غضب أردني من سفر الفلسطينيين عبر مطار رامون الإسرائيلي.. ما القصة؟
قالت متحدثة باسم هيئة المطارات الإسرائيلية، إن 40 فلسطينيًا كانوا في الرحلة الأولى من مطار رامون قرب منتجع إيلات جنوبي إسرائيل.

السياق
غضب وإحباط أردني من استخدام مطار رامون -جنوبي إسرائيل- لسفر الفلسطينيين إلى الخارج، وسط تخوفات من تعريض تلك الخطوة المصالح الاقتصادية للأردن للخطر، و«انتهاك» سيادة المجال الجوي الأردني، وإعادة محنة الفلسطينيين.
كانت سلطة المطارات الإسرائيلية أعلنت في 9 أغسطس الجاري، أن المطار سيبدأ السماح برحلات جوية للمسافرين الفلسطينيين من الضفة الغربية، 22 أغسطس الجاري.
ويعُد الأردن تحرك إسرائيل بالسماح للفلسطينيين بالسفر الدولي من أراضيها، محاولة لتطبيع الوضع الحالي للفلسطينيين، وإبعاد احتمال التوصل إلى حل طويل الأمد.
تلك التخوفات التي تزامنت مع وصول أول رحلة جوية للفلسطينيين غادرت -الاثنين- من مطار رامون في النقب إلى قبرص، رغم دعوة السلطة الفلسطينية المواطنين إلى الامتناع عن استخدام المطار الواقع جنوبي إسرائيل.
وقالت متحدثة باسم هيئة المطارات الإسرائيلية، إن 40 فلسطينيًا كانوا في الرحلة الأولى من مطار رامون قرب منتجع إيلات جنوبي إسرائيل.
ورغم الاجتماع الذي عُقد الشهر الماضي بين رئيس الوزراء يئير لبيد والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في عمان، وروح التعاون التي سادته، فإن تصريحات المسؤولين الأردنيين أشارت إلى أن العلاقات بين البلدين -التي تعيش في سلام منذ 1994- يمكن أن تدخل مرحلة متوترة، جراء الخطوة الإسرائيلية.
وتقول «ذا تايمز أوف إسرائيل»، في تقرير ترجمته «السياق»، إنه حتى وقت قريب، كان يُطلب من الفلسطينيين، الراغبين في السفر إلى الخارج، السفر إلى الأردن ومنه إلى وجهتهم الأخيرة، أو الحصول على تصريح دخول إسرائيل يصعب الوصول إليه، للسفر من مطار بن غوريون.
لكن في محاولة لتخفيف الازدحام عند معبر الملك حسين -المعبر الوحيد للضفة الغربية مع الأردن- أعلنت هيئة المطارات الإسرائيلية مبادرة تسمح للفلسطينيين بالسفر إلى تركيا عبر مطار رامون والصعود إلى الرحلات الجوية هناك.
وفي حين تم تأجيل الخطة الأصلية للخطوط الجوية التركية لتشغيل المسار، تدخلت شركة طيران أركيا الإسرائيلية لتسيير أول رحلة للفلسطينيين من مطار رامون إلى قبرص، الاثنين الماضي.
المصالح الاقتصادية للأردن
ووفقًا لجمعية وكلاء السياحة والسفر الأردنية، فإن قرابة 500 ألف مسافر فلسطيني يدخلون الأردن كل عام، عبر جسر الملك حسين، للسياحة أو العبور، إلا أن فتح مطار رامون أمام المسافرين الفلسطينيين سيؤدي إلى تقليص عدد الفلسطينيين الذين يدخلون الأردن بنسبة 55-65%.
وبينما يرى بعض المسؤولين والمحللين الأردنيين أن الخطوة الإسرائيلية تتعارض مع روح التعاون والسلام بين البلدين، انتقد وزير الإعلام والثقافة الأردني الأسبق سميح المعايطة رحلة الاثنين إلى قبرص، التي أقلت ركابًا فلسطينيين، مشيرًا إلى أنها ستأتي على حساب العبور عبر الأردن.
