كيف يتم تطبيق سقف سعر النفط الروسي؟

إعلان مجموعة الدول السبع الجريء -الأسبوع الماضي- وضع حد أقصى لأسعار مشتريات النفط الروسي، قوبل بالتشكيك والسخرية من المعلقين والمحللين في وسائل الإعلام.

كيف يتم تطبيق سقف سعر النفط الروسي؟

ترجمات - السياق

تساءلت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، عن الطريقة التي من الممكن أن يعمل بها قرار (سقف سعر النفط الروسي) الذي اتخذته مجموعة السبع مؤخرًا، واصفة الخطة المعدة منذ فترة طويلة بأنها "طريقة ذكية لخفض أرباح الكرملين"، ما قد يعيق تمويل حربه المستمرة في أوكرانيا.

واتفقت دول مجموعة السبع على وضع اللمسات الأخيرة على "حظر شامل للخدمات" تتيح نقل النفط الخام والمنتجات البترولية الروسية المنقولة بحرًا.

كان قادة مجموعة السبع يدرسون وضع حد أقصى لسعر النفط الروسي منذ هذا الربيع، كوسيلة لخفض عائدات موسكو من الوقود الأحفوري من دون التسبب في طفرة أسعار بأسواق النفط العالمية.

والجمعة، منح وزراء المالية من كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، الضوء الأخضر لهذا المخطط، معلنين أنه "سيبني على العقوبات الحالية ويضخمها".

 

تشكيك وسخرية

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن إعلان مجموعة الدول السبع الجريء -الأسبوع الماضي- وضع حد أقصى لأسعار مشتريات النفط الروسي، قوبل بالتشكيك والسخرية من المعلقين والمحللين في وسائل الإعلام.

وبينت أنه بعد أشهر من التخطيط، فإن (سقف أسعار النفط) الذي جاء كمحاولة للحد من أرباح الكرملين على صادرات أهم سلعه، وتقليل الدعم المالي لحربه ضد أوكرانيا، قوبل برد فعل غير متوقع من موسكو، التي أعلنت أنها لن تبيع أي نفط إلى دول تلتزم بسقف السعر.

ورغم الرد الروسي، فإن محللين وخبراء اقتصاديين توقعوا -في تصريحات للمجلة الأمريكية- نجاح المخطط، واستندوا في ذلك إلى محادثاتهم مع مسؤولين من وزارة الخزانة الأمريكية ومجلس الوزراء البريطاني، وكبار القادة في حكومات مجموعة السبع، وكبار رجال الأعمال التنفيذيين في العديد من القطاعات الرئيسة، مشيرين إلى أن العديد قادة الأعمال يؤيدون الخطة.

وعن الأسباب التي تقود الغرب إلى وضع "حد أقصى لسعر النفط الروسي"، أوضحت المجلة أنه تنفيذًا لسلسلة العقوبات ضد موسكو بشأن حرب أوكرانيا، من المقرر أن تحظر حزمة العقوبات السادسة للاتحاد الأوروبي جميع واردات النفط الخام الروسي عن طريق البحر إلى الكتلة، من 5 ديسمبر، وجميع منتجات النفط المكرر - مثل البنزين والديزل وزيت الوقود- من 5 فبراير 2023.

ورأت أن هذه القرارات التي وصفتها بالصعبة، ستؤدي -حسب محللين- إلى صدمات في الإمداد، وارتفاع الأسعار بشكل كبير، ومن ثمّ يجب تقييم سقف أسعار النفط من حيث تأثيره ليس في الوضع الحالي، ولكن بالنسبة لحدوث صدمات في العرض بعد 5 ديسمبر، عندما يمكن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، حتى لو انخفض حجم الصادرات.

من هذا المنظور -حسب المجلة- فإن تحديد سقف أسعار النفط وسيلة للحفاظ على تدفق النفط الروسي إلى الأسواق العالمية والاستقرار الاقتصادي -الأولوية القصوى لحكومات مجموعة السبع- مع الحد في الوقت نفسه من هامش ربح روسيا على كل برميل يتم بيعه.

 

دول غير موقعة

وعن مدى استفادة الدول غير الموقعة على القرار، بينت "فورين بوليسي" أن منتقدي القرار يجادلون بأن الهند والصين وتركيا والعديد من البلدان لن تتوافق مع سقف سعر، وبذلك فإن تحديد سقف لأسعار النفط غير العالمي لن ينجح.

وحسب المجلة "بينما بدا صحيحًا أن العديد من البلدان لن توقع رسميًا -على الأرجح- الحد الأقصى، إلا أنها لا تحتاج إلى ذلك حتى تنجح الخطة، لأن منتقدي القرار يتجاهلون أن هدف الدول غير المشاركة هو الحصول على أقل سعر لشراء النفط، وسيمنحهم سقف السعر نفوذًا إضافيًا في مفاوضاتهم مع روسيا".

وأشارت إلى أنه بالفعل، تشتري الهند والصين ودول نامية النفط الروسي بخصم غير مسبوق، يصل إلى 30 دولارًا للبرميل.

ووصفت المجلة روسيا بأنها "يائسة للغاية" بشأن العثور على مشترين لنفطها، لدرجة أنها تقدم عقودًا طويلة الأجل بأسعار ثابتة وخصم هائل، في محاولة لجني بعض الإيرادات المستقبلية على الأقل.

لكن أحد وزراء الاقتصاد الآسيويين أخبر "فورين بوليسي" سِرًا بأنه يستطيع التفاوض على صفقة أفضل بكثير من عرض روسيا الأولي بخصم قدره 30 دولارًا للبرميل، خاصة أن التمويل والتأمين وشحن النفط الروسي ستكون مقيدة أيضًا بموجب قرار مجموعة السبع، وهو ما يمنحه نفوذًا إضافيًا للضغط للحصول على سعر أقل، ما يؤدي إلى مزيد من التآكل في هامش ربح بوتين.

