الأفغانيات... كيف يناضلن ضد طالبان؟
رغم أن مقاتلي طالبان يواجهون هذه الدعوات بمنتهى القسوة، إلا أنهن لم يتراجعن خطوة للوراء، وكنّ يعدنّ تجميع صفوفهن.

ترجمات – السياق
كشفت رسائل نصية، حصلت عليها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، عن دور كبير للأفغانيات، في النضال ضد حركة طالبان، التي تتولى السلطة منذ نحو عام، بعد الانسحاب الفوضوي الذي خلفته الولايات المتحدة، التي أدارت البلاد نحو عقدين من الزمان.
وروت الصحيفة الأمريكية، بعض هذه الرسائل، مشيرة إلى أن مجموعة من النساء قررن عمل مجموعة في برنامج خدمة الرسائل (واتس آب) بعنوان (نساء قويات)، يتابعن من خلاله عمليات التخطيط للاحتجاجات ضد الحركة.
ورغم أن أغلبية النساء لا يعرفن بعضهن، وربما لم يلتقين من قبل، فإنهن يرسلن رسائل على الفور لتأكيد المشاركة في احتجاج مقبل، أو لتأييد تظاهرة ضد طالبان.
وتتضمن كلمات التأييد هذه: "شكرا أخواتي".. "يرحمك الله".. "يمكننا القيام بذلك ولن نتوقف"، وتصاحب معظمها (إيموغي تصفيق الأيدي والقلوب والعلم الوطني الأفغاني).
الأمل
ووصفت "واشنطن بوست" هذه الرسائل بأنها كانت تحمل الكثير من الأمل، رغم أن مقاتلي طالبان يواجهون هذه الدعوات بمنتهى القسوة، إلا أنهن لم يتراجعن خطوة للوراء، وكنّ يعدنّ تجميع صفوفهن.
ونقلت الصحيفة عن إحدى مُنشئات المجموعة وتدعى رمزية عبد الرحمن، قولها: "بعد أن تفض طالبان تظاهراتنا بالقوة، كنا نخبر بعضنا عبر (واتس آب): انظروا إلى مدى شجاعتنا".
ولكن -حسب الصحيفة الأمريكية- مع ازدياد قمع طالبان الوحشي ضد احتجاجات النساء، قل نزول الأفغانيات إلى الشوارع شيئًا فشيئًا، حتى تلاشت المجموعة، بين الاختباء والفرار من البلاد.
شاركت النساء اللاتي قدن الاحتجاجات، محادثاتهن على واتس آب، العام الماضي مع صحيفة واشنطن بوست، حيث قدمن وصفًا مباشرًا لحياتهن ونشاطهن وآمالهن ومخاوفهن، إلا أنهن رفضن كشف هويتهن، مكتفين بأسماء رمزية.
وتقول إحداهن: "اعتقدنا أنه إذا كان بإمكان المجتمع الدولي سماع أصواتنا، سيضطرون إلى التحرك لمساعدتنا، لكن يبدو أننا كنا ساذجين، لأن المجتمع الدولي خدعنا، ولم يساندنا أحد".
وحسب الصحيفة، كانت الأغلبية العظمى من الأفغانيات اللائي قمن بالمظاهرات شابات وجديدات في النشاط، إذ لم تشارك أغلبيتهن في أي مظاهرة، ناهيك عن تنظيمها، إلا أنهن كنّ يخشين أن يعني حكم طالبان إنهاء الحريات التي تمتعوا بها على مدى العقدين الماضيين.
وبالفعل، تحت حكم طالبان، فقدت أغلبية النساء في كابل وظائفهن، في الأيام التي أعقبت سيطرة الحركة، حيث تم إغلاق المنظمات الممولة دوليًا التي توظف النساء، بينما أدى الفصل بين الجنسين إلى استبعاد الآخرين من المكاتب الحكومية.
أمام ذلك، خططت مجموعات من الصديقات والزميلات لتنظيم احتجاجات فردية باستخدام "واتس آب" و"فيس بوك" من دون معرفة من يمكنهن الوثوق به، إلا أن الهدف المشترك جعلهن لا يخشين توابع ذلك.
