فورين بوليسي: لماذا تحتضن إندونيسيا هواوي؟

إذا كانت الولايات المتحدة تريد التنافس مع الصين في البلدان النامية، فعليها أولًا تقديم مساعدة ملموسة، استجابةً للاحتياجات الحقيقية لهذه البلدان.

فورين بوليسي: لماذا تحتضن إندونيسيا هواوي؟

ترجمات - السياق 

تساءلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، عن أسباب احتضان إندونيسيا، لشركة هواوي الصينية، رغم الحظر الأمريكي بحقها، مشيرة إلى أنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد التنافس مع الصين في البلدان النامية، فعليها أولًا تقديم مساعدة ملموسة، استجابةً للاحتياجات الحقيقية لهذه البلدان.

وفي أكتوبر الماضي، أقر مجلس الشيوخ الأمريكي –بالإجماع- قانونًا لتشديد القيود على شركات اتصالات صينية، بينها مجموعة الاتصالات العملاقة "هواوي".

ويحظر القانون "لجنةَ الاتصالات الفدرالية" (FCC) من فحص أو إصدار ترخيص لمعدات جديدة من 5 شركات اتصالات صينية كبرى، عدَّها "مصدر خطر على الأمن القومي الأميركي".

والشركات الصينية تشمل عملاقي الاتصالات "هواوي" و"زد تي إي"، إضافة إلى "داهوا"، و"هيتيرا"، و"هيكفيغن".

وتكافح شركة هواوي، أول علامة تجارية عالمية للتكنولوجيا في الصين، للاحتفاظ بحصتها في السوق العالمية، بعد العقوبات الأمريكية التي دمرت مبيعاتها للهواتف الذكية، حيث كانت من بين الأعلى في العالم، وتعد الشركة أيضًا أكبر صانع لمعدات الشبكات التي تستخدمها شركات الهاتف والإنترنت.

وتقول واشنطن إن "هواوي" تشكل مخاطر أمنية، وقد تُسهل عمليات تجسس صينية، وهو اتهام تنفيه الشركة.

وتمنع العقوبات الأمريكية إمكانية الوصول إلى رقائق وخدمات المعالجات الأمريكية، بما في ذلك "غوغل" وتطبيقات أخرى.

وتصمم "هواوي" رقائقها الخاصة، لكن يُمنع المصنعون من استخدام التكنولوجيا الأمريكية المطلوبة لإنتاجها.

شراكة موثوقة

وبينت "فورين بوليسي" أنه رغم أن الصين ليست ذات موثوقية كبيرة في إندونيسيا، فإن شركات التكنولوجيا الصينية -خاصة "هواوي" و"زد تي إي"- أصبحت موثوقة في مجال الأمن السيبراني للبلاد.

وأشارت إلى هذه الموثوقية، جاءت من خلال توفير بكين التكنولوجيا والتدريب للكثير من القوى العاملة والمسؤولين الحكوميين المكلفين بالأمن السيبراني في إندونيسيا.

ورأت أن هذه النجاحات التكنولوجية الصينية في إندونيسيا تقدم دروسًا واقعية للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، ليس فقط في إندونيسيا، التي يزيد عدد سكانها على 270 مليون نسمة، لكن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أيضًا، بضرورة البحث عن موضع قدم (تكنولوجيًا) في هذه البلدان قبل فوات الأوان.

وشددت على أنه "ما لم يحاول صانعو السياسة في واشنطن فهم أسباب انتشار "هواوي" و"زد تي إي"، فلن يواجه عمالقة التكنولوجيا الصينيون أي منافسة جادة، أثناء مناورتهم لتدريب قطاعات شاسعة من القوى العاملة الرقمية في القرن الحادي والعشرين"، لافتة إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها ظلوا سنوات في حالة عزل تام عن نقاط الضعف الأمنية المتصورة للاعتماد على التكنولوجيا الصينية.

