لهذه الأسباب... محاولة أردوغان للتقرب من الأسد قد تكون خاطئة

عدم استعداد الولايات المتحدة -على ما يبدو- لتقديم أي شيء للأكراد أكثر من الدعم اللفظي، دفعهم إلى التقارب مع دمشق وروسيا وإيران، حيث توسع دمشق بهدوء وجودها العسكري في المنطقة.

لهذه الأسباب... محاولة أردوغان للتقرب من الأسد قد تكون خاطئة

ترجمات - السياق

رأت مجلة فير أوبزرفر الأمريكية، أن محاولة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتقرب من نظيره السوري بشار الأسد قد تكون خاطئة، مشيرة إلى أنه للسيطرة على الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة، فإن الرئيس التركي على استعداد لوقف الحرب مع خصمه السوري فجأة، في خطوة عالية المخاطر، في وقت تواجه فيه بلاده أزمة اقتصادية وتحديات سياسية.

وبينت المجلة -بتحليل للباحث في شؤون الشرق الأوسط جيمس دورسي- أنه رغم قلة القواسم المشتركة بين أردوغان -الإسلامي القومي- مع دوغو بيرينغيك -الاشتراكي المستقل والمتشدد العلماني المنتمي لأفكار كمال أتاتورك- فإنه أحيانًا ما يلجأ إلى بيرينغيك -الرجل الذي يتمتع باتصالات عالمية في روسيا والصين وإيران وسوريا- للمساعدة في حل القضايا الجيوسياسية الحساسة.

 وأشارت إلى أنه قبل سبع سنوات، توسط بيرينغيك -رئيس حزب الوطن التركي، الموالي للمعسكر الأوراسي- في المصالحة بين روسيا وتركيا، بعد أن توترت العلاقات في أعقاب إسقاط القوات الجوية التركية لمقاتلة روسية.

 

اتفاق سلام

وكشفت "فير أوبزرفر" أن بيرينغيك توجه إلى دمشق، ليهندس تقاربًا مدعومًا من روسيا مع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي شجع أردوغان إطاحته على مدى الإحدى عشرة سنة الماضية، منذ اندلاع مظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة تحولت إلى حرب أهلية دامية.

ورأت المجلة أن هناك احتمالات تبرز أن جهود بيرينغيك ستكون أكثر نجاحًا مما كانت عليه، عندما حاول آخر مرة عام 2016 رأب الصدع بين أردوغان والأسد، لكنه تعثر في النهاية، بسبب رفض الرئيس التركي التخلي عن إصراره على أن الرئيس السوري يجب أن يرحل.

وأشارت إلى أن مواقف أردوغان المتشددة تجاه الأسد "يبدو أنها تغيرت"، إذ خرج مؤخرًا ليعلن إصراره على أن تركيا بحاجة إلى الحوار مع حكومة الأسد، قائلًا: "ليست لدينا مشكلة سواء هزمنا الأسد أم لا… عليك أن تقبل أنه لا يمكنك قطع الحوار السياسي والدبلوماسية بين الدول، يجب أن تكون هناك هذه الحوارات، نحن لا نطمع في الأراضي السورية، لكن سلامتها مهمة بالنسبة لنا، يجب أن يكون النظام على عِلم بذلك".

وبينت المجلة أن استعداد أردوغان لدفن ما سمتها "بلطة الحرب" تجاه الأسد، جاء بعد فشله في حشد القبول الروسي والإيراني في عملية عسكرية تركية جديدة شمالي سوريا.

كانت العملية تهدف إلى ضمان عدم إنشاء الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة، الذين تعدهم تركيا إرهابيين، منطقة كردية تتمتع بالحكم الذاتي على الحدود التركية، مثل منطقة الحكم الذاتي الكردية شمالي العراق.

وحسب المجلة، كانت تركيا تأمل أن تسمح لها العملية بإنشاء منطقة عازلة بطول 30 كيلومترًا تسيطر عليها قواتها ووكلاؤها السوريون على الجانب السوري من الحدود بين البلدين.

بينما أجبر رفض روسيا وإيران دعم المخطط، الذي كان سيقوِّض سلطة حليفهما الأسد، تركيا على قِصر عمليتها على قصف مواقع عسكرية كردية وسورية.

 

تحول التحالفات

وأشارت "فير أوبزرفر" إلى أن عدم استعداد الولايات المتحدة -على ما يبدو- لتقديم أي شيء للأكراد أكثر من الدعم اللفظي الضئيل، دفعهم إلى التقارب مع دمشق وروسيا وإيران، حيث توسع دمشق بهدوء وجودها العسكري في المنطقة.

