السعودية بين أمريكا والصين
الصين تحاول انتهاز فرصة تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة، لوضع موطئ قدم لها، خصوصًا مع استياء عدد كبير من دول المنطقة من سياسة بايدن المتعلقة بالتقرب من إيران

ترجمات - السياق
منذ 18 يناير 2020، لم يغادر الرئيس شي جين بينغ حدود الصين، بسبب جائحة كورونا، لكنه -وفقًا للتقارير الأخيرة- يخطط للمغامرة بالخارج لزيارة الرياض، وهي علامة ملموسة على تعزيز العلاقات بين البلدين.
وحسب إذاعة موزاييك، يأمل بعض السعوديين، الذين يرون رغبة الولايات المتحدة في استيعاب إيران ولعب دور أصغر في الشرق الأوسط، أن تثبت بكين أنها شريك أكثر موثوقية وسهولة في التعامل.
وحيال هذه الزيارة، يرى الدكتور برنارد هيكل، أحد أبرز الخبراء الغربيين المهتمين بشؤون الجزيرة العربية، والمحلل السياسي السعودي محمد اليحيي، الأستاذ المشارك في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، أن هذه الخطوة ستكون ضارة للمصالح الأمريكية والسعودية.
ففي محادثة مع مايكل دوران -الزميل بمعهد هدسون- عبر الإذاعة، تناولا -هيكل واليحيي- أسباب الإغراء الصيني، فضلاً عن الحالة الأوسع لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة، واتفاقات أبراهام، والتهديد الإيراني، وغير ذلك الكثير.
يأتي الحديث عن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للرياض قريبًا، بعد نحو شهر من زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعودية، ما دفع المراقبين للتساؤل عن تأثير هذه الزيارة في العلاقات الأمريكية السعودية.
وحسب المراقبين، ترى بكين أن التوتر بين واشنطن والرياض فرصة يجب استغلالها، خصوصًا أنها تعد بالفعل أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية، لكن مع تركيز الرياض على تنويع اقتصادها، ترى بكين طُرقًا جديدة لتوسيع العلاقات التجارية، قد تشمل التعاون العسكري.
تفاصيل الزيارة
وكانت صحيفة غارديان البريطانية، ذكرت أن السعودية تخطط لإقامة حفل استقبال لـ "شي"، يشبه ذاك الذي مُنح للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في أول رحلة له إلى الخارج كرئيس، من دون أن تذكر من أين حصلت على المعلومات.
وأضافت أن الاستقبال الذي يجرى تحضيره للزعيم الصيني "يتناقض بشكل صارخ مع ما مُنح للرئيس الأمريكي جو بايدن"، ما يعكس العلاقات المتوترة بين البلدين.
ورأت أن الرئيس الصيني يعتزم "تعزيز الروابط بين بكين والرياض"، وتقديم الصين على أنها حليف للمملكة العربية السعودية، في وقت تتراجع علاقتها مع واشنطن.
وأشارت إلى أن الصين الشريك التجاري الأهم للمملكة العربية السعودية، فالصين المشتري الأكبر للنفط السعودي.
وذكرت أن الصين لم تتخذ أي موقف تجاه حرب المملكة على اليمن، أو قطعها للعلاقات مع قطر، أو قضية قتل جمال خاشقجي.
وبيّنت أنه استعدادًا للزيارة، التي من المتوقع أن تشمل الرياض وجدة ومشروع مدينة نيوم الضخم، ستُرفع آلاف اللافتات الصينية المرحبة بالرئيس، وستُدعى مئات الشخصيات المرموقة.
برنارد هيكل
استهل برنارد هيكل حديثه خلال المحادثة مع دوران، بتأكيد أن الرئيس الصيني سيزور الرياض قبل نهاية العام، مشددًا على أن هذه الزيارة تأتي في ظل علاقات سعودية صينية جيدة جدًا، حيث تمت الاتفاقات بين الجانبين على الوجه الأمثل، سواء المتعلقة بالنفط أم الطاقة أم التعدين، وحتى تطوير الصواريخ.
وأشار إلى أن الصينيين يحاولون انتهاز فرصة تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة، لوضع موطئ قدم لهم، خصوصًا مع استياء عدد كبير من دول المنطقة من سياسة بايدن المتعلقة بالتقرب من إيران.
وأبدى هيكل استغرابه من تراجع الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، مشددًا على أن المواجهة مع الصين لا يمكن أن تنجح فيها واشنطن من دون كسب الشرق الأوسط إلى صفها، قائلًا: "بغرابة، لا أرى كيف يمكن لواشنطن مواجهة الصين من دون التفكير في الشرق الأوسط".
لذا -يضيف الخبير المهتم بالمنطقة- فإن سياسة الولايات المتحدة غريبة ويصعب فهمها، خصوصًا أنه في الوقت الذي تتقارب فيه مع إيران -الدولة التي ترعى الإرهاب- ترد طهران بمحاولة اغتيال الكاتب سلمان رشدي، الذي تعرض لاعتداء إرهابي داخل الأراضي الأمريكية، الاعتداء الذي أيدته طهران، حسب هيكل.
