هل فشلت العقوبات الغربية على روسيا؟

سببت بعض المستجدات العالمية، تحديات غير متوقعة لنظام العقوبات الغربي

هل فشلت العقوبات الغربية على روسيا؟

ترجمات - السياق

مع دخول حرب أوكرانيا شهرها السابع، يعرب عدد متزايد من صانعي السياسة والخبراء والمسؤولين، عن مخاوفهم من أن العقوبات الغربية ضد روسيا قد فشلت في تحقيق الأثر المنشود، حسب تقرير لمجلة ناشيونال إنترست الأمريكية.
ووفقًا للبيانات التي نشرتها خدمة الإحصاء الفيدرالية الروسية "Rosstat"، تقلص الاقتصاد الروسي بنسبة 4 في المئة على أساس سنوي خلال الربع الثاني.
وأشارت المجلة إلى أن هذا الهبوط -رغم أهميته من حيث القيمة المطلقة- لم يكن بالشكل الذي توقعه المراقبون الروس وبعض المراقبين الغربيين.
وقال سيرغي كونيغين الخبير الاقتصادي في بنك سينارا للاستثمار لـ "رويترز": "بيانات يونيو تشير إلى أن الانكماش في الاقتصاد الروسي يبدو أنه وصل إلى أدنى مستوياته مع استقرار الوضع في بعض الصناعات".

فشل الاستراتيجية الغربية
وحسب "ناشيونال إنترست" زعم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان -في خطاب ألقاه الشهر الماضي- أن استراتيجية عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا فشلت.
وأضاف -خلال كلمة ألقاها في رومانيا- أن "أي استراتيجية جديدة يجب أن تركز على محادثات سلام وصياغة اقتراح سلام جيد... بدلاً من فكرة كسب الحرب"، وفق "رويترز".
ولفت إلى أن الاستراتيجية الغربية استندت إلى 4 ركائز: "أن أوكرانيا يمكنها كسب الحرب ضد روسيا بأسلحة حلف شمال الأطلسي، وأن العقوبات ستضعف روسيا وتزعزع استقرار قيادتها، وأن العقوبات ستضر روسيا أكثر من أوروبا، وأن العالم سيصطف لدعم أوروبا".
غير أنه أوضح لأنصاره أن هذه الاستراتيجية فشلت وأسعار الطاقة ارتفعت، وهناك حاجة لاستراتيجية جديدة، مشيرًا إلى أن الحكومات في أوروبا تنهار "مثل لعبة الدومينو"، وقال: "نحن نجلس في سيارة بها ثقب في الإطارات الأربعة، من الواضح أنه لا يمكن الفوز بالحرب بهذه الطريقة"، مردفًا أن "أوكرانيا لن تفوز بالحرب بهذه الطريقة لأن الجيش الروسي يتمتع بأفضلية كبيرة".
كان أوربان قد أعلن أن المجر غير مستعدة لدعم الحظر الأوروبي على واردات الغاز الروسية أو القيود على تلك الواردات، قائلاً إن ذلك سيقوِّض اقتصاد بلاده.
وحسب المجلة الأمريكية "سببت بعض المستجدات العالمية، تحديات غير متوقعة لنظام العقوبات الغربي".
أول هذه التحديات، أن البنك المركزي الروسي اتخذ إجراءات سريعة بأعقاب الغزو الأوكراني في فبراير الماضي، لحماية الروبل من القيود المالية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وأشارت إلى أنه بعيدًا عن أن يتحول إلى "ركام"، كما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في مارس الماضي، أصبح الروبل أحد أقوى العملات أداءً في العالم هذا العام.
وبينت أنه حتى في الوقت الذي تتخذ فيه موسكو خطوات غير مسبوقة في مجال الاقتصاد الكلي، لاحتواء الضرر الناجم عن العقوبات، يعمل صُناع السياسة الروس على صقل أدواتهم للتهرب من إجراءات عقابية محددة أو تخفيفها.
لكن حسب بيانات جامعة ييل الأمريكية، أشار مؤيدو نظام العقوبات إلى أن أكثر من 1000 شركة "قلصت عملياتها" في روسيا.

