إفريقيا... هل يستعد داعش لإعلان دولته في القارة السمراء؟

قال بون ولد باهي، الباحث الموريتاني في العلوم السياسية للسياق، إن إفريقيا تمر الآن بأصعب ظروفها، في ظل تبادل الاتهامات بين مالي وفرنسا، التي أثرت في استراتيجية مكافحة الإرهاب غربي القارة، وكذلك الاستقطاب الحاد جراء الحرب الروسية الأوكرانية، التي باتت تلقي بظلالها على الأحداث

إفريقيا... هل يستعد داعش لإعلان دولته في القارة السمراء؟

السياق

جاء التسجيل الصوتي الأخير المنسوب للمتحدث باسم تنظيم داعش الإرهابي، المدعو أبو عمر المهاجر، في 14 سبتمبر الجاري، ليكشف عن تمهيد التنظيم لإعلان "دولته" في قارة إفريقيا في المستقبل المنظور.

فقد كشف المتحدث باسم "داعش" استراتيجية التنظيم الإرهابي في القارة السمراء، التي ستركز على "ذبح وتهجير المسيحيين"، لبث الرعب في قلوبهم، وهو ما تجسد في طبيعة العمليات التي تم تنفيذها بداية الشهر الجاري، والتي استهدفت مسيحيي دول إفريقية.

ففي السادس من الشهر الجاري، شن تنظيم داعش الإرهابي هجومًا على بعثة كاثوليكية شمال شرقي موزمبيق، وتحديدًا في مدينة ناكالا قرب كابوديلغادو، أسفر عن قتل راهبة، وإضرام النيران في الكنيسة ومقر إقامة الراهبات والمستشفى الملحقين بها.

يأتي ذلك بالتزامن مع تكثيف داعش لهجماته غربي إفريقيا، التي كان آخرها في مالي، الذي أسفر عن قتل نحو 30 شخصًا في إحدى البلدات الحدودية مع بوركينا فاسو.

وفي إجابة عن تساؤل: هل يستعد داعش لإعلان دولته في إفريقيا؟ قال بون ولد باهي، الباحث الموريتاني في العلوم السياسية إن إفريقيا تمر الآن بأصعب ظروفها، في ظل تبادل الاتهامات بين مالي وفرنسا، التي أثرت في استراتيجية مكافحة الإرهاب غربي القارة، وكذلك الاستقطاب الحاد جراء الحرب الروسية الأوكرانية، التي باتت تلقي بظلالها على الأحداث.

ولفت باهي -في تصريحاته للسياق- إلى أن أنه لا يستبعد أن تكون حالة الفراغ الراهنة فرصة لتنظيم داعش الإرهابي لتحقيق هدفه وحلمه بإقامة "دولة الخلافة الإسلامية في إفريقيا"، بعد فشل تجربته في العراق وسوريا.

في ما يخص فرضية نجاح داعش بإقامة دولة في المنطقة، يرى الباحث الموريتاني أن هذا الأمر قد يكون سابقًا لأوانه رغم أن الأسس الفكرية للتنظيم تنطلق من فكرة إقامة "الدولة الإسلامية"، وهي إحدى الأفكار المغرية التي يروِّج لها بين العامة.

ونوه إلى أن هناك فراغًا أمنيًا في العديد من المناطق، لكن الواقع يشير أيضاً إلى انتباه الأجهزة الأمنية في الدول الإفريقية، متوقعًا أن تتخذ بعض الخطوات على طريق وضع استراتيجية لمواجهة الإرهاب.

 

فورة الظاهرة الجهادية

من جانبه، يرى منتصر حمادة، الباحث في مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث بالرباط في تصريحات لـ"السياق"، أنه من الصعب الحديث عن ولادة "إمارة إسلامية" تابعة لتنظيم داعش في إفريقيا.

لكن، بحسب حمادة، من السهل الإقرار بوجود "فورة الظاهرة الجهادية" في المنطقة، لأن العديد من مؤشرات الساحة تفيد ذلك، مشيرًا إلى أن الحديث هنا يركز على ظاهرة وضحت بشكل جلي منذ 2012، أي بعد نحو 18 شهرًا من اندلاع أحداث ما يسمى "الربيع العربي"، خاصة مالي في الشمال، وبوركينا فاسو والنيجر ودولاً أخرى.

ولفت الباحث، إلى أنه من القواسم المشتركة بين الجهاديين، سواء كانوا من أتباع "داعش" أم من أتباع تنظيم "القاعدة"، الكراهية الشديدة للدول الغربية بسبب الماضي الاستعماري، وكذلك العداء للدولة الوطنية الحديثة.