ومن ثمّ -يضيف هيكل- فإن قرار الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بتخفيف دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يأتي في ظل عقد صفقة مع إيران، في إشارة إلى اتفاق عام 2015 الذي يضمن عدم تقدم إيران في برنامجها النووي مقابل وقف العديد من العقوبات عليها.
ووصف هيكل، قرار أوباما، بأنه غير عملي، ولا يستند إلى حقائق، مشيرًا إلى أن إدارة بايدن تشارك نظيرتها الديمقراطية السابقة الفكرة نفسها، متناسية أن هذه القرارات تنفر الحلفاء الاستراتيجيين بعيدًا عن واشنطن.
وأشار إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كانت له وجهة نظر مختلفة، تمثلت في ضرورة الوقوف بجانب الحلفاء الاستراتيجيين (الخليج)، والضغط على الأعداء (الإيرانيين).
وأضاف: "صحيح قد تكون الولايات المتحدة في حاجة ماسة إلى الصلح مع إيران، إلا أن الإيرانيين لا يبدون أي إشارات للتعاون مع واشنطن"، مشيرًا إلى أن المرشد الأعلى علي خامنئي رفض إجراء المفاوضات النووية بشكل مباشر مع واشنطن، وإنما من خلال وسطاء أوروبيين وروس، واصفًا ذلك الأمر بأنه "نوع من الإذلال المستمر الذي يبدو أن الولايات المتحدة مستعدة لتقبله، وآخرها محاولة قتل رشدي".
في المقابل -يضيف هيكل- يرى الصينيون، أن في التخبط الأمريكي تجاه الشرق الأوسط، فرصة للتحرك واكتساب موطئ قدم في هذه المنطقة المهمة، من خلال إقامة علاقات جيدة مع السعوديين.
وأشار إلى أن الصينيين يفضلون التقرب إلى السعوديين أكثر من الإيرانيين، لأنهم "ببساطة أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية"، لدرجة أنهم يقولون للسعوديين مرارًا: "انظروا، كل ما تريدونه، سنفعله".
محمد اليحيى:
وبالانتقال إلى اليحيي، فقد أوضح أنه يؤيد ما قاله هيكل، مشيرًا إلى أن العلاقة بين السعودية والصين لا يمكن وصفها بالناشئة، لأنها طويلة الأمد.
وأوضح أن الصين الشريك التجاري الأكبر للسعودية، وأكبر مشترٍ للنفط السعودي في الآونة الأخيرة، حيث حلت مكان الولايات المتحدة التي كانت أكبر مشترٍ للنفط السعودي.
وشدد على أن للصينيين مصالح متطابقة مع الجانبين "الإيراني والمملكة العربية السعودية"، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بممرين مائيين استراتيجيين للغاية هما هرمز وباب المندب.
وأشار إلى أنه بالطريقة نفسها التي تنظر بها الولايات المتحدة إلى تلك النقاط الاستراتيجية القصيرة، على أنها مهمة للتدفق الحر للطاقة، ولاقتصادهم الخاص لمحاربة التضخم، وما إلى ذلك، فإن الصينيين لديهم الاهتمام نفسه، لذلك سيعملون على تأمين استقرار هذه المنطقة، حتى لا تتعرض مصالحهم لأي خطر.
لذا -حسب اليحيي- بينما تحاول الولايات المتحدة ترك ذلك المسرح من أجل التنافس مع الصين، تدخل الصين ذلك المسرح من أجل التنافس في الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن بكين تتطلع للتداخل في كل شيء، من "بناء قواعد عسكرية، والدخول في الصناعة العسكرية، واستغلال الفراغ الذي ستحدثه واشنطن بعد تخفيف وجودها في المنطقة".
تجدر الإشارة إلى أن خطاب الرئيس بايدن في السعودية طمأن الكثير من المراقبين بشأن الوجود الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أنه اعترف بمخاوف البعض من تخفيفه، وعلق على ذلك بقوله: "لن نغادر الشرق الأوسط... لن ننسحب".
وأضاف بايدن: "لن نتخلى عن الشرق الأوسط ولن نترك فراغًا تملأه الصين أو روسيا أو إيران... سنسعى للبناء على هذه اللحظة بقيادة أمريكية فاعلة وذات مبادئ".
ويعلق اليحيي على تصريح بايدن قائلًا: "الآن، أكبر تهديد لهذا الوضع الراهن، ليس بالطبع الاتحاد السوفييتي ولا روسيا ولا غيرهما، بل هو في الواقع الصين"، خصوصًا أن الصينيين يقدمون مبيعاتهم العسكرية أو التكنولوجية (من دون قيود)، وهي أمور عانى بسببها الشرق الأوسط كثيرًا في علاقاته مع واشنطن.