ريش.. فيلم كله مفاجآت.. من فخر مصر إلى مسيء إليها

خرج الفنانون من قاعة العرض وخرج معهم الجدل والنقاش إلى العلن بين مؤيد ورافض وساخر، إذ رد المخرج المصري محمد دياب على تصرف شريف منير وقال عبر حسابه بموقع فيسبوك: "كلام الأستاذ شريف أن الجوائز التي أخذها فيلم  مؤامرة من الغرب على مصر كلام خطير جداً خاصة أنه من فنان كبير.

ريش.. فيلم كله مفاجآت.. من فخر مصر إلى مسيء إليها
فيلم ريش

السياق

تدور الأيام والأحداث ثابتة، لا جديد تحت سقف هذا البيت المتهالك، وفجأة يتحول الزوج إلى دجاجة، هنا يتبدل حال الأسرة المصرية المعدمة، والزوجة، التي لم تخرج من منزلها إلا نادرًا، ولم تتحمَّل مسؤولية التواصل مع المجتمع الخارجي إلا في ما قل، ينقلب حالها رأسًا على عقب.

"ريش" الفيلم المصري الذي يسرد قصة عائلة فقيرة مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال، وفي يوم يقرر الأب الاحتفال بعيد ميلاد أحد أبنائه، فيُحضر ساحرًا لتقديم فقرات مسلية للضيوف، لكن عندما يستعين الساحر بالأب في تأدية فقرة، يدخله صندوقًا خشبيًا كبيرًا، ويحوله إلى دجاجة ويختفي الأب، من هنا يتبدل حال الفيلم ومعه تتبدل حياة العائلة.

تكريم من أهم المهرجانات الدولية

لم تكن هذه المفاجأة الوحيدة في فيلم ريش، الذي أخرجه عمر الزهيري، بمشاركة ممثلين لم يسق لمعظمهم الوقوف أمام الكاميرا، فالمفاجأة الثانية، حصوله على الجائزة الكبرى لأسبوع النُقاد في مهرجان كان، وهي أول جائزة يحصل عليها فيلم مصري طويل في تاريخ المهرجان، وأيضاً على جائزة أفضل فيلم، ضمن جوائز روبرتو روزيليني، في مهرجان بينجياو السينمائي الدولي.


الإساءة إلى سمعة مصر
المفاجأة الثانية، وهي التي أحدثت حالة من الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، وداخل الأوساط الفنية والحركة النقدية السينمائية في مصر، انسحاب عدد من الممثلين المشهورين، من العرض المخصص للفيلم في "مهرجان الجونة" السينمائي، في مدينة الغردقة المصرية، على ساحل البحر الأحمر.

انسحاب الممثلين ومنهم شريف منير، أحمد رزق، أشرف عبدالباقي جاء بسبب اتهامهم للفيلم وصُناعه، بتعمُّد الإساءة إلى "سُمعة مصر".

وتعليقاً على انسحابه، قال الفنان، شريف منير، إن صورة الفيلم لم تعجبه، حيث يعيش أبطال الفيلم واقعاً قاسياً يمثّل عذاباً غير طبيعي، بشكل مؤذٍ يزيد على الحد المقبول، منافياً بذلك لما تطرحه الدولة من "حياة كريمة" و"تكافل وكرامة" وغيرهما من المبادرات التي تحارب الفقر والعشوائيات، وتكفل حياة كريمة للمواطنين في مصر، في ظل "جمهورية جديدة"، وهو ما لا يجعل هناك سبباً مفهوماً لعرض مثل "هذا الواقع".

وأكد منير أن الفيلم لم يعجبه فنيّاً، ولم يجد ما يكفي من الإبداع أو رسالة معينة يحملها الفيلم.

 

تكريم وزارة الثقافة

الجدير بالذكر أن العمل السينمائي، الذي اتهمه البعض بالإساءة إلى مصر، كرَّمته الحكومة المصرية، ممثَّلة في وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم، خلال احتفالية نظّمها المركز القومي للسينما، وقالت الوزيرة في هذا الصدد:" إنجاز تاريخي باعتباره أول فيلم مصري يفوز بهذه الجائزة، في المشاركة الأولى بهذه المسابقة".

وأشادت بالمستوى الفني المميز للفيلم، وأكدت أن الجائزة خطوة جديدة، على طريق استعادة الريادة المصرية في مجال السينما.

