رغم دعم موسكو.. كازاخستان لن تعود إلى الحظيرة الروسية

رسلت روسيا، بناءً على طلب من الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف، قوات إلى كازاخستان، بالاشتراك مع دول "منظمة معاهدة الأمن الجماعي"، لفض احتجاجات بعد رفع الحكومة أسعار الوقود، ما فجر أعمال عنف دامية، وصدامًا بين المواطنين وقوات الأمن في أنحاء البلاد

رغم دعم موسكو.. كازاخستان لن تعود إلى الحظيرة الروسية

ترجمات - السياق

استبعدت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، عودة كازاخستان، إلى ما سمتها -الحظيرة الروسية- رغم تدخل القوات الروسية مؤخرًا، لفض المظاهرات التي خرجت في عموم البلاد، بعد رفع الحكومة أسعار الوقود.

وأرسلت روسيا، بناءً على طلب من الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف، قوات إلى كازاخستان، بالاشتراك مع دول "منظمة معاهدة الأمن الجماعي"، لفض احتجاجات بعد رفع الحكومة أسعار الوقود، ما فجر أعمال عنف دامية، وصدامًا بين المواطنين وقوات الأمن في أنحاء البلاد.

وقالت الصحيفة، في تحليل للكاتبة نرجس كاسينوفا: "لقد اهتزت سمعة كازاخستان في غضون أيام، وانتقلت من دولة واثقة إلى درجة العجرفة، ذات دخل جيد، ودولة تتفاخر بالقدرة على النجاح في تعزيز السلام والاستقرار، إلى دولة مضطربة بسبب الاحتجاجات غير المسبوقة التي شهدتها البلاد".

وأشارت إلى أن الرئيس قاسم جومارت توكاييف، كان قد حدد 11 يناير الجاري، موعدًا نهائيًا لمغادرة القوات الأجنبية، التي دعاها إلى البلاد، للمساعدة في السيطرة على الاضطرابات، موضحة أن دخول قوات "منظمة معاهدة الأمن الجماعي"، التي تقودها روسيا، كانت أول عملية للمجموعة، لمساعدة دولة عضو في التعامل مع أزمة أمنية.

 

غزو أو احتلال

وذكرت "واشنطن بوست" أن إسراع توكاييف، للمطالبة بمغادرة القوات الأجنبية، لأن معظم جنود معاهدة الأمن الجماعي في البلاد، من الروس، ما يثير المخاوف من أن وجودهم يصل إلى الغزو أو حتى الاحتلال.

وقالت إن تصريح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين الذي قال فيه إن "أحد الدروس المستفادة من التاريخ الحديث، أنه بمجرد وجود الروس في منزلك، يكون من الصعب جداً في بعض الأحيان إقناعهم بالمغادرة"، قوبل برد فعل غاضب من الكرملين، إلا أن "واشنطن بوست" عادت لتؤكد أن "هناك أسبابًا وجيهة، تدعو للاعتقاد بأن كازاخستان لن تعود إلى الخضوع للحقبة السوفيتية في وقت قريب".

كانت قوات حفظ السلام الروسية، غادرت كازاخستان عائدة إلى قواعدها الدائمة، عبر جسر جوي لطائرات نقل عسكرية.

وقالت وزارة الدفاع الروسية، في بيان: إن قوات حفظ السلام الروسية التابعة لـ"منظمة معاهدة الأمن الجماعي"، غادرت كازاخستان في طائرات نقل عسكرية.

وأضاف البيان، أن الوحدات الروسية من قوات حفظ السلام الجماعية في كازاخستان، حمَّلت معداتها العسكرية في طائرات النقل العسكرية، وأقلعت من ألماتي، كبرى مدن البلد المضطربة.

وأوضح أن 15 طائرة من طراز "إيل-76"، و3 طائرات من طراز "إن-124"، نقلت الأفراد والمعدات من قوات حفظ السلام الروسية إلى المطارات، في مقاطعتي إيفانوفو وموسكو، مشيرًا إلى أن القوات ستعود إلى نقاط تمركزها الدائمة.

 

انتصار لموسكو

ونقلت "واشنطن بوست" عن العديد من المراقبين، تصورهم أن نشر قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي، انتصار لموسكو، وقالوا إن تداعيات هذه المساعدة، ستظهر قريباً في نهج الحكومة الكازاخستانية، في مختلف القضايا المرتبطة بروسيا، بما في ذلك الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

وأكدت الصحيفة، أن نشر القوات إشارة إلى المنطقة والدول المجاورة الأخرى، بأن روسيا مستعدة وقادرة على دعم الدول المتعثرة، "ومع ذلك، سيكون من الخطأ الافتراض أن العقود الثلاثة الماضية، من الجهود المبذولة لبناء الدولة الكازاخستانية، على وشك الانهيار".

