هل يؤدي اجتماع بايدن وشي إلى وقف الانزلاق الأمريكي الصيني؟

اتفق الرئيس الأمريكي ونظيره الصيني -خلال اتصال هاتفي- نهاية يوليو الماضي، على تنظيم أول قمة حضورية تجمع بينهما منذ تولي بايدن الرئاسة الأمريكية

هل يؤدي اجتماع بايدن وشي إلى وقف الانزلاق الأمريكي الصيني؟

ترجمات - السياق

توترات غير مسبوقة أفضت إلى تصعيدات خطيرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين أججتها زيارة رئيسة الكونغرس نانسي بيلوسي قبل أسابيع إلى تايوان، الجزيرة التي تعدها بكين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها وتخضع لسيادتها.

الصين من جانبها ردت على الزيارة بعدد من التصريحات النارية تزامنت معها مناورات بحرية صاروخية خطيرة طوقت بها محيط جزيرة تايوان فيما بات العالم يترقب حرب مشابهة لما قامت به روسيا في أوكرانيا.

وبينما ينتظر المجتمع الدولي قمة أمريكية صينية بين بايدن وشي استبعدت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن يؤدي هذا الاجتماع المحتمل في نوفمبر المقبل، إلى وقف الانزلاق الأمريكي الصيني، مشددة على أن التسوية أصبحت صعبة بشكل متزايد، خصوصًا في ما يتعلق بأزمة تايوان.

واتفق الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ -خلال اتصال هاتفي- نهاية يوليو الماضي، على تنظيم أول قمة حضورية تجمع بينهما منذ تولي بايدن الرئاسة الأمريكية، حسب ما أفاد مسؤول أمريكي.

وذكرت "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن المسؤولين الصينيين يخططون لترتيب لقاء بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأمريكى جو بايدن، خلال نوفمبر المقبل.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، عبر موقعها الإلكتروني، يتم التخطيط لزيارة بينغ إلى جنوبي شرق آسيا، إضافة إلى لقاء بينه وبين الرئيس الأمريكي وجهًا لوجه، ما يمثل أول رحلة دولية للرئيس الصيني، منذ ما يقرب من 3 سنوات، وأول رحلة له للقائه بايدن منذ توليه الرئاسة الأمريكية.

وقال المصدر -الذي رفض كشف هويته- إنه "من المحتمل أن يحضر الرئيس شي قمة لزعماء مجموعة الـ 20 في جزيرة بالي الإندونيسية يومي 15 و 16 نوفمبر، ثم يسافر إلى العاصمة التايلاندية بانكوك لحضور قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ"، مشيرًا إلى أن جزءًا من الاستعدادات التي لا تزال في مراحلها المبكرة ويمكن تغييرها، هو التحضير لاجتماع محتمل بين شي وبايدن على هامش إحدى القمتين.

 

الأسوأ

ورأت "فورين بوليسي" أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية تمر بمرحلة هي الأسوأ منذ عقود، لا سيما بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، إلى جزيرة تايوان ورد فعل الصين اللاحق بإجراء مناورات عسكرية كبيرة حول الجزيرة.

وأضافت: "الترجيحات تُشير إلى أن الرئيسين الأمريكي جو بايدن والصيني شي جين بينغ، سيلتقيان في قمة مجموعة العشرين التي تعقد في إندونيسيا خلال نوفمبر المُقبل"، مشيرة إلى أنه أنه إذا كان الرئيسان سيجلسان معًا في غضون ثلاثة أشهر فقط من الآن، يجب على مجموعات العمل في الجانبين، التفكير في مسارات لإصلاح الضرر الكبير في العلاقات الثنائية.

وأشارت إلى أنه منذ بداية رئاسته، تحدث بايدن مع شي أربع مرات عبر الهاتف أو الفيديو، لافتة إلى أنه رغم المسار الهبوطي المستمر للعلاقات الصينية الأمريكية، فإن دعواتهم كانت -في الواقع- مثمرة بشكل معقول.

وأوضحت أن بايدن يتحدث كثيرًا عن الحاجة إلى إقامة "حواجز حماية" استعدادًا لفترة جديدة من منافسة القوى العظمى، بينما يضع شي أهدافًا طويلة الأجل لما سماه "قلب النظام الإقليمي الحالي" في آسيا.