 

ضعف السلطات المحلية

وتطرق حمادة إلى الأرقام التي تدعم تصاعد ظاهرة "الفورة الجهادية"، وتأثيرها في أوضاع المنطقة، إذ إنه بين يناير 2020 و11 يونيو 2021، وصل عدد ضحايا العمليات الإرهابية إلى 873 قتيلاً في مالي و750 قتيلاً في بوركينا فاسو و676 قتيلاً في النيجر، من دون الحديث عن الضحايا المدنيين الذين سقطوا نتيجة اعتداءات قوات محلية.

وبخصوص أسباب هذا العنف المركب في إفريقيا، يشير إلى أن منها ضعف السلطات المحلية وعدم قدرتها على فرض هيبتها على مجمل تراب الدولة، ما أدى إلى سهولة نقل الأسلحة بين دول المنطقة، بخلاف كثرة الخلافات العرقية والإثنية بين العديد من قبائل المنطقة، التي شكلت بيئة خصبة لهذا العنف المركب.

ولم يغفل حمادة دور الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في تأجيج العنف المسلح، بسبب ارتفاع معدلات البطالة وتأثير التحولات المناخية في منطقة تتميز بصعوبة المناخ، موضحًا أن هذه العوامل المحلية والإقليمية، تصب في مصلحة الحركات الجهادية، التي لا تجد عناءً كبيراً في استقطاب المراهقين والشباب، بسبب الإغراءات المالية التي توفرها لهؤلاء.

 

الخلافة المكانية

أحمد سلطان الباحث المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة يقول لـ"السياق"، إن تنظيم داعش في إفريقيا، بالفعل خلال السنوات الماضية وتحديدًا ما تسمي "الخلافة المكانية"، أصبح ثقلًا على التنظيم، لافًتا إلى أن إفريقيا باتت مركزًا عملياتيًا مهمًا، رغم أن العراق -في الأساس- ساحة عمليات مركزية للتنظيم.

ولفت إلى أن التحول العملياتي غربي ووسط إفريقيا ومناطق شرق آسيا، جاء ضمن خطة واسعة تسمى "الحرب الاستنزافية"، التي يطبقها تنظيم داعش، وتقوم على فكرة مشاغلة التحالف الدولي وأعداء تنظيم داعش، بفتح جبهات في العديد من الدول، لاستنزاف هؤلاء الأعداء ولا يستطيعون مواجهة التنظيم، إن عاد لإعلان الخلافة المكانية من جديد.

وأوضح سلطان أن هذا التحول نحو إفريقيا، يأتي ضمن استراتيجية التحرك في الذراعين، وينص على أن تكون العراق وسوريا ساحة العالم الرئيس، وتظل مناطق وسط إفريقيا وغيرها، ساحات استنزاف لخصوم داعش.

ونوه إلى أن التنظيم يتوسع في استهداف المدنيين لأسباب أغلبيتها متعلقة بالصراع في إفريقيا، عبر إضفاء صبغة دينية، بزعم أن هجماته تأتي انتقامًا لضربات التحالف في سوريا والعراق.

وبالنسبة للرسالة الأخيرة لـ "أبو عمر المهاجر" المتحدث باسم داعش، وفكرة هدم الأسوار، يرى سلطان أنها وإن كانت دليلًا على نجاح تكتيكي للتنظيم، لكنها تدلل على أن هناك مشكلة لديه تتعلق بعدم توافق المسلحين، والسعي لتعويض الخسائر في صفوفه واجتذاب أعضاء جدد.

وأوضح الخبير في الحركات المتطرفة، أن التنظيم في الفترة المقبلة، سيركز بشكل أكبر على الهجمات في إفريقيا، وسيحاول أن يتمدد لساحات أكبر، والآن يتجه نحو دولة بنين، ونجح في شن أول هجوم لأول مرة الأسبوع الماضي.

 

هدم الأسوار

باسل ترجمان الباحث التونسي في شؤون الجماعات الإرهابية، يقول لـ"السياق"، إنه منذ أكثر من سنتين وداعش يركز عملياته بشكل واضح على الانتقال إلى إفريقيا.

وأوضح أن من أسباب هذا التوجه، تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية، إلى جانب غياب السلطة المركزية في كثير من الدول الإفريقية.

وكشف ترجمان أن داعش يركز في إفريقيا على صراعين: الأول على المسيحيين الموجودين بأعداد كبيرة في القارة الإفريقية، لذلك وجد مساحة لاختلاق الأزمات والصراعات فيها.

أما الصراع الثاني، بحسب الباحث التونسي في الجماعات الإرهابية، فيتمثل في محاولة تركيز قوته وتشكيل مجموعات إسناد ودعم له، في ظل الفقر والجهل.

وأوضح أن ما أعلنه داعش عما تسمى "سياسة هدم الأسوار"، لإطلاق سراح الإرهابيين في سوريا، ربما ينبئ بأن هناك توجهًا لتسريب إرهابيين وعائلاتهم نحو أرض جديدة، لتفكيك المخيمات في سوريا والعراق، التي تشكل عبئًا كبيرًا على القوات الأمريكية والتحالف الدولي.