وسط مخاوف أمنية... ما ذا وراء إلغاء الداخلية الألمانية لجنة خبراء الإسلام السياسي؟
هذه الخطوة المفاجئة، عدتها الأوساط السياسية والأكاديمية في ألمانيا مخيبة للآمال، وحذروا من عواقب وخيمة قد تتعرض لها البلاد.

السياق
في خطوة غير متوقعة، مع الحشد الأوروبي لبناء استراتيجية مشتركة لمكافحة الإرهاب، قررت وزارة الداخلية الألمانية إنهاء عمل مجموعة الإسلام السياسي، التي بدأت في يوليو 2021 لمراقبة أنشطة التيارات والجماعات الإرهابية ومنها الإخوان.
هذه الخطوة المفاجئة، عدَّتها الأوساط السياسية والأكاديمية في ألمانيا مخيبة للآمال، وحذروا من عواقب وخيمة قد تتعرض لها البلاد، بحسب صحيفة بيلد الألمانية.
ويبدو أن هناك ضرورة لمعرفة دلالات هذا القرار، التي تثير بدورها تساؤلات منها: هل الأمر مرتبط بإعادة ترتيب دور الإخوان في الإبلاغ عن خلايا إرهابية مقابل الاستقرار وممارسة أنشطتهم؟
هذا التساؤل، ربما تعززه مرحلة ما بعد مداهمات حادث فيينا الإرهابي قبل عامين ونصف العام، التي استهدفت مقار إخوانية، لكن لم يتم تقديمهم للمحاكمة رغم الكشف عن علاقة بينهم وبين منفذ الهجوم.
كما تثير أيضاً تساؤلًا عن الاستراتيجية الأوروبية الجديدة لمواجهة الإرهاب، وتحديدًا داعش والقاعدة، وهل هناك دور للإخوان فيها، باعتبارهم أقل تطرفًا، بحسب الوصف الأوروبي لهم؟
عناد سياسي
حسام حسن الباحث في جامعة فيينا يقول لـ"السياق"، إن هناك قراءتين لهذا القرار، أولاهما أن الحكومة الألمانية الحالية تريد طرح مبادراتها الخاصة في مكافحة الإسلام السياسي، ووقف العمل بمبادرات الحكومة السابقة.
هذا الرأي -بحسب حسن- يدعمه أن تفويض لجنة خبراء الإسلام السياسي كان لمدة عام واحد وانتهى بالفعل، كما أن مانويل هوفرلين، المتحدث باسم الشؤون الداخلية في المجموعة البرلمانية للحزب الديمقراطي الحر (شريك في الائتلاف الحاكم)، قال قبل شهرين إن الحكومة "ستبدأ قريبًا المبادرات الخاصة بها في ملف الإسلام السياسي والإخوان".
وأوضح الباحث في جامعة فيينا، أن اتفاق الائتلاف الحاكم ينص على مكافحة الإسلام السياسي، لذا فإن صمت الحكومة الألمانية عن أسباب عدم التجديد للجنة خبراء الإسلام السياسي، يغذي الاتجاه الذي يدفع بأن الخطوة الأخيرة مجرد تهيئة المسرح لمبادرات حديثة في مجال الإسلام السياس.
تأجيل المواجهة
على الجانب الآخر، يقول حسن إن القرار يمكن أيضًا أن يكون "سياسيًا"، ويهدف لتأجيل مكافحة الإسلام السياسي على المستوى الحكومي في الوقت الحالي، وهذا القرار قد يكون لأسباب "خارجية"، تتعلق بعلاقات برلين الخارجية الجديدة.
لكه شدد على أن الثابت أن مسار مكافحة الإخوان والإسلام السياسي لن يتوقف عند البرلمان الألماني، وسيدفع قرار الحكومة في برلين نحو مزيد من الضغط من أحزاب المعارضة في البرلمان في الفترة المقبلة، ما يضع الملف على قمة الأجندة السياسية في البلاد، ما قد يدفع الحكومة -في النهاية- إلى عرض مبادرتها لمكافحة الإخوان، إذا كانت تريد تأجيل مسار المكافحة في الوقت الحالي.
قراءة ثالثة
من جانبه، يرى الدكتور جاسم محمد رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بألمانيا، في تصريحات لـ"السياق"، إن قرار وزارة الداخلية الألمانية بإيقاف عمل لجنة الإسلام السياسي، لا يدعم فكرة إعادة الحكومة الألمانية ترتيب دور الإخوان في مساعدتهم للكشف عن خلايا إرهابية.
وكشف جاسم أن إعادة ترتيب دور الإخوان في الإبلاغ عن الخلايا الإرهابية، عُرضت خلال السنوات الماضية، لكن الآن الشرطة الألمانية تحذر من جماعة الإخوان والإسلام السياسي بشكل عام.
وشدد رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات في ألمانيا، على أن حكومة برلين في وضع جيد، يسمح لها باتخاذ الخطوات والسياسات والتدابير ضد الإسلام السياسي بعكس السنوات السابقة، إذا استبعد أن يكون هناك ترتيب بين الحكومة والإخوان.
أسباب فنية
وفي ما يتعلق بعدم تقديم المتورطين في عمليات إرهابية من الجماعة بين فيينا وألمانيا، يرى جاسم أنها يمكن أن تكون لأسباب فنية، وتابع أن وزارة الداخلية والاستخبارات أحيانًا لا تعلن تفاصيل هذه المداهمات والتحقيقات، وأنها يمكن أن تستفيد من عدم الإعلان، وجعل التحقيقات سرية ربما لأغراض جمع معلومات أكثر عن هذه الشبكة أو الخلية.
كما أشار إلى أن عدم الإعلان أيضاً ربما يكون مرتبطًا بمتابعة ورصد خلايا أخري على صلة بهذه الخلية التي تم ضبطها.
وبالنسبة لفكرة استخدام الدول الأوروبية، وضمنها ألمانيا، استراتيجية جديدة لمواجهة داعش والقاعدة من خلال الإخوان، باعتبار أنها الأقل تطرفًا، يشدد جاسم على أن هذه الفكرة أصبحت غير فاعلة، ربما كانت فاعلة عام 2016 وما قبلها، لكن الآن الاستخبارات الألمانية والأوروبية لديها المزيد من تفاصيل عمل الجماعات المتطرفة.
وينوِّه رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات في ألمانيا، إلى أن المعلومات المتراكمة لدى الأمن الألماني، انعكست على نجاح دول أوروبا الغربية، في الحد من العمليات الإرهابية النوعية، وأصبح ما يجري فقط عمليات على غرار الذئاب المنفردة محدودة وليس لها تأثير كبير.
يذكر أن مجموعة خبراء الإسلام السياسي تم تشكيلها من وزارة الداخلية الألمانية عام 2020/2021 لرصد ومتابعة الجماعات المتطرفة وضمنها تنظيم الإخوان، لكن وزارة الداخلية الألمانية أعلنت -وفق وسائل الإعلام الألمانية- أن هناك قرارًا تم اتخاذه بإيقاف عمل المجموعة.
وينوه جاسم، إلى أن وزارة الداخلية الألمانية يمكن أن تعيد ترتيب عمل الوزارة وأنشطتها، لمحاربة التطرف والإرهاب، وهنا الحديث عن جماعة الإخوان، وما يدعم هذه الفكرة أن هذه اللجنة تم تشكيلها خلال حكومة الألمانية السابقة "حكومة زيهوفر" لذا يمكن أن يكون القرار ضمن الترتيبات الإدارية فقط.