تلغيم طرق وأعمال تخريبية وقلق دولي... القتال يشتعل مجددًا بين أرمينيا وأذربيجان

تجدد القتال بين الجارتين، أثار قلقًا أوروبيًا وغربيًا، خاصة بعد توسط روسيا بين الجانبين لوقف إطلاق النار، إلا أن تلك الوساطة انهارت بعد 15 دقيقة فقط، توقفت فيها الأعمال العدائية بين البلدين.

تلغيم طرق وأعمال تخريبية وقلق دولي... القتال يشتعل مجددًا بين أرمينيا وأذربيجان

السياق

عشرات القتلى والجرحى وأعمال تخريبية وتلغيم طرق الإمداد، تطورات كثيرة كانت إيذانًا بانطلاق شرارة القتال بين القوات الأرمينية والأذربيجانية، في تجدد للقتال المستمر منذ عقود، المرتبط بإقليم ناجورنو كاراباخ المتنازع عليه.

تجدد القتال بين الجارتين، أثار قلقًا أوروبيًا وغربيًا، خاصة بعد توسط روسيا بين الجانبين لوقف إطلاق النار، إلا أن تلك الوساطة انهارت بعد 15 دقيقة فقط، توقفت فيها الأعمال العدائية بين البلدين.

وألقت أذربيجان وأرمينيا باللوم على بعضهما في تصاعد التوترات التي اندلعت بين عشية وضحاها، في أحدث تصعيد للقتال بعد عقود من العداء بين الدولتين بشأن منطقة ناغورنو كاراباخ.

 

فماذا حدث؟

في بيان صادر عنها -الثلاثاء- قالت وزارة الدفاع الأذربيجانية، إنه «في ليلة 12 سبتمبر، قامت وحدات من القوات المسلحة الأرمينية بأعمال تخريبية واسعة النطاق في اتجاهات دشقاسان وكلباجار ولاشين على حدود الدولة الأذربيجانية الأرمنية».

وأوضحت وزارة الدفاع، أن مجموعات «مخربة» من القوات المسلحة الأرمينية قامت بتلغيم المناطق وطرق الإمداد بين مواقع وحدات الجيش الأذربيجاني، باستخدام التضاريس الجبلية للمنطقة والممرات الموجودة في الظلام، مشيرة إلى أنه نتيجة للإجراءات العاجلة التي اتخذتها وحداتنا لمنع هذه الأعمال على الفور، اندلعت معركة.

وأشارت إلى أن بعض المواقع والملاجئ والمعاقل التابعة للجيش الأذربيجاني، على أراضي مقاطعات داشكاسان وكلباجار ولاشين، تعرضت لإطلاق نار من القوات المسلحة الأرمينية، الواقعة في اتجاه مستوطنات باساركشر وإستيس وغاراكيلسا وحورس، بمختلف أنواع الأسلحة، بما في ذلك قذائف الهاون، ما ألحق خسائر بشرية وتسبب بأضرار في البنية التحتية العسكرية.

وفي بيان لاحق، قالت وزارة الدفاع الأذربيجانية، إن «الدولة المعتدية والمحتلة الوحيدة في المنطقة هي جمهورية أرمينيا»، مشيرة إلى «استمرار وجود أفراد ومعدات من القوات المسلحة الأرمينية في منطقة كاراباخ الاقتصادية الأذربيجانية».

ورداً على ما وصفته بـ«الاستفزاز» الواسع النطاق لأرمينيا، قالت إن الجيش الأذربيجاني استخدم تدابير مضادة، وتم تحييد نقاط إطلاق النار، مشيرة إلى أن استمرار سياسة المغامرة العسكرية والانتقامية التي تنتهجها أرمينيا، والقصف المكثف لمواقع الجيش الأذربيجاني في اتجاهات كيلبجار ولاشين ودشقاسان وجيداباي، الشهر الماضي، والاستفزازات واسعة النطاق التي استخدمتها اليوم، هي أسباب تصعيد هذه الهجمات.

وبينما حملت القيادة العسكرية والسياسية لأرمينيا مسؤولية تطور الأوضاع، قالت إن القوات الأرمينية شاركت في أنشطة مخابراتية على حدودها، ونقلت أسلحة إلى المنطقة وأجرت –الاثنين- عمليات تعدين.

في المقابل، قال السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأرمينية، آرام توروسيان، إنه «في 13 سبتمبر الجاري، بدأت وحدات من القوات المسلحة الأذربيجانية قصفًا مكثفًا على المواقع الأرمنية بالمدفعية والمدافع من العيار الثقيل باتجاه غوريس وسوتوك وجيرموك».

وقالت وزارة الدفاع الأرمينية، إن الوزير سورين بابيكيان تحدث عبر الهاتف مع وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو بعد تجدد القصف في ناغورنو كاراباخ، مشيرة إلى أن الاتصال الهاتفي استعرض الموقف الذي نشأ نتيجة «العدوان الأذربيجاني الواسع النطاق على الأراضي السيادية لجمهورية أرمينيا».

وقالت الوزارة في بيان إن «سورين بابيكيان وسيرجي شويغو اتفقا على اتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق الاستقرار».

من جانبه، قال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان إن 49 جنديًا قُتلوا خلال اشتباكات ليلية مع أذربيجان، مشيرًا -في خطاب أمام البرلمان- إلى أن باكو هاجمت مواقع أرمينيا خلال الليل، وأن القتال مستمر.

