هل الاقتصاد العالمي على وشك الدخول في حالة ركود حاد؟
إنتاج الشركات المصنعة الأمريكية فانكمش للشهر الثاني على التوالي، حيث واجهت انخفاضًا في الطلب ومشكلات مستمرة في سلسلة التوريد

ترجمات – السياق
انخفض النشاط التجاري في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان خلال أغسطس 2022، ما يُشير إلى التباطؤ الحاد في معدلات النمو الاقتصادي العالمي، حيثُ أدى ارتفاع الأسعار إلى إضعاف طلب المستهلكين، إلى جانب تعثر واضطراب سلاسل الإمداد على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية، التي تدخل شهرها السابع.
وفي هذا السياق، أوضح تقرر "وول ستريت جورنال" أن الشركات الأمريكية سجلت انخفاضًا حادًا بالنشاط التجاري في أغسطس الجاري، ضمن انخفاض واسع النطاق في نشاط شركات الخدمات، إلى جانب انخفاض وتباطؤ معدلات الإنتاج والتصنيع أيضًا.
وبحسب مسح أجرته وكالة ستاندرد آند بورز جلوبال للتصنيف الائتماني، فإن التضخم المرتفع ونقص المواد وتأخير التسليم وارتفاع أسعار الفائدة كانت عوامل تثبيط النشاط التجاري.
تراجع أمريكي
وحسب "وول ستريت جورنال" سجل مؤشر مديري المشتريات المركب للاقتصاد الأمريكي -الذي يقيس النشاط في قطاعي التصنيع والخدمات- 45 نقطة في أغسطس الجاري، بمعدل انخفاض من 47.7 نقطة في يوليو الماضي.
ويعد هذا الانخفاض الثاني على التوالي، حيثُ لم يُسجّل المؤشر القراءة الأدنى له إلا في مايو 2020، وبشكلٍ عام، تشير القراءة الأقل من 50 نقطة إلى تقلص النشاط في قطاعي التصنيع والخدمات.
ونقلت الصحيفة الأمريكية، عن سيان جونز، كبير الاقتصاديين في "غلوبال ماركت إنتيليجنس"، تأكيده أن موجة من عدم اليقين تخيم على القطاع الخاص، مع عودة الطلبات الجديدة للخدمات نحو الانكماش، ما يعكس ظروف الطلب المنخفضة التي شهدها قطاع التصنيع.
تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد الأمريكي شهد انكماشًا لرُبعين متتاليين هذا العام، رغم أن نمو الوظائف لا يزال قويًا مقارنة بمعدلات البطالة، التي تُطابق أدنى مستوى لها مُنذ نصف قرن، كما لا يزال التضخم بالقرب من المستويات القياسية، رغم التباطؤ الطفيف الذي شهده في يوليو الماضي، مع اتباع مجلس الاحتياطي الفيدرالي لاستراتيجية قوية لرفع أسعار الفائدة، لتهدئة الطلب وإبطاء تضخم الأسعار.
على الجانب الآخر، انخفض النشاط التجاري في أوروبا أيضًا للشهر الثاني على التوالي، وسط ارتفاع متجدد في أسعار الطاقة، نتيجة عدم اليقين باستئناف روسيا للإمدادات المنخفضة بالفعل من الغاز الطبيعي قبل الشتاء القادم، خاصةً أن شركة غازبروم الروسية الموردة للغاز أعلنت أنها ستغلق خط أنابيب الغاز الطبيعي "نورد ستريم" ثلاثة أيام، لاستكمال أعمال الصيانة في وقتٍ لاحق في أغسطس الجاري، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز، مدفوعة بالمخاوف من قدرة أوروبا على تخزين إمدادات كافية من الوقود قبل الشتاء.
إضافة إلى ذلك، فقد أفادت وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز جلوبال" بأن مؤشر مديري المشتريات المركب لمنطقة اليورو انخفض، ليصل إلى 49.2 نقطة في أغسطس الجاري من 49.9 نقطة في يوليو الماضي، مسجلًا بذلك أدنى مستوى له في 18 شهرًا.
كما انخفض الإنتاج الصناعي، للشهر الثالث على التوالي، في حين تجنب قطاع الخدمات الانكماش بصعوبة، وسجلت الشركات في القطاعَين انخفاضًا في الطلبيات الجديدة، ما يشير إلى الضعف المرتقب في الأشهر المقبلة، بينما أبلغت المصانع عن زيادة في المخزونات مع استمرار عدم بيع السلع.
هل يتحسن الإنتاج؟
وعن إمكانية تحسن الإنتاج، نقلت "وول ستريت جورنال" عن أندرو هاركر، الاقتصادي في "ستاندرد آند بورز غلوبال"، قوله: "تلك الكتلة الهائلة من المخزونات تشير إلى احتمال ضئيل لتحسين إنتاج التصنيع في أي وقت قريب".
