هكذا انتهى العصر الإليزابيثي الثاني

السبعين سنة الماضية قد لا تبدو ذهبية، لكن الملكة إليزابيث الثانية نجحت في أن تقود النظام الملكي من عالم الأرستقراطية الذي وُلدت فيه، من خلال التحرر الاجتماعي في الستينيات والانقسامات المريرة في الثمانينيات

 هكذا انتهى العصر الإليزابيثي الثاني
الملكة إليزابيث الثانية

السياق

سلَّطت مجلة ذا أتلانتيك الأمريكية، الضوء على رحيل ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، بعد أن جلست على العرش نحو سبعة عقود متتالية، مشيرة إلى أنها منحت بريطانيا ثباتًا طوال هذه العقود، حتى مع تحول مملكتها.
وأشارت إلى أن العصر الإليزابيثي الأول انتهى في 24 مارس 1603، عندما توفيت الملكة إليزابيث الأولى البالغة من العمر 69 عامًا أثناء نومها في قصر ريتشموند.
ونقلت المجلة عن المحامي جون مانينغهام قوله في مذكراته: "هذا الصباح، الساعة الثالثة صباحًا، غادرت جلالة الملكة هذه الحياة، بشكل معتدل مثل حمل وديع، وبسهولة مثل تفاحة ناضجة وقعت من أعلى شجرة".
وبينت المجلة أن مدة حكم إليزابيث الأولى البالغة 45 عامًا كانت "عصرًا ذهبيًا"، ومسار أحداث لم يكن أحد يتوقعها عند ولادتها، مشيرة إلى أنها "نجت من إعدام والدتها، وغيرة أختها غير الشقيقة، وتخطيط ابنة عمها ماري، وعداء القوى الكاثوليكية العظمى في أوروبا".

عصر غير ذهبي

وعن انتهاء حقبة "إليزابيث الثانية"، رأت "ذا أتلانتيك" أن السبعين سنة الماضية قد لا تبدو ذهبية، لكن الملكة إليزابيث الثانية نجحت في أن تقود النظام الملكي من عالم الأرستقراطية الذي وُلدت فيه، من خلال التحرر الاجتماعي في الستينيات والانقسامات المريرة في الثمانينيات وما بعدها إلى الألفية الجديدة، ومن استفتاء على استقلال اسكتلندا كان من شأنه أن يُفكك 300 عام من الاتحاد، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى أيامها الأخيرة في عالم الهواتف الذكية و"إنستغرام".
وشددت المجلة على أنه "حتى مع تغيُّـر العالم من حولها، بقيت في مكانها، مثل نجمة الشمال في سماء الليل، كانت نقطة ثابتة، كأنها شيء يمكنك من خلاله توجيه نفسك".
وُلدت إليزابيث الثانية في 21 أبريل 1926، وتولت عرش بريطانيا منذ عام 1952.
وحسب المجلة، كانت أكبر من الممثلة الأمريكية الشهيرة مارلين مونرو بستة أسابيع، وأكبر بثلاث سنوات من الكاتبة الألمانية آن فرانك، وأكبر بتسع سنوات من المغني الأمريكي الشهير إلفيس بريسلي.
كما أنها جاءت قبل اختراع "النايلون وشريط سكوتش والهوبيت"، بينما كانت تبلغ من العمر ما يكفي للتدرب كسائقة في الجيش، ثم كمهندسة ميكانيكية في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الثانية.
وحسب المجلة "قلة قليلة من البريطانيين يمكنهم تذكر الحياة من دونها، إذ إن أقل من 150.000 شخص أكبر من 95 في هذا البلد"، مشيرة إلى أنها حكمت مدة طويلة، لدرجة أن نبرة صوتها تغيرت، إذ منحت نفسها لهجة أكثر ليونة وأقل تفاخرًا، كما أنها أثناء الوباء، أخذت على عاتقها تنفيذ الارتباطات الملكية عبر برنامج الفيديو "زووم".

ووصفت المجلة وفاة الملكة بأنه "تحول لم تشهده بريطانيا منذ عقود، إلا أن انتقال العرش إلى ابنها الأكبر تشارلز الثالث سيكون سلسًا".

جسر لندن

وبينت "ذا أتلانتيك" أن إعلان الوفاة وإجراءات الدفن وانتقال العرش كانت عبر الخطة المسماة (جسر لندن)، مشيرة إلى أنه الاسم السري الذي أُطلق على الخطة الموضوعة للأيام والأسابيع التي ستعقب وفاة الملكة إليزابيث، التي تربعت على العرش الملكي منذ عام 1952، في أطول حكم لملك في التاريخ البريطاني.
تبدأ الخطة -حسب المجلة- بعرض هيئة الإذاعة البريطانية الرسمية، العديد من الأفلام الوثائقية التي أنتجت بالفعل على شرف الملكة، وستمتنع "بي بي سي" عن تقديم العروض الكوميدية كدليل على الاحترام إلى ما بعد الجنازة.
كما تبدأ خطة "جسر لندن" بنقل سكرتيرها الخاص، اللورد إدوارد يونغ، رسالة على الفور إلى رئيس الوزراء في ذلك الوقت، ومن المرجح أن يكون نص الرسالة "سقط جسر لندن"، ليبدأ رئيس الوزراء تنفيذ الخطة.
وبوفاتها، سيصبح الابن الأكبر للملكة، تشارلز، ملكًا على الفور، وتشير التقارير إلى أن البورصة والمتاجر في المملكة المتحدة ستغلق أبوابها -على الأرجح- هذا اليوم بدافع الاحترام.
وفي اليوم التالي لوفاة الملكة، يلقي تشارلز في بث مباشر أول خطاب رسمي له كملك وستقسم الحكومة له بالولاء، مع إطلاق 41 قذيفة مدفعية تحية في هايد بارك بالعاصمة لندن.
بعد ذلك، ينطلق الملك تشارلز الثالث في جولة بالمملكة المتحدة، ليزور قادة الحكومات في عواصم المقاطعات، إدنبره وبلفاست وكارديف، قبل العودة إلى لندن.

