تعطيل الرقائق الإلكترونية... السلاح الأخير للغرب لوقف مغامرة بوتين
روسيا تتعرض -في حربها ضد أوكرانيا- للاختناق بسبب العجز التكنولوجي الحاد، الذي سببته العقوبات الغربية عليها.

ترجمات - السياق
رأت صحيفة بوليتيكو الأمريكية، أن رقائق أشباه الموصلات عالية التقنية، قد تكون الأداة الحاسمة في أيدي الغرب، لوقف ما سمتها "مغامرة" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في حربه ضد أوكرانيا، التي تدخل شهرها السابع.
وأشارت إلى أن روسيا تتعرض -في حربها ضد أوكرانيا- للاختناق بسبب العجز التكنولوجي الحاد، الذي سببته العقوبات الغربية عليها.
كانت دراسة أجراها باحثون من جامعة ييل الأمريكية، بينت أن تأثير العقوبات الغربية في الاقتصاد الروسي أكبر بكثير مما تظهره الأرقام الرسمية، مؤكدة أيضًا أن "التحول إلى الصين" غير واقعي.
وأوضحت الدراسة أن مغادرة الشركات العالمية لروسيا والعقوبات "تشل الاقتصاد الروسي على المديين القصير والطويل" خصوصًا أن موسكو تجد صعوبات بالغة في توفير "قطع غيار ومواد أولية أو تقنيات أساسية".
الذخائر البدائية
وأشارت "بوليتيكو" إلى أنه أمام قلة وجود "رقائق أشباه الموصلات عالية التقنية"، أجبرت موسكو على الاعتماد بشكل متزايد على المخزونات القديمة من الذخائر البدائية من الحقبة السوفيتية، بعد إطلاق روسيا قوة نارية أكثر مما توقعت في الحرب الدائرة الآن.
أمام ذلك، تدرك كييف جيدًا -حسب الصحيفة- أن نتيجة الحرب من المرجح أن تتوقف على ما إذا كانت روسيا ستجد طريقة لاستعادة الوصول إلى الرقائق عالية التقنية.
وشددت على أن "كييف تعمل على ضمان عدم حصول موسكو على هذه الرقائق، إذ ترسل تحذيرات دولية مفادها أن الكرملين وضع قوائم تسوق لأشباه الموصلات والأغلفة والترانزستورات والعوازل، وغيرها من المكونات التي تحتاج إليها لتغذية مجهودها الحربي".
ولفتت الصحيفة إلى أن معظم هذه المكونات من صُنع شركات في الولايات المتحدة، وألمانيا، وهولندا، والمملكة المتحدة، وتايوان، واليابان، التي شاركت في العقوبات ضد موسكو.
وأوضحت أن الرسالة الواضحة هي "لا تدع الروس يضعون أيديهم على هذه الأدوات".
وبينت "بوليتيكو" أنها اطلعت على إحدى قوائم المكونات التي ترغب موسكو في تسوقها، والتي تم تقسيمها إلى ثلاث فئات ذات أولوية، من المكونات الأكثر أهمية إلى الأقل، حتى أنه يشمل السعر لكل عنصر تتوقع موسكو دفعه.
وأضاف تقرير الصحيفة أنه في حين لم تتمكن "بوليتيكو" من التحقق بشكل مستقل من مصدر القائمة، أكد خبيران في سلاسل التوريد العسكرية "أنها تتماشى مع نتائج بحثية أخرى للمعدات والاحتياجات العسكرية الروسية".
التكنولوجيا الأكثر حساسية
ونوهت "بوليتيكو" إلى أن الهدف -الذي حدده الغرب- هو "ينبغي ألا تكون روسيا قادرة على الحصول على التكنولوجيا الأكثر حساسية في هذه القوائم".
وأشارت إلى أن الكرملين اعتمد -خلال السنوات الماضية- على اللاعبين الرئيسين في إنتاج أشباه الموصلات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان كموردين، لافتة إلى أن صعوبة منع موسكو من الحصول على تلك الرقائق، تكمن في إمكانية شراء دولة وسيطة مثل الصين هذه التقنيات، ثم بيعها إلى روسيا.
ورأت أن الروس في مرحلة حرجة، إذ بدأوا يخرجون الرقائق من الأجهزة المنزلية مثل الثلاجات.
ونقلت الصحيفة عن رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال، تأكيده أن الحرب وصلت إلى نقطة انعطاف، حيث أثبت التفوق التكنولوجي أنها "حاسمة"، مضيفًا: "وفقًا لمعلوماتنا، أنفق الروس ما يقرب من نصف ترسانتهم من الأسلحة".
وأضاف أن أوكرانيا قدرت أن روسيا لا تملك سوى نحو أربعة عشر صاروخًا تفوق سرعة الصوت "شديدة الدقة"، بسبب نقص الرقائق الدقيقة التي تمتلكها، مشيرًا إلى أن العقوبات المفروضة على روسيا، توقف تسليم معدات الرقائق الدقيقة هذه، وأن مخزوناتهم على وشك النفاد.
قائمة الرقائق
أما عن قائمة الرقائق التي تحتاج إليها روسيا، فأوضحت "بوليتيكو" أن معظم الـ 25 عنصرًا التي تبحث عنها روسيا، شرائح ميكروية تصنعها الشركات الأمريكية مارفيل وآنتيل و هولت وآي إس إس آي وميكروشيب، وميكرون وبرودكوم وتكساس إنسترومنتس.