وبالفعل -حسب الصحيفة الأمريكية- "هؤلاء النساء تكيفن مع عوامل الضغط، واستمررن في تنظيم التظاهرة تلو الأخرى، حتى تم الاتفاق على الالتقاء حول معلم واحد وسط كابل لرفع مطالبهن، والتنديد بسياسة طالبان في الحكم القائمة على تهميش النساء".
قمع طالبان
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أنه مع كل احتجاج، كان رد فعل طالبان يزداد قسوة، حيث تم إغلاق الطرق الرئيسة المؤدية إلى وسط المدينة وخارجه بالعديد من نقاط التفتيش، وتم نشر المزيد من المقاتلين لحراسة أماكن التجمعات الشعبية، فضلًا عن استخدام مكثف من الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين في الشوارع أو اعتقالهم.
ومع ازدياد القمع، كان المتظاهرون يشاركون بعضهم نصائح بكيفية إخفاء هوياتهم، والهروب بمجرد وصول مقاتلي طالبان.
ورأت الصحيفة، أن التهديد باعتقال النساء، والوصمة الاجتماعية المرتبطة به، كانا سببًا رئيسًا في خوف الأفغانيات من المشاركة في الاحتجاجات، خصوصًا في المناطق الأكثر محافظة مثل هرات ومزار الشريف.
وحيال ذلك، تقول رمزية: "انتشرت الشائعات في شتى أفغانستان، بأن المعتقلات يتعرضن للاغتصاب والاعتداء الجنسي من قِبل مقاتلي طالبان، ما زاد الرعب في قلوب اللاتي ابتعدن عن المشاركة في الاحتجاجات، حتى تلاشت المجموعة مع الوقت".
وأشارت الصحيفة، إلى أنه رغم استمرار بعض الاحتجاجات في كابل، فإن أعدادها بدأت الانخفاض، لافتة إلى أنه بحلول ديسمبر الماضي، زادت أعداد الرسائل التي تتوسل النساء لحضور المظاهرات، ومنها (لا تخلفوا بوعدكم ولا تقدموا أعذارًا واهية)، لكن من دون جدوى.
إلى جانب الخوف من التعرض للاغتصاب، أرجعت الصحيفة انخفاض أعداد المشاركات في التظاهرات، إلى شعور المتظاهرات بتجاهل المجتمع الدولي لهن بشكل متزايد، رغم المخاطرة بحياتهن.
فقد اكتفى المسؤولون الغربيون والجماعات المناصرة بدعوة طالبان إلى احترام أكبر لحقوق المرأة –من دون تدخل مباشر لمنع القمع ضد النساء- إلا أن الحركة رفضت هذه الدعوات.
أواخر ديسمبر ، عينت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، رينا أميري مبعوثة خاصة للأفغانيات، كمحاولة لمساعدتهن في مواجهة قمع طالبان، في الأسبوع ذاته الذي أعلنت فيه حركة طالبان منع النساء من السفر بمفردهن، إذا كانت مسافة السفر طويلة نسبيًا.
وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكين في بيان: "نرغب في أفغانستان سلمية ومستقرة وآمنة، حيث يمكن لجميع الأفغان العيش والازدهار".
"أظلمت حياتي"
الشهر التالي -حسب "واشنطن بوست"- بدأت طالبان اعتقال الناشطات في منازلهن، مشيرة إلى أنه عندما اختطف مسلحون تامانا بارياني وبروانا إبراهيم خيل، وهما من الناشطات في التجمع النسائي ضد الحركة، انتشر الخبر على الفور عبر (مجموعة واتس آب النسائية)، ما زاد مخاوفهن من أي مشاركة مستقبلية في تظاهرات ضد طالبان.