وفي محاولة لوضع حلول للأزمة التي تجددت، أعلنت أرمينيا أن رئيس الوزراء نيكول باشينيان عقد اجتماعًا لمجلس الأمن بشأن تفاقم الوضع على الحدود مع أذربيجان، بمشاركة رئيس الجمهورية فاغن خاتشاتوريان ورئيس الجمعية الوطنية ألين سيمونيان.

وبحسب بيان الحكومة الأرمينية، فإن الاجتماع الذي ناقش خطوات أخرى بشأن الوضع على الحدود مع أذربيجان، أصدر قرارًا بتوجيه نداء رسمي إلى الاتحاد الروسي ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لتنفيذ أحكام معاهدة الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة في ما يتعلق بـ«العدوان على أرض ذات سيادة، في جمهورية أرمينيا».

وأجرى رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان اتصالًا هاتفيًا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد بدء الأعمال العدائية على الحدود الأرمنية الأذربيجانية.

وقالت الحكومة الأرمينية في بيان نشرته عبر «فيسبوك»، إن رئيس الوزراء أفاد بتفاصيل ما وصفها بـ«العمليات الاستفزازية والعدوانية» للقوات المسلحة الأذربيجانية في اتجاه الأراضي الخاضعة لسيادة أرمينيا، التي بدأت عند منتصف الليل، ورافقها قصف بالمدفعية والأسلحة من العيار الثقيل.

ووصف باشينيان تصرفات الجانب الأذربيجاني بأنها «غير مقبولة وشدد على أهمية الرد المناسب من المجتمع الدولي».

 

ردود فعل دولية

قالت وزارة الخارجية الروسية -في بيان- إنها توسطت لوقف لإطلاق النار عند الساعة 0900 بتوقيت موسكو (0600 بتوقيت جرينتش) هذا الصباح، متوقعة أن يلتزم الجانبان بشروطه، إلا أن تقارير محلية قالت إن وقف إطلاق النار انهار بعد 15 دقيقة.

وطالبت روسيا أرمينيا وأذربيجان بوقف الأعمال القتالية والالتزام باتفاق لوقف إطلاق النار، معبرة عن «قلقها البالغ» من تجدد القتال بين البلدين.

بدورها، طالبت تركيا -عبر وزير خارجيتها مولود شاويش أوغلو الثلاثاء- بضرورة التركيز على مفاوضات السلام.

وقالت وزارة الخارجية التركية، في بيان، إن الوزير أوغلو بحث مع نظيره الأذربيجاني ما وصفتها بـ«الاستفزازات الأرمينية» على الحدود مع أذربيجان.

وقال شاويش أوغلو عبر «تويتر» بعد محادثات مع وزير الخارجية الأذربيجاني جيهون بيراموف: «على أرمينيا وقف استفزازاتها والتركيز على مفاوضات السلام والتعاون مع أذربيجان».

وأعربت واشنطن عن «قلقها العميق» من تجدد الاشتباكات، مناشدة الطرفين وقف القتال فوراً.

وفي بيان لوزارة الخارجية الأمريكية، قال الوزير أنتوني بلينكن، إن الولايات المتحدة تبدي قلقها العميق من التطورات الراهنة على الحدود بين البلدين، خاصة بعد أن أشارت التقارير الواردة إلى «قصف استهدف بلدات وبنى تحتية مدنية» في أرمينيا.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية: «كما أوضحنا منذ فترة طويلة، لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري للصراع. نحن نحث على إنهاء الأعمال العدائية العسكرية فوراً»، بينما حث شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، باشينيان على منع مزيد من التصعيد.

وفي بيان لقصر الإليزيه، قال إن فرنسا ستعرض المواجهات بين أرمينيا وأذربيجان، التي أدت إلى قتل 49 جندياً أرمينيا على الأقل، على مجلس الأمن الدولي.

وبعد محادثة هاتفية بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الحكومة الأرمينية نيكول باشينيان، قال الإليزيه: «ستعرض فرنسا الوضع على مجلس الأمن الدولي الذي تتولى رئاسته».

 

تاريخ الصراع

تقول وكالة رويترز، إن الصراع بين البلدين اندلع لأول مرة أواخر الثمانينيات، عندما كان الجانبان تحت الحكم السوفييتي، مشيرة إلى أن القوات الأرمينية استولت على مساحات شاسعة من الأراضي بالقرب من ناجورنو كاراباخ، المعترف بها دوليا على أنها تابعة لأذربيجان، لكن يقطنها عدد كبير من السكان الأرمن.

إلا أن أذربيجان استعادت تلك الأراضي في قتال عام 2020 انتهى بهدنة توسطت فيها روسيا، بموجبها عاد آلاف السكان إلى منازلهم التي فروا منها، بينما التقى زعيما البلدين مرات عدة منذ ذلك الحين، للتوصل إلى معاهدة تهدف إلى سلام دائم.

وبموجب الاتفاق، تخلت أرمينيا عن أجزاء من الأراضي التي كانت تسيطر عليها منذ عقود، ونشرت موسكو نحو 2000 جندي حفظ سلام روسي، للإشراف على الهدنة الهشة.

وفي العام نفسه (2020)، أرسلت روسيا الآلاف من قوات حفظ السلام إلى المنطقة، بموجب اتفاق لإنهاء ستة أسابيع من الأعمال العدائية بين الجانبين، التي شهدت تحقيق أذربيجان مكاسب إقليمية كبيرة.

وخلال محادثات بوساطة الاتحاد الأوروبي ببروكسل في مايو وأبريل الماضيين، اتفق الرئيس الأذربايجاني إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان على دفع المناقشات، بشأن معاهدة سلام في المستقبل.