واقع معقد
ورأت "ناشيونال إنترست" أنه رغم أن الانسحاب المالي بقيادة الغرب من روسيا يبدو ساحقًا، فإن الواقع على الأرض أكثر تعقيدًا.
ووفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن إذاعة صوت ألمانيا (دويتشه فيله)، فقد نجحت السلطات الروسية في تمكين مجموعة واسعة من مخططات "الاستيراد الموازي".
وأشار التقرير إلى أنه بدءًا من منتجات جينز (ليفي)، حتى أجهزة آيفون وآبل، لا تزال المنتجات الشائعة والفاخرة مُتاحة للشراء في المراكز الحضرية بروسيا، رغم أن هذه الشركات المصنعة لم تعد تزود الأسواق الروسية بشكل مباشر.
وبيّنت "دويتشه فيله" أن هذه البضائع تصل عادةً إلى روسيا عن طريق الواردات غير المصرح بها من الكيانات الموجودة في دول الاتحاد السوفييتي السابق، بما في ذلك كازاخستان وبيلاروسيا وأرمينيا.
وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن موسكو فتحت الباب على مصراعيه لهذه الأنشطة، من خلال رفع القيود المفروضة على إعادة بيع أنواع كثيرة من البضائع المشتراة في الخارج.
ووفقًا لنائب رئيس الوزراء وزير الصناعة والتجارة دينيس مانتوروف، بلغ إجمالي هذه المعاملات، المعروفة أيضًا بمبيعات السوق الرمادية 6.5 مليار دولار منذ مايو، ومن المتوقع أن تصل إلى 16 مليار دولار بحلول نهاية العام.
المنتجات والخدمات الأخرى أيضًا، متوفرة من خلال إعادة تصميم العلامة التجارية والمشاريع المقلدة.
وأشارت المجلة، إلى أنه تم استبدال بشركتي ماكدونالدز وستاربكس، اللتين توقفت عملياتهما في روسيا في الأشهر التي أعقبت غزو أوكرانيا، شركات لاحقة تقدم منتجات متطابقة تقريبًا تحمل علامات تجارية مماثلة.
وأفادت بأنه "عادةً ما تضع المحاكم حدًا سريعًا لهذه الشركات المقلدة، لكن النظام القانوني في روسيا ليس في حالة مزاجية، تسمح له بمقاضاة هذه الشركات، في وقت عداء غير مسبوق بين موسكو والغرب".

التحدي الأكبر
وحسب "ناشيونال إنترست" ربما يكون التحدي الأكبر بعيد المدى لحملة الغرب للضغط على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا، أن القوى الاقتصادية العظمى في العالم لم ترفض الانضمام إلى نظام العقوبات الذي تقوده واشنطن فحسب ، بل استمرت في تعميق علاقاتها التجارية والمالية بموسكو.
فقد كثفت الهند والصين وتيرة وارداتهما من الطاقة الروسية خلال نصف العام الماضي، فضلًا عن تقارير موثوقة تؤكد بيع النفط الروسي المكرر إلى مستوردين أوروبيين وأمريكيين.
أمام ذلك، ارتفعت أرباح روسيا من صادرات الطاقة بشكل كبير في أعقاب وابل عقوبات الغرب هذا العام.
ويرى خبراء أن آثار العقوبات في روسيا قد تستغرق سنوات لتظهر بشكل واضح، وحتى في هذه الحالة، ليس هناك ما يضمن أن الركود الاقتصادي المتوقع سيحدث على نطاق كافٍ لتجويع آلة حرب الكرملين، أو إحداث تغييرات إيجابية ذات مغزى في السياسة الخارجية لروسيا.
في المقابل، تعتقد موسكو -بدافع من اقتناعها بأن مصالحها الوجودية تتوقف على الانتصار في أوكرانيا- أن بإمكانها الصمود أكثر من الغرب اقتصاديًا وفي ساحة المعركة.
تمكنت روسيا -حتى الآن- من تخفيف آلام العقوبات، كما أنها تحول استراتيجيتها في أوكرانيا، من محاولة الاستيلاء بسرعة على المدن الكبرى، إلى استنزاف القوات الأوكرانية في حرب طاحنة.
في غضون ذلك، يعاني المستهلكون الأوروبيون ارتفاع فواتير التدفئة والكهرباء، حيث يتدافع المسؤولون لاحتواء أزمة الطاقة التي أطلقها ما وصفها الخبراء بخطة الاتحاد الأوروبي سيئة التصميم، للانتقال بعيدًا عن واردات الطاقة الروسية.
وأشارت المجلة، إلى أنه مع تأرجح ألمانيا على شفا الركود، أعادت التحديات الاقتصادية المتزايدة في أوروبا إشعال المخاوف من أن دول الاتحاد الأوروبي قد تبدأ الابتعاد عن نظام العقوبات الغربية.
ورأت أنه حتى قبل أن تهدد شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم رسميًا بقطع العملاء الأوروبيين عن إمدادات الغاز، أظهرت استطلاعات الرأي أن أغلبية الأوروبيين -بمن في ذلك 49 في المئة من الألمان- يفضلون السياسات التي تهدف إلى تسهيل تسوية تفاوضية، بدلاً من التعنت مع روسيا.
وأوضحت أنه مع استمرار الحرب، وعدم وجود نهاية تلوح في الأفق، فإن هذه الاتجاهات المتنامية تخاطر بتقسيم الجبهة المتحدة للغرب بشأن أوكرانيا، في وقت أقرب من تمكن نظام العقوبات من إلحاق خسائر فادحة بالاقتصاد الروسي.