بينما أشار مؤشر مديري المشتريات لألمانيا إلى أكبر انخفاض في النشاط التجاري منذ يونيو 2020، في حين أشار المؤشر الخاص بفرنسا إلى أول انخفاض في النشاط منذ الموجة الأولى من الوباء.
وحسب الصحيفة الأمريكية، تأثر اقتصاد منطقة اليورو سلبًا بالتداعيات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا منذ بدئها في فبراير الماضي، حيث تسببت أسعار الطاقة والغذاء المرتفعة في إضعاف قوة الإنفاق لدى الأسر وتهديد هوامش الربح التجاري، ما أدى إلى تراجع ثقة الأسر والشركات، ومع ذلك، لم يؤدِ التضخم الحالي إلى تعطيل تعافي منطقة اليورو من الوباء، إلا أن التعافي كان أبطأ مما كان عليه في الولايات المتحدة، إذ يرجع ذلك جزئيًا إلى رفع القيود الحكومية.
بينما أدت إعادة فتح أجزاءٍ من الاقتصاد إلى تسارع النمو الاقتصادي، خلال الأشهر الثلاثة حتى يونيو، مع انكماش الاقتصاد الأمريكي للربع الثاني على التوالي، لكن مؤشر مديري المشتريات لمقدمي الخدمات في الولايات المتحدة انخفض من 47.3 في يوليو إلى 44.1 حتى الآن في أغسطس، حيث ذكرت شركة «ستاندرد آند بورز غلوبال» أن الشركات واجهت المزيد من تردد العملاء بداية أعمال جديدة، ما أدى إلى انخفاضٍ حاد في الطلبات الجديدة.
اعتدال الأسعار
وحسب "وول ستريت جورنال" يرفع مقدمو الخدمات في الولايات المتحدة الأسعار ببطء أكثر مما فعلوا في 17 شهرًا، حيث تؤدي الطلبات القليلة والمنافسة المتزايدة إلى تعديل الأسعار، كما خُففت تكاليف المدخلات بالنسبة لمقدمي الخدمات، في حين لا تزال تكاليف الأجور والموردين والنقل تثقل كاهل الأعمال التجارية.
أما إنتاج الشركات المصنعة الأمريكية فانكمش للشهر الثاني على التوالي، حيث واجهت انخفاضًا في الطلب ومشكلات مستمرة في سلسلة التوريد، رغم أن الشركات المصنعة سجلت أيضًا أبطأ ارتفاع في أعباء التكلفة منذ يناير 2021.
وفي حين يُعد موسم السياحة الصيفية الأقرب إلى معيار ما قبل الوباء، حيث يمكن أن يدفع نموًا متواضعًا في اقتصاد منطقة اليورو في الأشهر الثلاثة حتى سبتمبر، أشار استطلاع "ستاندرد آند بورز" إلى انخفاض النشاط في قطاع السياحة والترفيه خلال أغسطس.
وتفسر الصحيفة الأمريكية هذا الوضع، بأنه يحتمل أن يكون اقتصاد منطقة اليورو قد دخل في حالة من الانكماش، في حين يشكك خبراء الاقتصاد في إمكانية تجنُّب الاقتصاد الأوروبي لهذا المصير في الأشهر الأخيرة من العام، مع تسبب أسعار الطاقة المرتفعة في اقتطاع جزء أكبر من ميزانيات الأسر.
علمًا أن مدة الانكماش وشدته ستعتمدان على حجم الضربة التي تصيب الإنفاق الأسري، وما إذا كان من الضروري تقنين الطاقة الذي من شأنه أن يؤثر سلبًا في إنتاج المصانع.
بينما يتوقع خبراء الاقتصاد في بنك باركليز، نمو اقتصاد منطقة اليورو هذا الربع، لينكمش في الأشهر الثلاثة الأخيرة من هذا العام والربع الأول من عام 2023، لكنهم أشاروا إلى أن توقعاتهم بركود معتدل "تبدو متفائلة على نحو متزايد"، نظرًا لحالة عدم اليقين بشأن توافر الغاز الطبيعي، علمًا أن استطلاعات "ستاندرد آند بورز غلوبال" أشارت إلى أن نشاط القطاع الخاص في اليابان وأستراليا انخفض أيضًا في أغسطس لأول مرة منذ آخر موجة من إصابات كورونا بداية العام.
وخلصت الصحيفة الأمريكية، إلى أن "الأزمة الروسية الأوكرانية عصفت باقتصاد منطقة اليورو بشكل حاد منذ اندلاعها، حيث أدى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء إلى إضعاف القدرة الشرائية للأسر والإضرار بأرباح الشركات، كما أضرت الأزمة الكبرى في القارة، مُنذ ما يقرب من ثمانية عقود، بثقة الأسر ونشاط الشركات في الاقتصادات الأوروبية".