عالم ضائع

وأشارت "ذا أتلانتيك" إلى أن كتيب الهدايا التذكارية الرسمي من فترة تتويج إليزابيث الثانية، عام 1953، يعد شاهدًا على "عالم ضائع"، لافتة إلى أن صفحتها الافتتاحية مختومة بالذهب وتحمل شعارات دول الكومنولث، التي لم يعد الكثير منها موجودًا أو أعيد تسميته عند الاستقلال، إذ إن عدن (الآن جزء من اليمن)، وبيتشوانالاند (بوتسوانا)، وروديسيا الجنوبية (زمبابوي)، وسيلان (سري لانكا)، وباسوتولاند (ليسوتو)، وساراواك (الآن جزء من ماليزيا)، وهندوراس البريطانية (بليز)، وسوازيلاند (إيسواتيني). 
ورأت المجلة أن تتويج الملك تشارلز الثالث -إذا تبنى هذا الاسم بالفعل- لن تكون له الأبهة نفسها قبل سبعة عقود، ليس فقط لأن عمره 73 عامًا، وبات وريثًا انتظر سبعة عقود لتولي العرش، لكن لأن الموكب إلى وستمنستر سيعكس -بالتأكيد- مكانة بريطانيا المتناقصة في العالم.
فعام 1953، كانت إليزابيث الثانية برفقة "الوحدات الاستعمارية" - قوات عسكرية من الأراضي التي ما زالت تحكمها، مثل روديسيا الجنوبية- وكذلك قوات من الكومنولث، بينما سافر جواهر لال نهرو، رئيس وزراء الهند آنذاك، في عربة إلى الدير، كما فعل قادة أستراليا ونيوزيلندا وكندا لتأكيد الولاء، بينما اليوم، تتمتع البلدان الثلاثة بالاستقلال.
ومع ذلك -حسب المجلة- لن تخلو إجراءات انتقال العرش من الاحتفالات، إذ سيتم مسح الملك الجديد بالزيت المقدس، المستخرج من إناء على شكل نسر، تحت مظلة يحملها أربعة فرسان.
ومن المقرر أن يرتدي الملك الجديد رداءً ملكيًا، ويُقدم له "تاج وسيف"، ويمسك الجرم السماوي والصولجان.
وبينت المجلة الأمريكية، أن الاحتفال سيكون دينيًا صريحًا، لأن الملك الجديد سيصبح أيضًا رئيسًا لكنيسة إنجلترا "المدافعة عن الإيمان".
ورغم ذلك، فإن هذه المرة قد تكون هناك إشارات أكبر لديانات أخرى، وربما حتى أولئك الذين ليس لديهم ديانات.

كاميلا

أما عن وضع كاميلا باركر الزوجة الثانية لتشارلز، فإنها -حسب "ذا أتلانتيك"- لن تحمل لقب ملكة المملكة المتحدة، لأن العرش لا يمكن توريثه للذين تزوجوا أفراد العائلة المالكة البريطانية.

بينما كانت الراحلة الملكة إليزابيث الثانية قد أعلنت "رغبتها الصادقة" في أن تُعرف دوقة كورنوال بعقيلة الملك عندما يصبح الأمير تشارلز ملكًا.
وتمثل الترتيبات منعطفًا كبيرًا، فبعد أن حصلت كاميلا على اللقب الأقل "عقيلة أمير" أو "أميرة رفيقة" عندما تزوجت أمير ويلز عام 2005، كان يُنظر إلى الأمر أنه إجراء يراعي أن أبناء الشعب البريطاني كانوا يحملون مشاعر معادية للغاية تجاه كاميلا بعد وفاة زوجة تشارلز الأولى، الأميرة ديانا عام 1997.
ومن المقرر أن تستخدم كاميلا باركر بولز لقب صاحبة السمو الملكي دوقة كورنوال "عقيلة الملك".
وعن تعليم الملكة إليزابيث، بينت "ذا أتلانتيك" أنها لم تذهب إلى المدرسة قط، وأنها -بدلاً من ذلك- تلقت تعليمها من المربيات في قلعة وندسور ثم قصر باكنغهام.
وأشارت إلى أنها تقلت تعليمًا غريبًا يعود "مفهومه" إلى القرن الثامن عشر أكثر من القرن العشرين، إذ يتضمن "الفنون والموسيقى، وركوب الخيل، والرسم، واللاتينية، والفرنسية"، تحت إشراف والدتها، دوقة يورك.
أما عن اللحظات الأخيرة من حياة الملكة إليزابيث، فبينت المجلة الأمريكية، أنها قالت لرجال حاشيتها: "أعلم أنني بشر"، في معرض ردها على مخاوفهم بشأن خلافتها.
وأضافت المجلة: "كانت إليزابيث الثانية تشعر بقرب رحيلها، واقتربت من موتها بقوتها المعتادة غير العاطفية، وحددت بنفسها قائمة ضيوف الجنازة، وأشرفت على تصميم الرقصات الخاصة بالتتويج"، متابعة: "الآن... ماتت الملكة... يحيا الملك الجديد... ومن ثمّ يجب أن يكتشف العالم -بعد مدة حكم استمرت سبعة عقود- كيف ستكون إنجلترا وبريطانيا من دونها".