كما أن بينغ -حسب المجلة الأمريكية- يحذر باستمرار من الخطوط الحمراء للصين بشأن تايوان، وتجلى ذلك في تحذيره خلال مكالمته الأخيرة مع بايدن في يوليو الماضي -في إشارة إلى مخاوف الصين بشأن استقلال تايوان- قائلًا: "أولئك الذين يلعبون بالنار سيحترقون بها" ومع ذلك، فعلى المدى القصير، يبدو أن بينغ يفضل الاستقرار واستمرار العلاقات مع الولايات المتحدة.

وتؤشر التطورات الأخيرة -وفقًا لمحللين- إلى احتمال أن يتمكن الزعيمان من وقف الانزلاق الهبوطي في العلاقات، وإن كان على الأقل مؤقتًا.

ورأت المجلة أن هذا الأمر -وقف الانزلاق الهبوطي في العلاقات- مرهون بالتغلب على بعض العوائق، مشيرة إلى أن الصين، على سبيل المثال، تهدف إلى استعادة تايوان بصورة تدريجية وبإجراءات بعيدة عن الحرب، لكنها تخشى سيناريو الانجراف بسبب مساعي "الاستقلال التايواني الرسمي"، المدفوع بما تعده تدخلًا أمريكيًا متهورًا، قد يجبرها على خوض حرب تفضل تجنُّبها على الأقل في الوقت الحالي.

وتضيف: "من أجل تجنُّب هذا السيناريو جزئيًا، تشعر بكين بأنها بحاجة للإشارة إلى استياء شديد من تحركات أحادية، مثل الزيارة الأخيرة لبيلوسي إلى تايوان".

 

أهداف صينية

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن بكين حققت -خلال الأسابيع الأخيرة- أهدافًا مهمة، بما في ذلك إطلاق صواريخ بالستية لأول مرة مباشرة فوق جزيرة تايوان، كما وفرت المناورات الصينية –التي أجرتها عقب زيارة بيلوسي للجزيرة- فرصة نادرة لإجراء عمليات مُشتركة بين فروع جيش التحرير الشعبي الصيني، في محاكاة واضحة لحصار مستقبلي للجزيرة، والنتيجة تغيير في الوضع العسكري الراهن عبر مضيق تايوان لصالح بكين.

وكذلك تمكنت الصين من القيام بما سبق، مع الحفاظ على جانب كبير من علاقاتها بدول المنطقة، حيث يرى الكثير من دول جنوب شرق آسيا -في السر- أن واشنطن، وليست بكين، المسؤولة في الغالب عن الأزمة، وأن زيارة بيلوسي كانت "استفزازًا" لا داعي له.

في المقابل، تدرك الولايات المتحدة -حسب المجلة- أنها تخاطر بخسارة حرب العلاقات العامة في آسيا بسبب رحلة بيلوسي، مشيرة إلى أنه رغم الدعم الذي تحظى به الصين في المنطقة، فإن واشنطن ترى أنها نجحت أيضًا في بلورة الدعم لتايوان.

وعلقت الولايات المتحدة، من خلال المنسق الأمريكي لمنطقة المحيطين الهندي والهادي كورت كامبل، على الرد الصيني بشأن زيارة بيلوسي لتايوان، إذ قال إن الصين "بالغت في ردها" على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان.

وأضاف أن بكين استخدمت هذه الذريعة "لشن حملة ضغط مكثفة على تايوان، لمحاولة تغيير الوضع الراهن، وتعريض السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان وفي المنطقة الأوسع للخطر".

لذا -حسب المجلة الأمريكية- "سيكون التغلب على التصور بتحقيق كل طرف من الجانبين نجاحًا نسبيًا، العائق الأول الذي يواجهه بايدن وشي بينغ، إذا كانا يريدان السعي إلى نوع من الاستقرار عندما يلتقيان في نوفمبر المقبل".

ويتمثل العائق الثاني والأكثر تعقيدًا -حسب المجلة الأمريكية- في تأكيد الصين والولايات المتحدة أنهما تدعمان الوضع الراهن بشأن تايوان، لكن في الحقيقة، تعمل الصين والولايات المتحدة وجزيرة تايوان على تقويض الوضع الراهن بطريقة أو بأخرى.