وأفادت بأنه طالما اعتمدت الولايات المتحدة على الأكراد في مواجهة "داعش" شمالي سوريا.

أمام ذلك، -حسب المجلة- تستمر إعادة تنظيم العلاقات والتحالفات في سوريا على المستويين الدبلوماسي والعسكري.

ورأت أن الهجمات التركية وردود فعل قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردي "تبدو مواجهات عسكرية"، إلا أن جوهرها "رسم سياسي لخطوط القتال"، تحسبًا لتغيير العلاقات التركية والكردية مع حكومة الأسد.

فمن خلال استهداف القوات العسكرية السورية، تشير تركيا إلى أنها لن تقف مكتوفة اليدين، وسوف تستهدف القوات العسكرية السورية، إذا دعمت سوريا الأكراد أو وفرت لهم غطاءً.

وفي حين يظهر الاستهداف الكردي غير المسبوق للقوات التركية أن الأكراد تبنوا خططًا قتالية جديدة، تشير تركيا إلى أنها تحتفظ بحقها في استهداف القوات الكردية متى شاءت، مثلما تفعل شمالي العراق.

وترى المجلة الأمريكية، أن أردوغان والأكراد يتبعان "رهانات خطيرة"، مشيرة إلى أن الأكراد -رغم كل الصعاب- يأملون أن يرد الأسد فضلهم بالسماح له بتحقيق هدفه المتمثل في السيطرة على أجزاء من سوريا كانت خاضعة للمتمردين، وإجبار القوات الأميركية على الانسحاب من المنطقة، وذلك بمنح الأكراد درجة من الاستقلالية (الحكم الذاتي).

بينما يأمل أردوغان أن يساعده الأسد في تلبية المشاعر القومية المُعادية للأكراد والمهاجرين، من خلال السيطرة على المناطق الكردية، مع اقتراب موعد الانتخابات في تركيا العام المقبل.

ووفقًا للمجلة، تريد تركيا إعادة نحو أربعة ملايين لاجئ، معظمهم من السوريين الذين تستضيفهم.

كانت  وزارة الداخلية التركية أعلنت -مطلع أغسطس الماضي- أنها أكملت بناء أكثر من 60 ألف منزل لعودة اللاجئين إلى شمالي شرق سوريا.

 

صفقة محتملة

وحسب "فير أوبزرفر" أثار القلق بشأن صفقة محتملة مع الأسد، ودعوة من وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو للمصالحة بين جماعات المعارضة ودمشق، احتجاجات مناهضة لتركيا في المناطق التي تسيطر عليها شمالي سوريا، وكذلك إدلب التي يسيطر عليها المتمردون.

 وتتوقع تركيا أيضًا من الأسد، الذي يحرص على استعادة الأراضي مع الحفاظ على سلطة مركزية، أن يقمع -نهاية المطاف- الجماعات الكردية المسلحة والجهود المبذولة للحفاظ على المناطق الكردية الخاضعة للحكم الذاتي.

وتشدد المجلة الأمريكية، على أنه نتيجة لذلك، فإن أمام بيرينغيك مهمة صعبة، حيث إن الفجوة بين التطلعات التركية والسورية واسعة، إذ يريد الأسد انسحابًا للقوات التركية وعودة السيطرة السورية على المناطق الكردية والمعارضة، بينما من غير المحتمل أن يكون راغبًا أو قادرًا على توفير نوع الضمانات الأمنية التي قد تطلبها تركيا.

أمام هذه المعضلة -حسب المجلة- وجد الأكراد وأردوغان أنفسهم في معضلة لا مفر منها بسبب ظروف متضاربة، فقد يُترك الأكراد بلا خيارات إذا نجح التقارب التركي السوري، أو في مواجهة هجوم تركي إذا فشل.

وبالمثل، فإن المصالحة بشروط مقبولة لدى أردوغان، قد تكون معجزة.

وأشارت المجلة إلى أنه "سواء اتفق مع الأسد أو تصاعد العنف شمالي سوريا، فإن أردوغان يُخاطر بإثارة موجة جديدة من اللاجئين تشق طريقها إلى تركيا في وقت لا يستطيع تحمله اقتصاديًا وسياسيًا".

وعلى حد تعبير المحلل كمال علم، فإن مشكلة أردوغان أنه "لا يمتلك الكثير من الوقت قبل الانتخابات المقبلة، لحل المعضلة الصعبة المتمثلة في سوريا، أما الأسد فإن بإمكانه الانتظار حتى النهاية، لأنه بعد فشل تركيا -مرة أخرى- في العثور على طريق الخروج من ورطة الشمال الشرقي، فإن أردوغان سيكون في حاجة إلى الأسد أكثر من حاجة الأسد إلى أردوغان".