هل يتهاوى العمالقة؟

أعلنت ميتا أول انخفاض في مبيعاتها، وسط انخفاض في الإعلانات عبر الإنترنت.

هل يتهاوى العمالقة؟

ترجمات - السياق 

يبدو أن الأمور لا تسير وفق أهواء عمالقة التكنولوجيا، إذ أشارت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، إلى أن شركات (ميتا -فيس بوك وإنستغرام وواتس آب- وغوغل وأمازون ونتفليكس)، تعيش أسوأ أيامها، لافتة إلى أن قواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة ومتطلبات الإدراج في الولايات المتحدة وتجزئة الإنترنت ستؤثر سلبًا في نماذج أعمال هذه المنصات.

وبينت الصحيفة -في تقرير- أن أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة قد تكون بلغت ذروتها، أي لن تحقق أكبر مما حققته، فقد أعلنت (ميتا) أول انخفاض في مبيعاتها، وسط انخفاض في الإعلانات عبر الإنترنت، بينما خفضت "أمازون" و"نتفليكس" وغيرهما من عمليات التوظيف.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل شهدت منصات عدة انهيار أسعار أسهمها هذا العام، وهو أمر طبيعي في ظل ارتفاع الأسعار وتباطؤ نموها، حسب وصفة الصحيفة البريطانية.

وشهدت أسعار أسهم شركات التكنولوجيا والترفيه العالمية الكبرى تراجعًا لافتًا في أسواق المال العالمية منذ بداية عام 2022، بضغط من موجات بيع متتالية تعرضت لها من قِبل المستثمرين، وكانت أسهم شركات تسلا ونتفليكس وآبل ومايكروسوفت، وميتا وزووم هي الأكثر انخفاضًا في الفترة الأخيرة.

التغيير الأكبر

ولكن -حسب "فايننشال تايمز"- هذه اتجاهات قصيرة الأجل، لأنها تعتمد على الدورة الاقتصادية العالمية، ومن ثمّ فإن التغيير الأكبر أن الشقوق الحقيقية بدأت تظهر في نموذج الأعمال الأساسي لشركات التكنولوجيا الكبرى، الذي يعتمد على العولمة وتأثير الشبكة لتوفير نطاق واسع.

وأشارت الصحيفة، إلى أن هناك ثلاثة تحولات سياسية وتنظيمية تمثل تحديًا لقدرة المنصات على عبور الحدود والاستحواذ على حصتها في السوق، لافتة إلى أنها تفعل ذلك بطرق ستثبت أنها تدوم فترة أطول، ويكون لها تأثير أكبر من صعود وهبوط أسعار الأسهم في حالة الركود العالمي.

أول هذه التحولات -حسب الصحيفة- على هذه الشركات، أن تضع في حسبانها قواعد الاتحاد الأوروبي، التي تمت الموافقة عليها في يوليو الماضي.

وتُلزم هذه القواعد كبريات شركات خدمات للمراسلة أن تنفتح أمام المنافسين الراغبين، بتمكين مستخدميها من إرسال الرسائل بين المنصات الأساسية.

وتنطبق هذه القواعد على "آي مسج" التي تقدِّمها شركة "آبل" إضافة إلى تطبيقي "واتساب" و"فيسبوك ماسنغر" التابعين لشركة "ميتا بلاتفورمز"، ويُرجّح أن تنطبق أيضًا على "غوغل تشات" و"مايكروسوفت تايمز"، رغم أن الاتحاد الأوروبي لم يتخذ قرارًا رسميًا بشأن خدمات هاتين الشركتين.

وأوضحت الصحيفة، أن قانون الأسواق الرقمية الجديد يقيِّد بعض الممارسات التي كانت موضوع دعاوى قضائية لمكافحة الاحتكار تابعها الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة.

ورأت أن هذا النوع من "قابلية التشغيل البيني" سيجعل من الصعب على هذه الشركات تأمين حصتها في السوق، الذي يتضمن جذب المستخدمين إلى خدمة معينة ثم تقييدهم بجعل تحويل بياناتهم ومعلوماتهم إلى المنافسين أمرًا صعبًا.

ولم ترد فكرة قابلية الربط بين تطبيقات المراسلة، واسمها التقني "قابلية التشغيل البيني"، في دعاوى مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي، لذلك كان قرار البرلمان الأوروبي بتضمين هذا المطلب مفاجئاً، وقوبل بتشكيك حتى لدى مسؤولين داخل المفوضية الأوروبية ودول الاتحاد الأوروبي.