وأشارت إلى أن توكاييف، من جانبه، عليه تحمُّل عبء وضعه الجديد غير المرغوب فيه، لأنه دعا روسيا للعودة إلى البلاد، مبينة أن حكومته بذلت بعض الجهود لتهدئة المخاوف الشعبية، من مشاركة منظمة معاهدة الأمن الجماعي في فض المظاهرات الأخيرة، مع الخوف من استمرار وجودها على الأرض (ومن ذلك تعيين قومي معروف وزيرًا للمعلومات والتنمية الاجتماعية).

وأوضحت "واشنطن بوست"  أن التحولات الديمغرافية في البلاد، بما في ذلك انخفاض عدد المتحدثين بالروسية، وعودة الكثير من أبناء كازاخستان، من الصين ومنغوليا ودول آسيا الوسطى إلى وطنهم، أبرز الأسباب التي تؤكد رفض الشعب الكازاخستاني للعودة إلى الحظيرة الروسية قريبًا.

وأضافت أن الوعي القومي، يفسر رد الفعل السلبي للعديد من المواطنين، لقرار توكاييف بطلب المساعدة من منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

كانت الولايات المتحدة دعت روسيا إلى أن تسحب "بسرعة" الجنود الذين أرسلتهم إلى كازاخستان، لمساعدة الدولة الواقعة في آسيا الوسطى، في إعادة بسط الأمن بعد أعمال الشغب العنيفة التي شهدتها، ودفعت رئيسها قاسم جومارت توكاييف، إلى طلب هذه المؤازرة العسكرية.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحفيين: الولايات المتحدة ترحب بعودة الهدوء إلى كازاخستان، بعد أعمال العنف التي شهدتها الأسبوع الماضي، التي لم يسبق للجمهورية السوفيتية السابقة أن رأت مثيلاً لها، منذ استقلالها عام 1991.

وأضاف: "نرحب أيضاً بالإعلان الذي أدلى به الرئيس توكاييف، الذي قال إنّ قوات حفظ السلام التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي أنجزت مهمّتها".

 

سنوات الاستقلال

وترى "واشنطن بوست" أن كازاخستان طورت على مدى العقود الثلاثة الماضية -أي منذ الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي عام 1991- الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية مع بقية العالم، ما يجعلها بعيدة (ثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا) عن الحظيرة الروسية.

وقالت: "في ديسمبر 1991، عندما أعلنت كازاخستان استقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق، كان تعداد السكان من أصل قازاق نحو 40 في المئة من السكان، بينما اليوم يمثلون نحو 70 في المئة"، مشيرة إلى أن هذا التحول، نتيجة الهجرة التدريجية لأحفاد الملايين من الروس وغيرهم من الأوروبيين، الذين قدموا إلى المنطقة أيام الاتحاد السوفييتي السابق.

وأشارت إلى أنه طوال هذه العقود الثلاثة، رسخت اللغة الكازاخستانية نفسها، كلغة رسمية للحكومة والثقافة، بينما عمدت الدولة إلى تعلُّم الأجيال الجديدة تاريخ كازاخستان وهويتها الوطنية، وهي أمور تجعل كازاخستان دولة مستقلة، لا يمكن لها أن تعود إلى الحظيرة السوفيتية.

وأضافت، أنه حتى مع قرار توكاييف، بدخول قوات (منظمة معاهدة الأمن الجماعي)، لفض التظاهرات الأخيرة، إلا أنها لم تتدخل مباشرة ضد المتظاهرين، وإنما كانت مهمتها الرئيسة حراسة البنية التحتية والمنشآت الرسمية، بينما تقوم القوات الكازاخستانية بعمليات عسكرية على الأرض، وتتعامل السلطات الكازاخستانية مع المتظاهرين.

وتقول الصحيفة: رغم صعوبة الحصول على استطلاعات رأي موثوقة، بشأن رأي الشعب الكازاخستاني في التدخل الروسي الأخير، فإن ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، تكشف بوضوح زيادة الحساسية لأي وجود روسي داخل البلاد.

وختمت "واشنطن بوست" تحليلها: "على مدى العقود الثلاثة الماضية، عملت السياسة الأمريكية في كازاخستان على تعزيز استقلال الدولة الجديدة وسيادتها وسلامة أراضيها، مع التحقق من الميول الإمبريالية الجديدة لروسيا، إلا أن الأحداث التي وقعت هذا الشهر تظهر أن القصة معقدة، إذ لا يمكن إنكار أن التفاعل بين روسيا وكازاخستان يتميز ببعض جوانب العلاقة بين الراعي والعميل، ومع ذلك، أصبحت هذه الحقيقة غير مريحة بشكل متزايد لكازاخستان وشعبها، ولذلك هناك تطلعات لمزيد من السيادة والاستقلال".