وتكمل القائمة -حسب الصحيفة- رقائق من شركة رينيسانس إلكترونيكس اليابانية، ومقرها الولايات المتحدة، وشركة إنفنيون الألمانية، التي استحوذت على شركة سايبريس الأمريكية، فضلًا عن الدوائر الدقيقة من شركة فيكور الأمريكية، وموصلات من شركة آير بورن الأمريكية.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه رغم إمكانية العثور على بعض العناصر بسهولة مع تجار التجزئة للإلكترونيات عبر الإنترنت، فإن البعض الآخر نفد منذ أشهر نتيجة النقص العالمي في الرقائق الدقيقة.
وأضافت: "يبدو أن أرخص عنصر في قائمة الأولويات القصوى، وهو جهاز الإرسال والاستقبال 88E1322-AO-BAM2I000 غيغابت إيثرنت، الذي صنعته شركة مارفل إنترتينمنت، والذي يمكن الحصول عليه من موسكو بـ 430.83 روبل للقطعة، أو قرابة 7 يورو".
أما أغلى عنصر، فمصفوفة بوابة قابلة لبرمجة ميدانية تسمى "10M04DCF256I7G" من إنتاج شركة إنتل، يمكن الحصول عليه بـ 66815.77 روبل أو نحو 1107 يورو، ووفقًا للقائمة (قبل نقص الرقائق، كانت تكلفتها أقل من 20 يورو).
وأظهرت القائمة أن الروس يبحثون أيضًا عن مجموعة من أغلفة وموصلات هارتنغ، بما في ذلك 09 030006201 و 09 03000 6104، إضافة إلى Nexperia / NXP's 74LVC1G14GV ، و125 عاكسًا و 74LVC244APW ، 112 سائقًا عازلة/ خطًا ثمانيًا.
ونقلت الصحيفة عن جيمس بيرن، مدير الاستخبارات والتحليل بمركز أبحاث الدفاع والأمن الرائد "روسي" قوله: من المحتمل أن تكون روسيا قد اشترت مخزونًا كبيرًا من الرقائق الغربية والمعدات الأساسية منذ سنوات، إلا أنه على وشك النفاد.
وأوضح أن برنامج المشتريات العسكرية الروسية "واسع النطاق وممول بشكل جيد، ولديهم قاعدة عسكرية وصناعية ضخمة تنتج المواد، لكنهم استنزفوا الكثير منها في أوكرانيا، وفي حاجة ماسة إلى كمية أكبر من الإمدادات الجديدة"، مشيرًا إلى أن العقوبات ستزيد الأمر تعقيدًا، لذا عليهم منح الأولوية للأشياء الحرجة، قبل أن يجدوا أنفسهم في وضع يصعب الخروج منه.
ثقوب في الحصار
وأشارت "بوليتيكو" إلى أنه منذ غزوها الأخير لأوكرانيا في فبراير الماضي، شددت الدول الغربية العقوبات على روسيا، مستهدفة -بشكل متزايد- سلاسل التوريد الخاصة بها من الرقائق الدقيقة لتقليل قدراتها العسكرية.
وبينت أن العقوبات الجديدة تأتي على رأس سنوات من الضوابط الأكثر صرامة على مبيعات الرقائق، التي غالبًا ما تندرج تحت "السلع ذات الاستخدام المزدوج" لأنها تستخدم في التطبيقات العسكرية والمدنية، بموجب الاتفاقيات الدولية مثل ترتيب فاسينار وكذلك قانون الاتحاد الأوروبي الأخير.
من جانبها، نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن الخبير العسكري داميان سبليترز، قوله: "رأينا أن روسيا تعيد استخدام المكونات الإلكترونية نفسها عبر أسلحة متعددة، بما في ذلك أحدث صواريخ كروز وطائرات الهليكوبتر الهجومية، ولم نتوقع رؤية ذلك".
وأوضح أن "الأسلحة الروسية الموجهة مليئة بالتكنولوجيا والمكونات غير الروسية ومعظم رقائق الكمبيوتر التي وثقناها صنعتها دول غربية بعد عام 2014".
ومع أنه من غير الواضح كيف حصلت روسيا على هذه الأجزاء، فقد وجه سبليترز تساؤلات إلى مصنعي أشباه الموصلات مفادها كيف انتهى المطاف ببضائعهم داخل الأسلحة الروسية، سواء من خلال المعاملات المشروعة أم عمليات الشراء غير المباشرة، التي تم إعدادها للالتفاف على العقوبات.
وقال ديدريك كوبس، الباحث البارز في تصدير وتجارة الأسلحة بمعهد السلام الفلمنكي، وهو منظمة بحثية مرتبطة بالبرلمان الفلمنكي لصحيفة بوليتيكو: "بمجرد مغادرة الرقائق للمصنع، من الصعب جدًا معرفة أين ستنتهي".
وأضاف: ""دول مثل كوريا الشمالية وإيران لديها سنوات من الخبرة للالتفاف على العقوبات، ومن المؤكد أن روسيا ستكون قد أعدت نفسها للتعامل مع هذا الأمر خلال الأشهر الماضية"، مشيرًا إلى أنه يمكن للروس أيضًا الاعتماد على الخبرة التاريخية لإنشاء هذه القنوات، متابعًا: "لقد كان أمرًا روتينيًا خلال الحرب الباردة، ولها حدود طويلة مع دول مجاورة وشبكة كبيرة من الدول الحليفة للعمل معها".