كان الاتحاد الأوروبي وافق على قواعد جديدة مهمة لمكافحة الاحتكار يمكن أن تُعيد تشكيل نماذج الأعمال لعمالقة التكنولوجيا (ميتا، وآبل، وأمازون، وغوغل) بشكل كبير.

وتوصل البرلمان الأوروبي والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق تاريخي بشأن قانون الأسواق الرقمية، بمجموعة شاملة من القواعد تهدف إلى كبح القوة السوقية للشركات، من خلال إحكام قبضتها على اقتصاد الإنترنت.

وستُطبق القواعد على من يُطلق عليهم "حراس البوابة"، وهي شركات التكنولوجيا التي يبلغ رأسمالها السوقي 75 مليار يورو على الأقل، أي ما يعادل 83 مليار دولار، أو الإيرادات السنوية داخل الاتحاد الأوروبي التي لا تقل عن 7.5 مليار يورو في السنوات الثلاث الماضية، ويجب أن يكون لديهم أيضًا ما لا يقل عن 45 مليون مستخدم شهريًا أو 10000 مستخدم تجاري في الاتحاد الأوروبي.

إضافة للقواعد المعروفة بقانون الأسواق الرقمية، أقر المشرِّعون أيضًا قانون الخدمات الرقمية، الذي يطالب المنصات -عبر الإنترنت- ببذل مزيد من الجهد لمراقبة الشبكة العنكبوتية، بحثًا عن المحتوى غير القانوني.

وتواجه الشركات غرامات تصل إلى عشرة بالمئة من حجم المبيعات العالمية السنوية، التي تنتهك قانون الأسواق الرقمية، وستة في المئة من حجم عائدات انتهاكات قانون الخدمات الرقمية.

وأشارت الصحيفة، إلى أنه عندما تكون قوائم جهات الاتصال والبيانات الأخرى محمولة على الفور، يصبح من السهل الانتقال من خدمة إلى أخرى، لافتة إلى أن ذلك قد يؤدي إلى مشهد تكنولوجي أكثر تنافسية بمرور الوقت، رغم أن دعاة الخصوصية قلقون من أنه سيوفر أيضًا المزيد من الاحتمالات لانتهاكات البيانات، لأنها ستتطلب نموذجًا برمجيًا أكثر انفتاحًا يعتقد البعض أنه قد يقوِّض الأمن السيبراني.

إذ إنه بينما يشيد مؤيدو إمكانية التشغيل البيني بهذا كوسيلة لمنع الشركات الكبيرة من احتكار العملاء، يرى المشككون بالقواعد الجديدة للاتحاد الأوروبي مخاطر أمنية كبيرة في فتح خدمات المراسلة، ويتساءلون أيضًا عما إذا كان ذلك سيقلل فعلاً من هيمنة الشركات الكبرى.

الدور السياسي

ورغم هذا الانفتاح الذي قد يحدث بين الشركات نتيجة القرار الأوروبي، فإن "فايننشال تايمز" رأت أن تنفيذ ذلك سياسيًا يبدو صعبًا.

وأشارت إلى أنه على الجبهة السياسية، يحدث العكس، إذ  أصبح من الصعب على العديد من شركات التكنولوجيا عبور الحدود، لافتة إلى أنه قبل أسبوعين، تقدَّمت شركة (علي بابا) عملاق منصة التكنولوجيا الصينية، بطلب لإدراج أساسي في بورصة هونغ كونغ، تحسبًا لقواعد مالية أمريكية جديدة تتطلب مزيدًا من تدقيق البيانات الحساسة أكثر مما ترغب بكين في السماح به.

وبينت الصحيفة، أن الأمر قد ينتهي بإلغاء نحو 200 شركة صينية إدراجها في الولايات المتحدة بسبب اللوائح التنظيمية، لافتة إلى أن هذا الأمر يُسلط الضوء على العالم ثنائي القطب، أو حتى ثلاثي الأقطاب الذي يتطور في التكنولوجيا، مع تباعد الولايات المتحدة وأوروبا والصين جغرافيًا.

وأوضحت أنه في حين أن هناك بعض الحديث عن رفع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الرسوم الجمركية عن الصين، إلا أن النخبة الاقتصادية والسياسية في أمريكا تستبعد احتمال العودة إلى "شبكة معلومات عالمية موحدة".

فقد أصدر مجلس العلاقات الخارجية مؤخرًا تقرير فريق عمل بعنوان "مواجهة الواقع في الفضاء الإلكتروني.. السياسة الخارجية من أجل إنترنت مجزأ"، أعلن فيه أن "عصر الإنترنت العالمي قد انتهى" ، وأن "واشنطن لن تكون قادرة على إيقاف أو السير عكس الاتجاه نحو التجزئة".