وأشارت إلى أنه بدءًا من عام 2010، بدأ حلفاء الولايات المتحدة المخلصون مثل أستراليا في الحد من مشاركة "هواوي" في البنية التحتية لتكنولوجيا اتصالات المعلومات، وقد بلغ ذلك ذروته -نهاية المطاف- بفرض قيود صارمة، وفي بعض الأحيان استثناءات صريحة، لـ "هواوي" وأقرانها مثل "زد تي إي".

وكشفت المجلة، أنه "مع بعض الاستثناءات البارزة بما في ذلك فيتنام والهند، لا يزال العالم النامي يرحب بشركات التكنولوجيا الصينية كمزودي البنية التحتية للاتصالات والتدريب الذي تشتد الحاجة إليه".

وأوضحت أن هذه الشركات دخلت السوق الإندونيسية أول مرة أواخر التسعينيات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقد ظهرت كمورد أساسي للبنية التحتية للاتصالات في إندونيسيا، والتدريب الذي من شأنه تمكين القوة العاملة في الاقتصاد الرقمي المزدهر في البلاد.

وأفادت بأن هواوي، على سبيل المثال، لديها بالفعل -بهامش كبير- الحصة الأكبر من سوق معدات الاتصالات في إندونيسيا.

أسباب الانتشار

وعن أسباب انتشار هذه الشركات، في هذه البلدان، رغم عدم الموثوقية الشديدة ببكين، بينت "فورين بوليسي"، أن السعر المنخفض نسبيًا لمجموعات هواوي وزد تي إي، سبب مهم من هذه الأسباب، مشيرة إلى أنه حسب بعض التقديرات، فإن البنية التحتية للاتصالات الصينية أرخص بنسبة تصل إلى 30 في المئة من منافسيها.

لكن -حسب المجلة- "يبدو أن انخفاض السعر ليس السبب الوحيد في لجوء بلدان مثل إندونيسيا إلى التكنولوجيا الصينية"، مشيرة إلى أنه يُنظر إلى شركات التكنولوجيا الصينية كشركاء لتحقيق أهداف الاقتصاد الرقمي الكبير لإندونيسيا وتجاوز تحديات الأمن السيبراني الهائلة.

وأشارت إلى أنه رغم أن الاقتصاد الرقمي يُعد أمرًا محوريًا في خطط الحكومة الإندونيسية، لجعل البلاد ضمن أكبر 10 اقتصادات عالمية بحلول عام 2030، فإن الدولة تواجه أيضًا نقصًا هائلاً في المهارات بمجال تكنولوجيا اتصالات المعلومات، حيث يتوقع البنك الدولي أنها ستحتاج إلى 9 ملايين عامل إضافي بحلول عام 2030.

وفي الوقت نفسه -حسب المجلة- تعد إندونيسيا من البلدان الأكثر عُرضة للهجمات الإلكترونية على مستوى العالم.

ووفقًا لوكالة الإنترنت والتشفير الوطنية في إندونيسيا، شهدت البلاد 1.4 مليار هجوم إلكتروني، أو شذوذًا في حركة المرور على الويب عام 2021، مشيرة إلى أنه عام 2017، اقترب عدد الهجمات الإلكترونية من 200 مليون فقط، وقُدر حينها أنها كلفت البلاد 34.2 مليار دولار.

أمام هذه التحديات، بينت المجلة الأمريكية، أنه رغم الشكوك العميقة في نية شركات التكنولوجيا الصينية، فقد قدمت "هواوي" و"زد تي إي" نفسيهما على أنهما الحل لتحدي إندونيسيا المزدوج المتمثل بالنقص الوشيك في المهارات التقنية ومواجهة انتشار الهجمات الإلكترونية.

تدريب

من بين الأسباب التي ساهمت أيضًا بانتشار شركات التكنولوجيا الصينية في إندونيسيا، بينت "فورين بوليسي"، أنه عام 2020، تعهدت هواوي بتدريب 100 ألف إندونيسي على المهارات الرقمية الأساسية، بما في ذلك الحوسبة السحابية وخدمات (5 G).

