مناورة إخوانية.. منشقون من حركة النهضة يتجهون لتأسيس حزب جديد

هل يقبل الشارع التونسي، بحزب يخرج من عباءة حركة النهضة التي وجِّهت لها اتهامات بالفساد، كان آخرها التحقيق في تلقي تمويلات خارجية من جهات غير معلومة، بما يخالف التشريعات التونسية؟

مناورة إخوانية.. منشقون من حركة النهضة يتجهون لتأسيس حزب جديد

السياق

يعتزم عدد من القيادات السابقة في حركة النهضة، تأسيس حزب جديد، في مناورة للعودة إلى المشهد السياسي، بعد خسارة الحركة الإخوانية معاركها أمام الرئيس التونسي قيس سعيد، والقرارات الاستثنائية التي أصدرها لإصلاح المسار الديمقراطي.

ويبقى السؤال: هل يقبل الشارع التونسي، بحزب يخرج من عباءة "النهضة" التي وجِّهت لها اتهامات بالفساد، كان آخرها التحقيق في تلقي تمويلات خارجية من جهات غير معلومة، بما يخالف التشريعات التونسية؟

قيادات تاريخية

عبد الفتاح مورو، القيادي التاريخي المنشق عن حركة النهضة، واحد من الأسماء التي طُرحت بشدة، التي أعلنت استعدادها لتأسيس حزب سياسي.

مورو، خرج من الحياة السياسية، في بيان رسمي نشره منتصف عام 2020، بعد جملة من الانتقادات التي تعرَّض لها، قبل إعلان تخارجه من الحياة السياسية.

القيادي الإخواني التونسي، الذي يطرح نفسه الآن، منافسًا لحركة النهضة، كان قد قال في بيان انسحابه من الحياة السياسية: "قررت الانسحاب بشكل نهائي من العمل السياسي مهما كان"، لافتًا وقتها إلى أن عمره 72 عامًا، وأن الساحة السياسية تحتاج أناسًا أصغر منه سنًا وأكثر وعيًا وإدراكـًا.

عبد اللطيف المكي، أحد القيادات التاريخية المؤثرة في حركة النهضة أيضاً، الذي أعلن انشقاقه عن الحركة، يطرح نفسه عبر حزب جديد بديلًا للحركة، لخوض غمار الحياة السياسية.

كانت حركة النهضة، شهدت استقالات جماعية في ما وصف بـ"زلزال" على خلفية تمسُّك زعيمها راشد الغنوشي، رئيس البرلمان التونسي المجمَّد، برأيه العائق لحل الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد، حين تقدَّم 113 من أعضاء حركة النهضة الإخوانية باستقالتهم، بينهم قيادات بالصف الأول، وحمَّلوا الغنوشي مسؤولية ما وصلت إليه الحركة من عزلة في الساحة الوطنية، بجانب تحميله قدرًا من المسؤولية، في ما انتهي إليه الوضع العام بالبلاد من تردٍّ واضح.

 

مصداقية الحزب

"صعود مورو لرئاسة حزب إسلامي جديد، يتناقض مع ما قاله عام 2020 وينسف مصداقية الحزب الجديد"، هكذا يقول محمود علي، باحث دكتوراه في الجماعات المتطرفة بإسطنبول لـ"السياق".

ويؤكد أنه "قبل أن يرى الحزب الجديد النور، حتى لو كان مورو رئيسًا شرفيًا أو انتقاليًا، سينصرف نظر الناس تلقائيًا إلى تجربة الإسلاميين في الحياة الحزبية، وأنهم لا يتمسكون بوعودهم، ولا بما يقطعونه على أنفسهم من قرارات"، مشيراً إلى أن الرجل بتوليه حزب جديد، أو حتى انخراطه فيه، سيصبح أمام الرأي العام التونسي في حالة تناقض.

أما بخصوص الحزب الجديد، فيقول علي إنه أعلِن عنه من القيادي المُستقيل من حركة النهضة عبداللطيف المكي والمستقيلين من الحركة، وأضاف: "هذه ليست المشكلة في الحقيقة، لكن الرجل المستقيل من حزب النهضة، الذي اختلف مع رئيسها واتهمه بالديكتاتورية وعدم مجاراة المشهد السياسي، يقول إن حزبه الجديد سوف يستقي بعض أفكار النهضة".

وتابع: "في عالم السياسة، لا يوجد ما يعرف بخروج أحزاب سياسية للنور تكملة لأحزاب أخرى، إلا لو كانت حديقة خلفية للحزب القائم، الذي خسر شعبيته السياسية لأسباب شتى، وفي تقديري أن الحزب الجديد لإخوان تونس، المزمع إنشاؤه يمتلك مقومات فشله قبل أن يرى النور".

