أزمة أوكرانيا.. ساحة المعركة الروسية الغربية تنتقل إلى تيك توك وفيسبوك
رغم أن الاهتمام العالمي ينصب حاليًا على مخاطر الحرب في أوكرانيا، فإن هناك معركة أكثر دقة، وربما لا تقل أهمية بين موسكو والغرب، بحسب صحيفة فورين بوليسي.

ترجمات - السياق
الذكاء الاصطناعي واستهداف أنظمة المعلومات ومنصات الاتصالات، ساحة جديدة للمعركة الروسية الغربية، التي اتخذت من الإنترنت وسيلة جديدة للتراشق والاحتراب.
ورغم أن الاهتمام العالمي ينصب حاليًا على مخاطر الحرب في أوكرانيا، فإن هناك معركة أكثر دقة، وربما لا تقل أهمية بين موسكو والغرب، بحسب صحيفة فورين بوليسي، مشيرة إلى أن هذه المعركة لا علاقة لها بالدبابات والصواريخ، لكنها قد تثبت أنها مؤثرة بالقدر نفسه في تشكيل المواجهة المستقبلية بين روسيا والغرب.
وذكرت "فورين بوليسي" أن المعركة بين موسكو والغرب في فضاء المعلومات ليست جديدة، بالنظر إلى فترة الحرب الباردة (عصر الساميزدات) أو النصوص المصورة والبث الإذاعي المنشق، إلا أنها تطورت بفعل التطور الحالي، فأصبحت "تويتر" و"تليجرام"، الساحة الجديدة لها، عبر قنوات دعائية معروفة جيدًا تستخدمها روسيا لانتقاد وتقويض الغرب وشركائه، مثل أوكرانيا.
تكتيكات مختلطة
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن لدى موسكو أيضًا تكتيكات مختلطة لاستهداف أنظمة معلومات أمريكية وأوروبية وأوكرانية، من حيث الهجمات الإلكترونية والقرصنة وانتشار المعلومات المضللة على منصات التواصل مثل «فيسبوك»، مشيرة إلى أنه من المؤكد أن الغرب وأوكرانيا استفادا أيضًا من هذه الأساليب ضد روسيا، سواء من خلال القنوات الرسمية أم غير الرسمية.
وقالت «فورين بوليسي»، إن الحكومة الروسية تشعر بأنها عرضة للتدفق الحر للمعلومات على منصات التواصل، مثل «فيسبوك» و«تليغرام»، ما دفعها إلى محاولة تقييد طريقة استخدامها، فقادت موسكو إلى جانب الصين، الدعوة إلى نظام حكومي عبر الإنترنت تقوده الدولة، على عكس نهج أصحاب المصلحة الذي تسعى إليه الولايات المتحدة والديمقراطيات الأخرى.
وتقول الصحيفة الأمريكية: من خلال قيام روسيا بذلك، فإنها تمكنت مثل الدول الاستبدادية الأخرى، من اكتساب ومشاركة قدرات تقنية رائعة لتصفية الإنترنت والسيطرة عليه، ومعرفة المعارضين ومعاقبتهم.
إلا أن الاستراتيجية الروسية تخلفت كثيرًا عن الصين، التي قطعت فعليًا الإنترنت الخاص بها عن بقية العالم، فجدار الحماية الصيني العظيم أعلى بكثير من نظيره الروسي غير المكتمل.
ورغم ذلك، فإن «فورين بوليسي»، تقول إن ذلك النظام كان نقطة ضعف وقوة لروسيا، فبينما كانت تخشى تنظيم الاحتجاجات والتدفق الحر للمعلومات في الداخل، كان المحاربون الروس على الإنترنت أيضًا أكثر اعتيادًا على بيئة الإنترنت العالمية من نظرائهم الصينيين، وكانوا أكثر قدرة على الاستفادة من النقاط المؤلمة للغرب.
نقاط الضعف
ومع ذلك، فإن نقاط الضعف في الداخل الروسي كانت حقيقية أيضًا، فموسكو كنظام شبه استبدادي، لا تجري انتخابات حرة ونزيهة وبدلاً من ذلك لديها نظام تدير نتائجه، يجعلها عرضة لمجموعات المعارضة واستخدامها للإنترنت لتنظيم أنشطة مناهضة للحكومة، مثل الاحتجاجات واستراتيجيات التصويت التي تقوِّض الكرملين وحزب روسيا الموحدة الحاكم.
وتقول الصحيفة الأمريكية، إن هناك أنظمة معلومات لمثل هذه الأنشطة، لكن أبرزها وأكثرها فاعلية كانت وسائل التواصل مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«تليجرام».
ويمكن استخدام أنظمة المعلومات هذه، ليس فقط للمواطنين الروس الذين يعيشون داخل روسيا، لكن أيضًا من معارضي الحكومة الروسية في جميع أنحاء العالم، إلا أنه بالنظر إلى دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان داخل روسيا، إضافة إلى التوترات الجيوسياسية بين موسكو والغرب في مجموعة من القضايا، من دعم الناتو لأوكرانيا إلى التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، يرى الكرملين الإنترنت كأداة يمكن أن يتلاعب بها الغرب لتقويض موقفه السياسي.
من جهة أخرى استخدم الغرب تقنيات التعلم الآلي، لنشر المواد المناهضة للحكومة ومساعدة الجماعات المناهضة للحكومة في تنظيم منصات التواصل الاجتماعي داخل روسيا.
مخاوف متزايدة
إلا أن المخاوف الروسية المتزايدة بشأن الأساليب الغربية والاحتجاجات الأخيرة في جميع أنحاء روسيا والفضاء السوفييتي السابق، والنداء المتزايد لنموذج الصين للعزلة التكنولوجية، والتشديد العام للبوتينية المتأخرة، عوامل جعلت الإنترنت الروسي لعام 2022 مختلفًا تمامًا عن مكانه عام 2010.