وخلال شهر آخر، اختفت زهرة محمدي ومرسال عيار، ثم زادت عمليات الاعتقال التعسفية بحق النساء، إذ إنه في وقت لاحق، اعتُقل أكثر من 20 ناشطة وعائلاتهن في يوم واحد.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد الاعتقال الجماعي، بدأ المتظاهرون مسح هواتفهم، وحذف الصور ومقاطع الفيديو وجهات الاتصال، ومغادرة مجموعات واتس آب، بينما ألغت (رمزية) -إحدى مؤسسات المجموعة- "مجموعتها الاحتجاجية" وغيرت رقم هاتفها واختفت شهرًا عن الأنظار.
وقالت رمزية: "كان الأمر كما لو كانت حياتي مظلمة، لم أستطع التحدث إلى أصدقائي ولا رؤية عائلتي".
بدورها، أوضحت شهلة عريفي -44 عامًا- وهي ناشطة بدأت الاحتجاج مع زملائها من وزارة شؤون المرأة في الحكومة السابقة، أن أعداد الناشطات اللائي استمررن في متابعة الحركة ظلت تنكمش رويدًا رويدًا، حتى اختفين، مضيفة: "أتذكر أنني نظرت إلى هاتفي، ولم يكن هناك شيء تقريبًا، كنت أتلقى الكثير من الرسائل كل يوم، لكن بعد الاعتقالات بدأت النساء مغادرة المجموعات".
وتوضح الصحيفة، أن عريفي أم لخمسة أطفال وتحمل درجة الماجستير في دراسات النوع من جامعة كابل، وقد أمضت سنوات في محاولة الانضمام إلى الحكومة، على أمل أن تتمكن من تحسين حياة النساء، إلا أنه عندما تم حل الوزارة من قِبل طالبان، شعرت بالضياع، وبدت المهنة التي بنتها، والمستقبل الذي عملت من أجله، وكأنها قد تلاشت.
الفرار
مع الوقت -حسب "واشنطن بوست"- بعد أن كانت هذه المجموعات تستهدف الاتفاق على التظاهر ضد طالبان، تغير الأمر، وباتت الكثيرات يطلبن -بشكل متزايد- المشورة بكيفية الفرار من البلاد.
وتقول شهلة عريفي: "حين زادت المطالب بالفرار من البلاد، شعرت بالقلق من أن الحركة انتهت إلى الأبد".
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه رغم إطلاق سراح الناشطات المحتجزات نهاية المطاف، فإن طالبان أجبرتهن على تسجيل اعترافات كاذبة، ادعين فيها أن مظاهراتهن كانت جزءًا من مؤامرة أجنبية، ومن ثمّ تم منعهن من المشاركة في أي احتجاجات.
وحسب الصحيفة "ربما يكون المتظاهرون الباقون قد استسلموا، لكن بلدهم كان ينزلق أكثر نحو الخراب الاقتصادي، ومن ثمّ فقد أعادت مجموعة من أحكام طالبان التي قهرت النساء والفتيات تنشيط الحركة النسائية".
ففي مارس، مُنعت ملايين الفتيات من الذهاب إلى المدرسة، وفي مايو أُمرت النساء بتغطية الرأس حتى أخمص القدمين في الأماكن العامة، وقيل لهن إنهن لا يمكنهن السفر خارج المنزل إلا برفقة ولي أمر من الرجال.
ولكن مع اقتراب الذكرى السنوية لسقوط كابل، عقد النشطاء تجمعًا نادرًا للتخطيط لما كانوا يأملون أن يكون أكبر مظاهرة لهم منذ العام الماضي.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه بالنسبة لمعظم النساء، كان هذا أول احتجاج لهن منذ أشهر، إذ إنه في صباح 13 أغسطس الجاري، بدأت عشرات النساء مسيرة سلمية، وحملن لافتات مرسومة باليد تطالب بحقوقهن، لكن بمجرد وصولهن إلى وسط مدينة كابل، طوق مقاتلو طالبان المظاهرة في دقائق، واعتقلوا كثيرات من المشاركات.
ورغم تراجع أعداد المتظاهرات من النساء ضد حكم طالبان، فإن عريفي شددت على أنهن لم يفشلن، وإنما أسهمن في ازدياد عزلة طالبان دوليًا، مضيفة: "كشفنا أخطاء طالبان، وأظهرنا للعالم وحشيتهم".