الشارع التونسي

وأشار محمود علي، إلى أن الأمر الآخر الذي تحدث عنه المكي، أن الحزب سوف يكون ذا مرجعية إسلامية، وأضاف: "في اعتقادي أن المشهد التونسي ليس بحاجة إلى تجربة إسلامية جديدة، في ظل الانطباع العام عن النهضة والإسلاميين، وأنهم المسؤولون -طوال عشر سنوات- عمّا لحق بالبلاد من أزمات اقتصادية وسياسية.

وأكد أن تأسيس الحزب، سيخصم جزءًا من شعبية "النهضة" لكنه لن يكون قادرًا على الوصول إلى الشارع التونسي، وجذب مريدين جدد بسبب كره الشارع التونسي للإسلاميين، وعدم اقتناعهم بالاتكاء على حزب إسلامي جديد، ودعمه وإعادة الكرة.

وقال الباحث المتخصص في حركات الإسلام السياسي، إنه لا مجال للحديث عن إعادة تدشين الحركة، في ظل وجود الغنوشي، وأضاف: "هو الذي كان يجب عليه الرحيل، بعد ما حدث من إخفاق، ولجوء قيس سعيد إلى إجراءاته، لكن الرجل رضي أن يخرج العشرات من الحركة مستقيلين، ويظل هو على رأس النهضة، رغم كبر سنه، وتجربته التي لم تحقق أي نجاح يذكر، في إدارة الحركة وإدارة أغلبية البرلمان وكذلك رئاسته".

أما بخصوص تفكيك إخوان تونس، فيرى أن التنظيمات والحركات، صاحبة الباع الطويل في الحياة السياسية، تأخذ وقتًا طويلًا للتفكك والتحلل، إذا ما توفرت الأسباب الجذرية لذلك، لكن الإسلاميين في المنطقة عمومًا -بطبيعة الحال- اعتادوا مثل هذه الأجواء، وقادرون على تسويق خطاب داخلي للقواعد، يجمع ولا يفرِّق، وقادرون كذلك على ضمان استمرار كتلة الحركة البشرية، لحين عبور مثل هذه الإخفاقات.

 

إعادة تأهيل

أحمد بان، الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات الإرهابية، قال لـ"السياق": "مورو يدرك أنه لم يعد بالإمكان إعادة تأهيل حركة النهضة الإخوانية سياسيًا، في ظل وجود الغنوشي ومجموعته، عبر شق طريق بديل على طريقة أربكان مع أردوغان".

وتابع: "أتصور أن مورو يستطيع بناء حالة حزبية مختلفة، وقد يدخل لحزبه العديد من أعضاء النهضة، بالشكل الذي قد يجعل الحركة القديمة في وضع أقرب إلى حزب السعادة التركي، وهنا أيضاً سيناريو آخر يعبِّـر عن تصارع مورو والغنوشي، على قيادة الإسلام السياسي في تونس، من دون أن يحسم أحدهما الصراع لصالحه".

السيناريو الثالث، بحسب بان، يتمثل في أن تذهب تجربة الإسلام السياسي في تونس، إلى النهاية المحتومة لكل محاولة للجمع بين الدعوي والسياسي.

 

رفض شعبي

محمد الصافي الجلالي، المتحدث السابق باسم حزب المبادرة الدستورية التونسي، قال لـ"السياق": الشيخ عبد الفتاح مورو ليس هو الذي يستعد لتأسيس الحزب، لكن أعلن عنه عبداللطيف المكي، حيث قال إن المجموعة المنسحبة من حركة النهضة، تعتزم تأسيس حزب جديد.

وهنا يرى السياسي التونسي، أنه هذه الخطوة إذا تمت، ستكون من أشكال تحايل حركة النهضة، لأنها تخشى حل الحزب، على خلفية الدعوى المقامة في القضاء المالي، بشأن تلقيها تمويلات أجنبية لشبكات الدعم لديها في الخارج.

عبداللطيف المكي، قيادي مؤثر سابق في حركة النهضة، لكن يعتقد الجلالي أن "الحركة الإخوانية إذا بدَّلت ثوبها مئات المرات، لن تحظى بدعم وتعاطف التوانسة، بعد التجربة التي عاناها الشعب".

وأكد أن "الحركة تقابَل في الشارع التونسي بحالة رفض شعبي، رغم أنصارها الذين يعدون سببًا لاستمرارها شعبيًا، لكن ليس بالشعبية نفسها التي حظيت بها في الانتخابات السابقة".

ويعتقد المكي، أن حركة النهضة سوف تخرج عنها أحزاب عدة، لذلك لن تصبح بالقوة التي كانت عليها.