 

رفض تصريحات شريف منير

خرج الفنانون من قاعة العرض، وخرج معهم الجدل والنقاش إلى العلن بين مؤيد ورافض وساخر، وصاحب تصريحات منير العديد من الآراء التي اتفقت معها.

في المقابل رد المخرج المصري محمد دياب، على تصرف شريف منير عبر "فيسبوك" قائلًا: "كلام الأستاذ شريف منير أن الجوائز التي أخذها فيلم ريش مؤامرة من الغرب على مصر، كلام خطير جداً، خاصة أنه من فنان كبير".

وأضاف: "سأتكلم من خبرتي كعضو لجنة تحكيم في مهرجان كان، وعضو في أكاديمية الأوسكار، قولاً واحداً، لا يوجد إنسان، بالتلميح ولا بالتصريح، يستطيع التأثير في اختيارات لجان التحكيم، فأعضاؤها يتكونون من فنانين مميزين من أنحاء العالم، إدارة أي مهرجان، دورها ينتهي باختيار الأفلام المشاركة، ويُسأل في ذلك الفنانون الذين كانوا أعضاء لجان التحكيم، في المهرجانات الثلاثة الكبيرة، مثل هند صبري ونيللي كريم ومحمد حفظي".

 

صوت المهمَّشين

وتابع دياب، في معرض انتقاده لتصرف الفنانين المنسحبين: "إذًا لماذا الأفلام التي تذهب إلى المهرجانات، تكون عن الفقراء أو عن المشكلات؟ الأفلام المستقلة في العالم كله، خارج منظومة الإنتاج التجارية، يعني الأفلام التي لا تجد إنتاجًا، وتكون دائمًا عن المهمَّشين أو الناس الذين لا صوت لهم، وبما أنها أفلام غير متوقع منها أن تجلب عوائد مادية، فيبقى عند صُنّاع العمل الجرأة لاختيارات فنية جريئة، وهذا يجعلها مغرية للمهرجانات التي تبحث عن سينما جديدة ومختلفة".

 

فيلم مختلف

ورأى دياب أن "المميز في فيلم ريش ليس الفقر على الإطلاق، بل أسلوب مخرجه الجريء، وطريقة سرده المختلفة، وسواء أعجبك الفيلم أم لا، لابد أن نشيد بأن هذا الفيلم بصوت وطعم مختلفين فنياً، ولا يوجد مثله  في السينما المصرية، الفقر والمشكلات لا يمكن أن يدخلوك مهرجانًا كبيرًا لو لم تكن لديك جودة صُنع أو تجربة سينمائية رائدة".

 

الإساءة لمصر... مصيبة

ويضيف دياب: لو الفنانون أنفسهم هم الذين يرددون تلك الاتهامات، التي من نوعية تشويه مصر، فهذه مصيبة، لأن الكلام هنا فيه مزايدة على الرقابة، وعلى منتجي الفيلم، وعلى المهرجانات التي  تختار الأفلام، وسأجعل بذلك أي فيلم عن المهمَّشين متهمًا بالتزلف، ويصعب أنه ينتج أو يُجاز، وللأسف هذا الكلام دائمًا ما يجعل الرأي الشعبي، يضع أفلام المهرجانات في وضع المتهم".

 

تحرك برلماني

وصل الأمر إلى التحرك البرلماني، إذ قال النائب أحمد مهنى، عضو مجلس النواب، إنه سيتقدَّم بطلب إحاطة للمستشار حنفي الجبالي، رئيس البرلمان، وموجهه للدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، ووزيرة الثقافة، بشأن عرض فيلم ريش المسيء لمصر، حيث إنه لا يقدِّم الصورة الحقيقية لمصر، ويساعد في تشويه صورتها الداخلية عالميًا.

وطالب البرلماني، بضرورة محاسبة مَنْ تسبَّب في إخراج هذا الفيلم، الذي يُسيء للدولة المصرية، من خلال عرض مشاهد تتنافى مع الواقع، حسب وصفه.

 

مَنْ يحكم على الفيلم؟

على الجانب الآخر، كانت لنُقاد وفنيين آراء أخرى في الفيلم وتقييمه، إذ قال الناقد الفني طارق الشناوي، إنه شاهد فيلم ريش، أثناء عرضه في مهرجان كان السينمائي بفرنسا، وأكد أنه أعجب بالفيلم ومستواه الفني.