كما تتعاون هواوي مع جامعات إندونيسية لتقديم دورات تدريبية قصيرة مجانية وشهادات في تطوير التطبيقات والمهارات الأخرى.

ونقلت المجلة الأمريكية عن أحد الأكاديميين الإندونيسيين -لم يذكر اسمه- قوله: "هواوي" تعمل على توسيع نطاق انتشارها من خلال السعي إلى الشراكة مع المزيد من الجامعات المحلية ومقدمي خدمات التعليم.

وتقدم "هواوي" أيضًا تدريبًا للحكومة الإندونيسية، حيث بينت تقارير محلية أن الشركة دربت نحو 7 آلاف مسؤول منذ عام 2019.

وحسب المجلة، رغم أن إندونيسيا كانت ضحية للتجسس الإلكتروني الصيني المتطور، فإن عمليات التدريب الذي تقدمه شركات التكنولوجيا الصينية يمثل حلاً للعديد من أصعب تحديات الأمن السيبراني في البلاد.

فبالنسبة لإندونيسيا -تضيف المجلة- فإن تهديد التجسس السيبراني القائم على الدولة يقع أسفل قائمة المخاوف الأمنية عند مقارنته بالجرائم الإلكترونية أو تقديم المعلومات المضللة، التي ترتكبها جهات فاعلة غير حكومية، مشيرة إلى أنه إضافة إلى الخسائر المالية للشركات الإندونيسية وسرقة الهوية والاحتيال للإندونيسيين العاديين، فإن هذه التهديدات تعرض الاستقرار الاجتماعي والسياسي للبلاد للخطر. 

شركاء

وترى "فورين بوليسي" أنه مع تقديم شركات التكنولوجيا الصينية (التدريب والتكنولوجيا والممارسات الأمنية لتقليل نقاط الضعف في الجرائم الإلكترونية، والمهارات والتكنولوجيا اللازمة لإدارة مجال المعلومات ، فإن الحكومة الإندونيسية تعد شركات مثل هواوي "شركاء"، وليست مجرد شركات استثمارية في البلاد.

واستدلت المجلة على ذلك، بأن الوكالة الوطنية للفضاء الإلكتروني والتشفير في البلاد وقعت مذكرة تفاهم مع شركة هواوي بشأن بناء قدرات الأمن السيبراني عام 2019، ثم تمت ترقية هذه الاتفاقية إلى اتفاقية ثلاثية الأطراف مع معهد تكنولوجيا إندونيسي رائد عام 2021.

وأشارت إلى أنه بينما قد تشكك الولايات المتحدة وشركاؤها في أن هذه الشركات قد تستخدمها بكين في مجالات استخباراتية وتجسس، إلا أنه بالنسبة لإندونيسيا فإن مزايا التدريب والتكنولوجيا التي توفرها هذه الشركات تأتي في مرتبة أهم من هذه الشكوك.

أمام هذه التحديات، دعت "فورين بوليسي" الإدارة الأمريكية لضرورة التحرك سريعًا، ودفع شركاتها التكنولوجية الرائدة لتقديم برامج تدريب تقني مجانية أو على الأقل مدعومة بشكل كبير في إندونيسيا وأماكن أخرى في المحيطين الهندي والهادئ.

ورأت أن هذه المبادرات، إضافة إلى أنها ستحد من انتشار الشركات الصينية هناك، فإنها ستكون موضع ترحيب من حلفاء وشركاء الولايات المتحدة الرئيسين، حيث تشعر دول مثل اليابان وأستراليا والهند بقلق مماثل من صعود شركات التكنولوجيا الصينية عبر المحيطين الهندي والهادئ، ومن ثمّ فإن هذه الدول ستدعم بقوة هذه المبادرة الأمريكية.

وأضافت المجلة: "الولايات المتحدة وحلفاؤها وشركاؤها غائبون عن السوق التكنولوجي في إندونيسيا والاقتصادات النامية الرئيسة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".