 

تغيير الحقائق

ورأت "فورين بوليسي" أن الصين تحاول تغيير الحقائق على الأرض، من خلال العمل منذ عقود على إنشاء قوات عسكرية قادرة على استعادة السيطرة على الجزيرة بالقوة، إذا لزم الأمر.

وأشارت إلى الصين تضغط أيضًا على تايوان بلا هوادة، من خلال التكتيكات العسكرية للمنطقة الرمادية (ما يسمى خط الوسط الفاصل) والإكراه الاقتصادي.

وبينت المجلة، أن الكتاب الأبيض (وثيقة رسمية) الذي أصدرته بكين مؤخرًا بشأن "مسألة تايوان وإعادة توحيد الصين في العصر الجديد"، أزال التأكيدات المقدمة لتايوان بشأن موقعها المستقبلي في الصين الموحدة، مثل عدم تمركز القوات الصينية في الجزيرة.

أمام هذه التطورات، تتطور السياسات المحلية في تايوان في اتجاه تصعيدي، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن الانتخابات الوطنية المقررة في تايوان 26 نوفمبر المقبل -بعد اجتماع بايدن وشي بينغ المحتمل- ستشهد تحقيق حزب الزعيمة الحالية رئيسة الحزب الديمقراطي التقدمي "تساي إنغ وين" الفوز على حزب المعارضة، الذي يفضل توثيق العلاقات مع بكين، ما يشير إلى أن الرأي العام التايواني مستعد -بشكل متزايد- لدعم الاستقلال، الأمر الذي من شأنه إثارة قلق شديد في بكين.

وأفادت بأنه رغم سعي بايدن الحثيث لتأكيد أنه لن يغير سياسة "صين واحدة" (الأمر الذي ترى بكين أن واشنطن لا تلتزم به)، فإن الأسس التي يقوم عليها الوضع الراهن تتغير بالفعل، حيث يتحرك رأي النخبة والكونغرس في الولايات المتحدة في اتجاه خط أكثر صرامة ضد بكين، لا سيما ما يتعلق بتايوان.

وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن هناك العديد من النقاط الساخنة التي تلوح في الأفق، ربما تقوِّض الوضع الراهن بشكل أكبر، حيث من المحتمل أن يزور المزيد من الزوار الأمريكيين رفيعي المستوى تايبيه (عاصمة جزيرة تايوان)، وسط توقعات –وفقًا لاستطلاعات الرأي- بزيارة ستكون الثانية خلال أشهر لرئيس مجلس النواب الأمريكي، إذا استعاد الجمهوريون السيطرة على مجلس النواب، في انتخابات التجديد النصفي خلال نوفمبر المقبل.

كما أن الولايات المتحدة -وفقًا للمجلة- ربما تمرر قريبًا قانونًا جديدًا بشأن سياسة تايوان، وهو مشروع قانون من الحزبين من شأنه رفع تايوان إلى فئة "الحليف الرئيس من خارج حلف شمال الأطلسي"، وزيادة مبيعات الأسلحة إلى الجزيرة، كما يرى مراقبون أن الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2024 ستشهد تبني العديد من المرشحين الجمهوريين موقفًا متشددًا حيال تايوان.

ورأت "فورين بوليسي" أن هذه العوامل تجعل من الصعب على بايدن أو شي الوصول إلى تسوية خلال لقائهما المحتمل، لافتة إلى أن أي استقرار طويل الأجل بشأن تايوان، يتطلب من الناحية الواقعية أن يقوم بايدن وشي، ليس فقط بإنقاذ الوضع الراهن المتدهور، ولكن إعادة بنائه أيضًا، وهو احتمال يبدو مستحيلًا في الوقت الحالي.

وخلصت المجلة الأمريكية، إلى أن السؤال الأكثر واقعية هو ما إذا كان الزعيمان لديهما الإرادة السياسية والقوة لتوجيه المزيد من الأصوات، من جانب كل منهما لتهدئة التوترات، وإن كان بشكل مؤقت على الأقل، مشددة على أنه "إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن الانزلاق نحو صراع أكبر -الذي كان اندلاع الأزمة بشأن زيارة بيلوسي مجرد بدايته- يبدو أنه سيستمر".