وحسب الصحيفة، فقد حثت فرقة العمل، التي تضمنت خبراء تقنيين، ورؤساء تنفيذيين، ومسؤولين من القطاع العام وعروضًا استخباراتية، السياسيين على بناء تجارة رقمية بين "شركاء موثوق بهم"، وحل مشكلات نقل البيانات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتطبيق قانون التنظيم العام لحماية البيانات في أوروبا (GDPR) كأساس لسياسة الخصوصية المشتركة للديمقراطيات الليبرالية.

لكن -حسب الصحيفة- هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لتحقيق هذا الأمر، إذ لا تستطيع الولايات المتحدة حتى تمرير قانون الخصوصية الفيدرالي، ويرجع ذلك جزئيًا إلى مخاوف اليسار السياسي من أن صناعة التكنولوجيا تمكنت من تخفيف اقتراح التشريع الوطني، لدرجة أنها ستقوِّض بالفعل القواعد الصارمة المعمول بها في ولايات مثل كاليفورنيا.

هناك أيضًا قلق من أن القانون الفيدرالي من شأنه أن يضع الكثير من عبء الإنفاذ على وكالة واحدة، هي لجنة التجارة الفيدرالية، وفق الصحيفة.

كانت لينا خان رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية، أعلنت أواخر يوليو الماضي، أنها ستكبح جماح نفوذ أكبر شركات التكنولوجيا بطريقة جديدة.

وقالت خان: "نحن نحاول أن نتطلع إلى الأمام، ونتوقع المشكلات ونتخذ إجراءات سريعة"، مضيفة: "لقد وعدت بالتركيز على تقنيات الجيل التالي، وليس فقط على المجالات التي كانت فيها الشركات التقنية العملاقة راسخة".

وبالفعل، اتخذت خان خطوتها الأولى نحو وقف الاحتكارات التكنولوجية في المستقبل، عندما طعنت في عرض ميتا لشركة الواقع الافتراضي إنسايد، بحجة أن الشركة كانت لاعبًا رئيسًا في الواقع الافتراضي، وبذلك تحاول "شراء طريقها إلى القمة" بدلاً من التنافس على مزاياها الخاصة.

خنق المنافسين

وبينت "فايننشال تايمز" أن قضية الاستحواذ على الشركات الناشئة، التي تعد غير عادية إلى حد كبير لأنها تتضمن استحواذًا صغيرًا لبدء التشغيل بدلاً من الاندماج بين عملاقين، تتماشى مع جوهر نموذج عمالقة التكنولوجيا، في اقتناص المنافسين المحتملين في مهدهم.

على سبيل المثال -حسب الصحيفة- ضمنت عملية استحواذ ميتا على أوكيولوس في آر -وكانت شركة وليدة- أن نظام التشغيل الواعد المبتدئ لا ينافس نظام التشغيل الخاص بها، وبالمثل، فإن استحواذها على إنستغرام وواتس آب منع هذه الشركات من أن تصبح منافسة على الشبكات الاجتماعية.

وأوضحت الصحيفة، أن ميتا ليست الوحيدة التي تؤدي هذه الأدور من الاستحواذ على الشركات الناشئة أو الوليدة، فقد اتهمت شركات ناشئة عدة أمازون بالحصول على تقنيتها لإطلاق منتجات منافسة، كما ضمت غوغل المئات من المنافسين أيضًا.

أمام ذلك، بينت الصحيفة، أنه "إذا نجحت عمليات الاستحواذ الحالية  -التي ستستمر سنوات- سوف تغير بشكل كبير أسلوب عمالقة التكنولوجيا المتمثل في خنق المنافسين الشباب".

وأشارت إلى أن كل ذلك سيبدأ بدوره في تقويض تأثير الشبكة -الذي سبق أن سمح لأكبر الشركات بالوصول إلى هذا الحجم وذلك التركيز- حتى أنه قد يفتح الباب أمام تفكك المنصات، وهو أمر يجب على المستثمرين التنبه له.

وتنص قواعد الاتحاد الأوروبي على أنه يجب على عمالقة التقنية الحفاظ على "مستوى الأمان، بما في ذلك التشفير من طرف إلى آخر، حيثما انطبق ذلك"، لكن خدمات المراسلة لا تستخدم نهج التشفير نفسه، إذ إن تشفير رسائل "واتساب" و"آي مسج" بين طرفي المحادثة من دون مرور بالخوادم، بينما لا تُشفر رسائل "فيسبوك مسنغر" و"مايكروسوفت تايمز" من دون تدخل المستخدم، ما يجعل الربط بينها صعبًا، كما واجهت "ميتا" مشكلة في تنسيق التشفير عبر أنظمتها الأساسية.