في المقابل، تعمل موسكو على تشديد حدودها على الإنترنت، ففرضت الحكومة الروسية، عبر الجهة المنظمة للاتصالات الحكومية، غرامة على شركات مثل «فيسبوك» و«تويتر» لفشلها في حذف المحتوى المحظور، الذي يعد مجموعة من المواد التي تعدها السلطات الروسية متطرفة، أو تتغاضى عن تعاطي المخدرات أو تروِّج للأطفال، للمشاركة في الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
كما فرضت الجهة المنظمة للاتصالات الحكومية الروسية، غرامة على هذه الشركات لعدم تخزينها بيانات المستخدمين الروس على خوادم محلية، بينما هددت أيضًا بمنع استخدام هذه المنصات، بما في ذلك رفع احتمال حظر «يوتيوب» مؤخرًا ما لم تعد القنوات التي تديرها شركات الإعلام الروسية مثل «قناة روسيا اليوم» المتهمة بالترويج لمعلومات مضللة قاتلة في قضايا مثل جائحة كورونا.
أحد أنظمة مراقبة المعلومات، التي قد تكون ذات أهمية متزايدة لروسيا هو MIR-1، الذي يتم تطويره للبحث تلقائيًا عن المحتوى الذي حظرته روسيا من منصات التواصل مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«تليجرام» و«VK»، إلا أنه مع ذلك، فإن هناك حاجة إلى الكثير من العمل لتطوير هذه الأنظمة، وهي بعيدة كل البعد عن ضمان نجاحها.
ويمكن اعتبار نظام MIR-1 أحد مكونات خطط روسيا لتطوير «الإنترنت السيادي» الخاص بها، أو Runet؛ ففي عام 2019، أصدرت روسيا تشريعًا يُعرف بقانون الإنترنت السيادي، ردًا على ما تؤكده موسكو أنه «الطبيعة العدوانية» لاستراتيجية الأمن السيبراني الوطنية للولايات المتحدة.
ويسمح التشريع بتوجيه حركة مرور الويب والبيانات الروسية عبر نقاط تسيطر عليها سلطات الدولة الروسية ويدعو إلى نظام اسم المجال الوطني، لتمكين الإنترنت من مواصلة العمل في روسيا، حتى إذا تم قطع الدولة عن الخوادم الخارجية في البلدان الأخرى، مثل الولايات المتحدة.
اختبارات روسية
وأجرت روسيا العديد من الاختبارات، لفصل نفسها عن الإنترنت العالمي، كان آخرها في يونيو ويوليو 2021، إلا أن المعدات التي جرى تركيبها بواسطة الجهة الحكومية الروسية، لم تحقق قطعًا للاتصال.
ورغم ذلك فإنها مكنت روسيا من إبطاء سرعة الشبكات الاجتماعية مثل «تويتر»، التي يمكن أن تكون ظاهريًا تستخدم في سيناريو استخدام المتظاهرين منصات لتنظيم احتجاجات أو إجراءات أخرى ضد الحكومة الروسية.
وحظرت شركة الجهة المنظمة للاتصالات الحكومية الروسية، أيضًا موقع «Smart Voting» الإلكتروني والتطبيق الذي طوره زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني، من خلال رفض نقاط الدخول إلى هذه الأنظمة.
إضافة إلى ذلك، ضغطت روسيا على Apple و Google و Telegram لإزالة تطبيق Navalny's Smart Voting من متاجر التطبيقات على منصاتهم قبل الانتخابات البرلمانية العام الماضي مباشرة، التي رضخت عنها.
ومع ذلك، فإن روسيا لديها عدد أقل بكثير من المشتركين في أعمال الرقابة مقارنة بالصين (آلاف الأشخاص مقابل الملايين)، إلا أنه في الواقع، فإن الصين تشارك أعدادًا هائلة من الموظفين بالشركات الخاصة في إدارة المحتوى التي تحركها الحكومة، بما في ذلك ترسانة ضخمة من التحكم عبر الإنترنت من كل مستوى إلى أقسام الشرطة المحلية، كما هو الحال مع الكثير من الإنترنت، تقوم القوة البشرية الخام بقدر مذهل من العمل.
أوكرانيا... مثال حي
حرب الإنترنت التي تحدثت عنها «فورين بوليسي»، كانت حاضرة على الأرض الأوكرانية، فبينما تواصل موسكو تعزيزاتها العسكرية على طرفي الحدود مع أوكرانيا، انطلق أوكرانيون، لرصد تلك التحركات وإظهارها للعالم عبر مقاطع مصورة وفيديوهات على مواقع التواصل، بينها التطبيق الصيني «تيك توك».
وبينما تداول مئات الأوكرانيين، خلال الأيام الماضية، مقاطع مصورة تظهر عبور المزيد من التعزيزات العسكرية، نحو الحدود بين البلدين، قال أحدهم ويدعى دوميترو رادوك، إنه ما إن بدأت الدبابات تعبر قريته حتى راح يصور المشاهد، ثم بثها عبر "تيك توك".
وقال الأوكراني، في تصريحات لـ «التليغراف»، إن المقاطع التي صورها، والرموز التعبيرية للدبابات انتشرت كالنار في الهشيم.
تلك المقاطع المصورة لم تقتصر على إثارة الرعب في صفوف مواطني البلدين المتأهبين للقتال، بل إن آثارها تخطت ذلك لتصل إلى المحللين العسكريين أيضًا، الذين انبروا نحو "تيك توك" لتحليل المقاطع والفيديوهات القادمة من أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا.