هل توقف شي جين بينغ عن الاهتمام بالاقتصاد الصيني؟

بذبح بقرة مقدسة تلو الأخرى، دمر شي الصناعات المربحة بكلمة واحدة، وأغلق المدن الكبرى لأشهر عدة في كل مرة، وسعى إلى عزل الصين عن الأسواق الدولية، تحت دعاوى الإغلاق أمام انتشار كورونا

 هل توقف شي جين بينغ عن الاهتمام بالاقتصاد الصيني؟

ترجمات - السياق

"هل توقف شي جين بينغ عن الاهتمام بالاقتصاد الصيني؟"، هكذا تساءلت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، عن سبب تراجع اهتمام الرئيس الصيني باقتصاد بلاده مؤخرًا، مشيرة إلى أنه بينما كان النمو الاقتصادي مقدسًا، فإن "شي" بات يضحّي به من أجل سيطرة سياسية وأيديولوجية أكبر.

ويخطط "شي" -69 عامًا- للفوز بولاية ثالثة، خلال انتخابات الحزب الشيوعي الصيني المقررة في نوفمبر المقبل.

وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أنه لعقود من الزمان، كانت الإدارة القادرة للاقتصاد والسياسات التي تعزز النمو القوي حجر الزاوية لاستراتيجية الحزب الشيوعي الصيني، للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، لكن قرارات الرئيس شي جين بينغ السياسية، خصوصًا منذ بداية جائحة كورونا، تُظهر أن هذه الحقبة انتهت على الأرجح.

 

تدمير الصناعة

وقالت "ناشيونال إنترست": "بذبح بقرة مقدسة تلو الأخرى، دمر شي الصناعات المربحة بكلمة واحدة، وأغلق المدن الكبرى لأشهر عدة في كل مرة، وسعى إلى عزل الصين عن الأسواق الدولية، تحت دعاوى الإغلاق أمام انتشار كورونا".

وحسب المجلة، صوَّر المحللون هذه التحركات على أنها أخطاء فادحة وضعت شي أمام تحديات عدة داخل الحزب، ومع ذلك يبدو أن الرئيس الصيني يُفضل هذا الوضع. 

ولفتوا إلى أن رؤيته للحفاظ على الاستقرار تتطلب سيطرة سياسية وأيديولوجية متطرفة، وبذلك "أصبح على أتم الاستعداد للتضحية بالتقدم الاقتصادي لتحقيق ذلك".

العام الماضي، فاجأت قيادة الحزب، المراقبين بإطلاق حملة تنظيمية واسعة النطاق على قطاع التكنولوجيا في الصين، والعقارات، والعملات المشفرة، وصناعة الدروس الخصوصية، وأكثر من ذلك بكثير، فقد تمت ملاحقة الملياردير جاك ما صاحب مجموعة علي بابا، إذ عُدَّت التحقيقات ضد شركته آنت جروب، مجرد ضربة أولى في حملة كبرى تستهدف عمالقة التكنولوجيا، وهي الحملة التي كلفت المستثمرين أكثر من تريليون دولار وتركت الصناعة راكدة.

كما أدت عاصفة من الغرامات وعمليات التطهير واللوائح إلى أزمة تمويل في قطاع العقارات، ما أدى إلى انخفاض أرقام النمو الإجمالية.

وأفادت المجلة بأن المراسيم القاسية وغير المتوقعة -التي تمنع الشركات التي تقدم دروسًا خصوصية من السعي وراء الأرباح، أو طرح أسهمها للاكتتاب العام، أو زيادة رأس المال الأجنبي- قضت على الكثير من قيمة الشركات الرائدة وسببت "أزمة وجودية" للصناعة.

ومع ذلك -حسب المجلة- كان الخيار الوحيد الأكثر تكلفة هو إصرار شي على الالتزام بسياسة "صفر كورونا"، التي يطلق عليها الآن "ديناميكية صفر كورونا".

وبينت المجلة أنه في الوقت الذي اتخذ العالم سياسة أكثر انفتاحًا، مع قبول مستوى معين من التعايش مع الفيروس، أصرت الصين على مواصلة الإغلاق، وفرضت عمليات إغلاق طويلة الأمد في عشرات المدن.

واستشهدت المجلة بـشنغهاي -المدينة الأبرز التي تعرضت لإغلاقات مستمرة بسبب كورونا- حيث فشلت الشركات بمعدلات غير مسبوقة في جميع أنحاء البلاد، خاصة الصغيرة والمتوسطة الحجم.

علاوة على ذلك، أغلقت سياسة "صفر كورونا" أبواب الصين أمام العالم الخارجي، الذي غالبًا ما يتم تصويره في وسائل الإعلام الحكومية على أنه مصدر خطير للعدوى.

بينما أرسل شي إشارات واضحة بأنه لن يكون هناك تراجع عن "صفر كورونا"، لا سيما قبل المؤتمر العشرين للحزب المقرر في نوفمبر المقبل، وقال في يونيو الماضي: "حتى لو كانت هناك بعض التأثيرات المؤقتة في الاقتصاد، لن نعرض حياة الناس وصحتهم للخطر".

 

مخاطر اقتصادية إضافية

ورأت "ناشيونال إنترست" أنه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي، أدت شراكة شي "بلا حدود" مع روسيا والدعم الناعم للإجراءات الروسية إلى مخاطر اقتصادية إضافية.

وأشارت إلى أنه مع تعرض الاقتصاد الروسي لضربات بسبب العقوبات الدولية، تفتح سياسة "شي" الشركات الصينية أمام عقوبات ثانوية وأمور أخرى غير مؤكدة، كما أنه ليس من الواضح أن توثيق العلاقات التجارية مع روسيا يمكن أن يعوض الخسائر الناجمة عن سياسة صفر كورونا.

ورأت المجلة أن موقف الصين من الحرب الروسية الأوكرانية تسبب في توتر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، ما أدى إلى توقف المفاوضات بشأن اتفاقية الاستثمار الشامل التي طال انتظارها بين بروكسل وبكين، إضافة إلى ذلك، فرضت الصين عقوبات على الشركات والأفراد الأوروبيين والأمريكيين وغيرهم من الأجانب في السنوات الأخيرة، التي جاءت في الغالب ردًا على الانتقادات الموجهة لسياسات بكين تجاه هونغ كونغ أو شينجيانغ.

أمام ذلك، كانت التكلفة الاقتصادية الجماعية لسياسات "شي" كبيرة، بما في ذلك انخفاض الإنتاج الصناعي، وهروب رأس المال، وارتفاع معدلات البطالة لا سيما في الفئة السكانية الرئيسة لشباب المدن.

وتشير استطلاعات رأي الاقتصاديين إلى أن نمو الصين سيتباطأ إلى نحو 4 في المئة هذا العام، متجاوزًا هدفه البالغ 5.5 في المئة.

وحسب المجلة، تمتد سياسات شي الاقتصادية الضارة إلى ما هو أبعد من المحاولات المضللة لتصحيح الفقاعات العقارية أو الاستثمار المفرط للحكومات المحلية في البنية التحتية "إنهم يقضون على الصناعات المزدهرة باسم الأهداف الاجتماعية".

أوضح مثال على ذلك -تضيف المجلة- السياسة الوطنية ليوليو 2021 التي تهدف إلى تقليل عبء العمل لطلاب رياض الأطفال حتى الصف الثاني عشر، إذ إنه تحت شعار حماية الأطفال، تنهي هذه السياسة بشكل دائم الخدمات التعليمية التكميلية لطلاب K-12 على الفور، على ألا يتم إصدار أي تصاريح عمل جديدة، وتحويل الخدمات الحالية إلى مؤسسات غير ربحية.

وبينت المجلة أن التعليم الخاص كان من الصناعات المزدهرة، حيث يقدر إجمالي الإيرادات عام 2020 بما يتجاوز 30 مليار دولار، وأواخر الربع الثاني من عام 2021 -مع الطلب الإضافي الناتج عن الوباء- تفاخرت الشركات بأسرع عدد من فرص العمل المتاحة.

لكن تأثير سياسة "شي" الجديدة كان فوريًا وشديدًا، إذ خفضت شركة (الشرقية الجديدة للتعليم والتكنولوجيا) -وهي شركة خدمات تعليمية رائدة- عدد مراكزها التعليمية من 1.669 في مايو 2021 إلى 744 بحلول مايو 2022 وشهدت انخفاضًا بنسبة 51.6% في الإيرادات خلال الفترة نفسها.