وأشار المعايطة عبر «تويتر»، إلى أن هذه الخطوة الإسرائيلية تخدم مصالحها بالتوافق مع سلطة رام الله، التي قدمت خدمة لإسرائيل على حساب الأردن الذي تريده في الأزمات.
عضو البرلمان الأردني خليل طالب الفلسطينيين بعدم استخدام مطار رامون للسفر، مؤكدًا أن الدعاية لهذا المطار إضعاف للجانب الأردني سياسيًا واقتصاديًا.
وبينما دعا إلى حرمان الفلسطيني الذي يسافر عن طريق مطار رامون من دخول الأردن، قال إن على الفلسطينيين عدم استخدام هذا المطار، لأن ذلك سيؤدي لإضعاف الأردن.
وأشار إلى أن خطة إسرائيل للسماح لسكان الضفة الغربية باستخدام مطار رامون ستضر بشركات الطيران المحلية الأردنية، التي طالما اعتمدت على نقل نسبة كبيرة من الفلسطينيين إلى البلدان المجاورة.
ويقول مراقبون إن هذه الخطوة قد تضر أو تؤخر المشاريع الاستراتيجية القائمة بين إسرائيل وجارتها، مثل تصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر خط الغاز العربي الذي يمر عبر الأردن.
وتشير إحصاءات السياحة التقريبية إلى أن ما يقرب من 2.5 إلى 3 ملايين مسافر فلسطيني يسافرون عبر معبر الكرامة سنويًا، بينما يستخدم مليونان منهم مطار الملكة علياء الدولي في عمان، للسفر إلى وجهات عالمية مختلفة.
عملية السلام
من جانبه، قال وزير الإعلام الأردني الأسبق محمد المومني إن التعاون الإسرائيلي الأردني يقوم على فكرة «تشغيل مطار الملك حسين الدولي في العقبة، بدلاً من إنشاء مطار جديد»، مضيفًا أن المطارات المتنافسة في المنطقة «ستؤثر في عملية السلام بين البلدين».
كان الأردن قد عارض- منذ البداية- إنشاء مطار رامون، بحجة قربه من مطار الملك حسين، بينما أثارت المملكة مخاوفها مع منظمة الطيران المدني الدولي عام 2019.
وبينما يعُد الأردن تحرك إسرائيل في ما يتعلق بالسفر الدولي للفلسطينيين من أراضيه، محاولة لتطبيع الوضع الحالي للفلسطينيين، أكد رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، دعم بلاده للقضية الفلسطينية خلال الافتتاح الرسمي لمحطة توليد الكهرباء في وادي الأردن لزيادة إمدادات الكهرباء للفلسطينيين في الضفة الغربية.
وقال رئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد اشتية إنه «لا مطار رامون ولا أي مطار آخر بديل لعمق علاقاتنا مع الأردن من حيث النقل والحركة»، مجادلاً بأنه لو أرادت إسرائيل تخفيف القيود المفروضة على الفلسطينيين، فإنها ستفعل ذلك.
بينما يقول المتحدث باسم وزارة المواصلات الفلسطينية موسى رحال، في تصريحات صحفية، إن الموقف الرسمي «يرفض فكرة استخدام مطار رامون، ورسالتنا واضحة للفلسطينيين بعدم استخدامه».
وأضاف: هناك اشتراطات بموجب الاتفاقيات الدولية، منها تسليم مطار القدس الدولي (قلنديا) وإعادة بناء مطار غزة الدولي الذي دمرته إسرائيل في انتفاضة الأقصى (الثانية) عام 2000»، مضيفًا أن الفلسطينيين لديهم أيضًا الحق في إنشاء وإدارة مطار في الضفة الغربية.
إجراءات عقابية
وهددت وزارة النقل الفلسطينية باتخاذ إجراءات عقابية ضد الفلسطينيين، الذين يستخدمون مطار رامون جنوبي إسرائيل للسفر، بينما قال وزير النقل الفلسطيني عاصم سالم إنه سيعرض بعض الاقتراحات والإجراءات التي يمكن أن تمنع الفلسطينيين من السفر عبر مطار رامون.