وأضاف في تصريحات تلفزيونية، أن الفيلم حصل على أول جائزتين من نوعهما في تاريخ السينما المصرية من مهرجان كان، إضافة إلى جائزة أخرى من الصين.

وأشار إلى أن نقد أي عمل فني وارد، ومن الطبيعي أن أي فيلم قد لا يعجب مشاهد أو ناقد أو فنان، أما الحكم على العمل الفني، من نُقاد وفنانين، من دون استكمال مشاهدته، فخيانة للمهنة.

 

خطف الكاميرات

ورأى الشناوي، أن فيلم ريش جيد فنيًا، لكنه غير جماهيري، ويختلف عمّا اعتاده المشاهد المصري، وأنه لا يوجد عمل فني يجرؤ على الإساءة لمصر، بتاريخها وقيمتها، لأن تناول شخصيات فقيرة، يحدث في كل سينمات العالم.

وذهب الشناوي إلى حديثه، عن سباق بين بعض الفنانات، لخطف الكاميرات على السجادة الحمراء، وتصدُّر اهتمام مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن ذلك يحدث في جميع المهرجانات العالمية.

 

لا قوة ناعمة ولا خشنة...!

علقت الناقدة الفنية ماجدة خير الله، بمنشور على "فيسبوك" حمل نبرة سخرية، من قرار الفنانين الانسحاب من العرض، واتهام الفيلم بالإساءة إلى مصر، قائلة: إحنا إزاي سايبين أفلام زي "بداية ونهاية"، و"ثرثرة فوق النيل"، فهي تسيء لسمعة مصر، وبها أناس فقراء وحالتهم تقطع القلب، ويبيعون أنفسهم حتى يأكلوا، ويفعلون كل الموبقات، إضافة إلى أن هذه الأفلام  لم تصوَّر بـ"ستيدي كام"، ولا حتى "كرين".

وأضافت ماجدة خير الله: "ستقول لي من تأليف نحيب محفوظ، ونوبل ومش نوبل، ما باكلش أنا من الكلام ده... قفل يا عم على السينما والفن والكلام الفارغ ده، بلا قوة ناعمة بلا خشنة"...!

 

كلام غير حقيقي

قالت الكاتبة والناقدة السينمائية آية طنطاوي، في "فيس بوك": "فيلم ريش جميل ويستحق المشاهدة، فعلًا من العناصر اللي لفتت نظري أماكن التصوير، لأن كل الأماكن تكمّل الحكاية وعالم الفيلم، أماكن باهتة ورمادية ومتربة ومصمتة بلا روح، لهذا صممت على أن أسأل المخرج عمر الزهيري: إزاي اختار أماكن التصوير وصوَّر فين؟ وفاجأني بأن كلها ديكورات، وهي فعلًا مفاجأة لأنها كانت حقيقة، ولم أشك للحظة أن هذا ديكور، كده الواحد يقدر يقول إنه سعيد إن ده فيلم مصري قادر يطلع بشكل جيد، من مخرج عنده أسلوب واضح جدا من تاني فيلم ليه، وأول فيلم طويل".

وأضافت: هناك فنانون اعترضوا وغضبوا وغادروا  الفيلم أثناء عرضه الأول، لأنه يشوِّه سُمعة مصر، وهذا كلام غير حقيقي، ويعبِّـر عن أنهم لا يعلمون معنى السينما والفن، وعلى الأغلب لا يرون إلا أعمالهم، "بس ده لو بيشوفوها أصلاً"...!

 

لم أقصد الإساءة

في معرض رده ودفاعه عن الفيلم، قال مخرج العمل عمر الزهيري في مؤتمر صحفي: "أحترم كل الآراء، وأنا لم أقصد الإساءة لمصر، وعبَّـرت عن الأمر بمنتهى الصدق، وكل مخرج يقدِّم العمل برؤيته، ومن الطبيعي أن يحدث صدام، ومن الصعب توقُّع ما يحدث أو ردود الفِعل، لكن الفيلم يقدِّم شيئًا جديدًا، وطبيعي حصول ردود فِعل مختلفة، وهذا دليل على الاهتمام بالفيلم.   

يُشار إلى أن رحلة صناعة فيلم ريش، استغرقت نحو 5 سنوات، وساهمت في إنتاجه أكثر من جهة، على رأسها جولييت لوبوتر وبيير مناهيم، من خلال شركة ستل موفنغ بفرنسا، وفي مصر، شركة فيلم كلينك والمنتج محمد حفظي.