هناك صناعة أخرى تم قمعها، بدعوى الحفاظ على الأطفال، هي الألعاب، إذ تمتلك الصين أكبر سوق للألعاب في العالم، وأكثر أسواق الرياضات الإلكترونية تطورًا.

كانت صناعة الألعاب في الصين حققت 45.5 مليار دولار من الإيرادات المحلية عام 2021 وبلغ إجمالي إيرادات الصادرات 17.3 مليار دولار.

ولكن تم فرض سياسة جديدة عام 2021، تستهدف تحديد وقت لعب معين لمن تقل أعمارهم عن 18 عامًا، وآليات إنفاذ قوية على جميع الألعاب المرخصة في الصين.

كما فرضت الحكومة أيضًا قيودًا صارمة على تراخيص الألعاب التي تمنحها، وبين يوليو 2021 وأبريل 2022 لم توافق على أي تراخيص جديدة.

وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن هذه التصرفات -غير المسئولة- أسهمت في تدمير هذه الصناعة، إذ إنه بين يوليو 2021 ويوليو 2022، خسرت الصين نحو 14000 شركة ألعاب.

 

السياسة في القيادة

وطرحت "ناشيونال إنترست" سؤالًا: "لماذا قاد شي الكثير من السياسات التي تضر بشكل مباشر بالاقتصاد الصيني؟"، وأجابت بأنه غالبًا ما صوَّر المحللون تحركات "شي" على أنها محاولات مضللة لتجنُّب العلل الاقتصادية الأكبر.

وحسب المجلة، تهدف حملات "شي" على قطاعي التكنولوجيا والعقارات إلى منع الفقاعات وإعادة التوازن إلى الاقتصاد، وبذلك فإن سياسة صفر كورونا محاولة لحماية نظام الرعاية الصحية الضعيف في البلاد، بينما تعد القواعد الجديدة في قطاعي التعليم والألعاب نوعًا من "الاستثمار في صحة عمال الصين في المستقبل".

ومع ذلك، فإن هذه التفسيرات تخطئ الصورة الكبيرة، إذ عملت السياسات المكلفة اقتصاديًا على تعزيز سيطرة النظام السياسية والأيديولوجية، سواء على الاقتصاد أم على المجتمع.

وحسب الباحث في جامعة هارفارد جوش فريدمان، فإن ما سماها (حملات القمع ضد عمالقة التكنولوجيا) مدفوعة بدرجة أقل بمحاربة الاحتكار، كما هو الحال في الولايات المتحدة.

وبالمثل، تعكس القيود المفروضة على الاقتراض العقاري والعملات المشفرة مخاوف من أن قوى السوق الخاصة قوية للغاية، وأن الدولة تفقد دورها الريادي في الاقتصاد ويدها الحرة لإملاءات السياسة.

فقد منحت سياسة صفر كورونا "شي" ذريعة مثالية لزيادة سيطرة الحكومة المباشرة على كيفية عيش الصينيين وعملهم وسفرهم، إذ تم دعم هذا التحكم من خلال طرح أشكال جديدة من المراقبة الرقمية، مثل تطبيقات رمز الصحة التي يتعين على المواطنين تنزيلها على جميع هواتفهم.

وأشارت المجلة إلى أن التضييق على التعليم الخاص يمنح الحزب الحاكم سيطرة على ما يتعلمه الشباب، لافتة إلى أنه تم دمج "فكر شي جين بينغ" في المناهج الدراسية الوطنية على جميع المستويات، بما في ذلك المدارس الابتدائية.

ورأت أن بعض مهام "شي" المتمثلة في تحقيق سيطرة أكبر مدفوعة بمخاوف من ازدياد النفوذ الأجنبي الغربي في الصين.

باختصار -حسب "ناشيونال إنترست"- فإن رفض "شي" السماح للمنطق الاقتصادي بقيادة السياسة استراتيجية مدروسة في خدمة السيطرة السياسية والأيديولوجية، ومن ثمّ "يجب ألا يتوقع المراقبون وصُناع السياسة الأجانب من شي أن يُخفف قبضته الاستبدادية على الاقتصاد الصيني أو المجتمع في ولايته الثالثة".