ونقلت صحيفة المونيتور عن مصادر مطلعة في وزارة النقل الفلسطينية قولها، إن من الخطوات التي تتم مناقشتها والتي سيتم عرضها على مجلس الوزراء الفلسطيني للتصديق عليها، منع كل مواطن يستخدم مطار رامون للسفر من تجديد سفره.
المصادر قالت إن إسرائيل حاولت مؤخرًا دفع الفلسطينيين إلى استخدام المطار من خلال الموافقة على عدد من القيود على المسافرين الفلسطينيين عبر معبر الكرامة الذي يربط الأردن بالضفة الغربية، بسبب التفتيش الدقيق والتحقيق الأمني الذي خضع له معظم المسافرين الفلسطينيين.
وأشارت المصادر إلى أن الفترة الزمنية التي يحتاجها المسافرون الفلسطينيون عبر معبر الكرامة باتجاه مطار الملكة علياء الدولي في الأردن هي الفترة الزمنية نفسها اللازمة للسفر إلى مطار رامون.
وكشفت المصادر أن إسرائيل تروِّج لأن تسجيل المسافرين الفلسطينيين للسفر عبر المطار سيكون من خلال مكاتب السفر والسياحة في الضفة الغربية، التي ستنقل الركاب بالحافلات إلى حاجز ميتار الإسرائيلي، جنوبي العاصمة.
غضب يجتاح مواقع التواصل
الجدل لم يكن سياسيًا فقط، بل انتقلت عدواه إلى مواقع التواصل الاجتماعي، التي احتجت على أول رحلة لفلسطينيين عبر مطار رامون -الاثنين الماضي- مشيرين إلى أن استخدام الفلسطينيين لمطار رامون «خيانة وطعن في ظهر الأردن لكل المواقف التي اتخذها مع الشعب الفلسطيني في الدفاع عن قضيته العادلة».
وقال حساب يدعى أردني نشمي «كشعب أردني نطالب بأن يكون سحب الجواز المؤقت الأردني من كل فلسطيني يعبر مطار رامون»، مشيرًا إلى أن هذه الطلبات تعد «ابتزازية بحتة لمملكتنا الغالية».
بينما أعرب بعض الفلسطينيين في الضفة الغربية عن رغبتهم في السفر عبر مطار رامون، ظنًا منهم أن ذلك سينقذهم من المعاناة التي يمرون بها عبر معبر الكرامة، إلى جانب ذلك سيتم دفع الرسوم للإسرائيليين مرة واحدة فقط في المطار، بينما يتعين على المسافرين عبر معبر الكرامة دفعها ثلاث مرات في المحطات الثلاث، إضافة إلى رسوم في مطار الملكة علياء.
وقال حساب يدعى سيف الكباريتي: «أنا فلسطيني ومع الأردن ظالمًا أو مظلومًا وضد التطبيع الفلسطيني وضد مطار رامون».
وأكد طلال التميمي، مدير شركة ون ترافيل للسياحة والسفر في الخليل، أنهم يتلقون عشرات المكالمات يوميًا من فلسطينيين يرغبون في السفر إلى تركيا عبر مطار رامون، لكنهم لم يفعلوا ذلك حتى الآن.
وكشف أن وزارة النقل الفلسطينية عقدت اجتماعًا لشركات السياحة والسفر في الخليل وبيت لحم في 15 أغسطس الجاري، وأبلغتهم رسميًا بحظر أي طلبات للسفر عبر مطار رامون، وحذرتهم من أن أي شركة ستقوم بذلك ستكون مسؤولة.
وتهدف السلطة الفلسطينية، التي ترى أن التحرك بالسفر للفلسطينيين عبر مطار رامون يقوِّض سيادتها، من خلال إجراءاتها إلى منع الفلسطينيين من السفر عبر المطار للحفاظ على علاقاتها مع الأردن، الذي يعد المنفذ الرئيس للفلسطينيين في الضفة الغربية إلى العالم، إضافة إلى كونه من أكبر الداعمين السياسيين للفلسطينيين.