أما الصين -حسب المجلة- فقد أوضح روبرت هورماتس وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للنمو الاقتصادى والطاقة، أن لديها سياسة طويلة الأمد لتنويع مصادر الطاقة، وهو ما يضع حدًا أقصى لكمية النفط التي يمكن أن تشتريها الصين من روسيا.

 

إمكانية التطبيق

وعن إمكانية تطبيق القرار، بينت "فورين بوليسي" أنه عندما يشير منتقدي القرار إلى تحديات التطبيق، والعقبات اللوجستية، وما يسمى تسرب العقوبات، فإنهم ينسون أن الامتثال لسياسات الحكومة الأمريكية -خاصة العقوبات- يمثل أولوية قصوى لأي شركة عالمية كبرى.

وشددت المجلة على أن خطر التعارض مع العقوبات ينطوي ببساطة على مخاطر أكبر بكثير من الفائدة الهامشية لأخذ كل قرش على الطاولة، لافتة إلى أنه "كانت هناك شكوك مماثلة قبل تنفيذ عقوبات مكافحة تمويل الإرهاب ومبادرات غسل الأموال التي تلت 11 سبتمبر، لكن اليوم، تمتلك كل مؤسسة مالية كبرى المهارات والبنية التحتية اللازمة لضمان الامتثال".

وبالمثل -تضيف المجلة- سيجد القطاع الخاص طريقة للتكيف مع السياسات الجديدة لضمان الامتثال، خاصة أن كبار المديرين التنفيذيين في القطاع الخاص يقولون إنهم يفضلون حدًا أقصى لسعر النفط على البديل، وهو الحظر الشامل، وبذلك يتم تحفيزهم ذلك على التعاون بشكل استباقي.

ورغم ذلك فإن المجلة الأمريكية لم تستبعد (بعض التسريبات) في إمكانية التطبيق، خصوصًا الشركات الصغيرة، التي غالبًا ما تكون مملوكة للقطاع الخاص، والتي تشارك في التمويل والشحن وتجارة السلع، والموجودة في روسيا أو الدول غير المشاركة، في تقديم خدماتها لشحنات النفط الروسي، لكن بمعدلات أعلى، ما يؤدي إلى زيادة الاستفادة من أرباح الكرملين.

هذا فضلًا عن أن المصافي المحايدة ستستمر أيضًا في معالجة الخام الروسي وبيع المنتجات المكررة في السوق العالمية، لكن الأهم أن كل شركة كبرى متعددة الجنسيات لن تكون راغبة في تمويل النفط الروسي وشرائه والاتجار به وشحنه وتأمينه.

على سبيل المثال -حسب المجلة- يقع 90 في المئة من التأمين البحري في الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا، وسرعان ما سيتم استبعاد روسيا، مشيرة إلى أنه مع حظر الموانئ وممرات الشحن وناقلات النفط، ستواجه صادرات النفط الروسية عقبات لوجستية وتأخيرات طويلة.

وكشفت أنه "بالفعل تمت إعادة توجيه النفط الروسي، الذي كان يُشحن من موانئ البلطيق والبحر الأسود إلى أوروبا، إلى آسيا، حيث يستغرق وصوله نحو 30 يومًا"، مشددة على أن كل هذه العقبات تضمن تآكل هامش ربح بوتين بشكل خطير.

 

التضخم

وعن التضخم، وإمكانية أن يؤدي قرار معاقبة الصادرات الروسية إلى ارتفاع شديد في أسعار النفط والبنزين، بينت "فورين بوليسي" أن ما سيحدث هو العكس، مشيرة إلى أنه تم تصميم سقف أسعار النفط بشكل صريح، لمنع الارتفاع الصاروخي في أسعار النفط، الذي قد ينشأ عن الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على النفط الروسي المنقول بحرًا من 5 ديسمبر.

علاوة على ذلك -حسب المجلة- هناك شكوك في قدرة بوتين على تعويض انخفاض الإيرادات لكل برميل من خلال زيادة الإنتاج، مشيرة إلى أن رافضي القرار يتجاهلون أن روسيا من أقل منتجي النفط كفاءة في العالم، ولديها أحد أعلى أسعار التعادل الكامل للتكلفة بين دول أوبك بلس (سعر التعادل في روسيا هو ضعف سعر المملكة العربية السعودية تقريبًا، على سبيل المثال)، ومن ثمّ لا يستطيع بوتين تعويض الأرباح الضائعة بضخ كميات كبيرة، حتى حال رفع سعر النفط الروسي أعلى قليلًا من السعر العادل، لأنه يجب الوضع في الحسبان التكاليف المرتفعة للرحلات الطويلة في المحيط.

أما عن تهديد بوتين بالتوقف عن بيع النفط، ومدى تأثير ذلك عالميًا، فرأت "فورين بوليسي" أنها "مجرد خدعة"، مشيرة إلى أنه رغم أن الكرملين أعلن أن روسيا سترفض إمداد أي دولة تشارك في الحد الأقصى للأسعار، فإن صادرات الطاقة تشكل أكثر من نصف ميزانية الحكومة الروسية، وبذلك فإنه مع تعرض عائدات روسيا من الغاز الطبيعي للانخفاض بشكل كبير، لن يستطيع بوتين إغلاق "حنفيات النفط" في بلاده، بينما يعاني اقتصاده التكاليف المتزايدة للحرب.