرته على أن يتراجع عن وصفه قرارات 25 يوليو بـ"الانقلاب" ويعلن قبوله بالحوار تحت إشراف الرئيس التونسي قيس سعيد، بل ويرى أن حكومة هشام المشيشي، أقيلت وانتهت، بعدما كان يَعُـدُّ إقالتها خطًا أحمر لابد من التراجع عنه.
ويختم المحلل التونسي قائلًا: "باعتقادي أن كل ما يقوله الغنوشي متأخر جدًا، وخارج إطار ما تعيشه تونس، على المستويين الزمني والفِكري حاليًا على أرض الواقع".
وكان زعيم حركة النهضة الإخوانية، راشد الغنوشي، قد صرح بأنه "لا حلَّ لتونس إلا بالحوار والتعاون، حتى نحافظ على جذوة الحرية والثورة"، بينما تردَّدت أنباء بعقد حوار بين الغنوشي وسعيد، على خلفية خطاب الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، قبل أيام، الذي لوَّح خلاله بقرب حل الأزمة السياسية في تونس.
"الحوار مع الغنوشي، يرفضه الشعب رفضًا قاطعًا"... تقول ريم بن عامر الناشطة السياسية لـ"السياق": إن ما يطلق عليه الحوار الوطني، بين زعيم حركة النهضة والرئيس التونسي، سبق أن طُرح عقب إصدار قرارات 25 يوليو، إلا أنه رُفض رفضًا قاطعًا من الشعب التونسي، الذي اعتبره محاولة إنقاذ للنهضة.
وتؤكد الناشطة التونسية، أن المطلب الجماهيري الآن، هو محاسبة الفاسدين وعدد كبير من حركة النهضة وليس التحاور معهم، فالهدف هو بناء ما دمَّرته "النهضة" وهو أمر ليس بهين، حسب قولها.
وتستبعد ريم، أن يقبل الرئيس التونسي بالحوار مع زعيم حركة النهضة، إلا أنها تتابع لـ"السياق": إذا قبل الرئيس سعيد بالحوار مع الغنوشي، فهي خطوة للوراء، والحوار الوطني لابد أن يكون مع المنظمات الوطنية والأحزاب الديمقراطية، التي لم تسهم في الأزمة وفي الفشل، لافتة إلى ما أعلنته الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وبقية المنظمات والجمعيات، من تشكيل لجنة لمتابعة التطورات، في هذه المرحلة الاستثنائية.