بـ 385 مليار دولار.. ديون مخفية تهدد مبادرة الحزام والطريق الصينية
العديد من قروض مبادرة الحزام والطريق الصينية، لم يُكشف عنها بشكل كافٍ للبنك الدولي، وأبعِدت عن الميزانيات العمومية الصينية، عن طريق إدراجها كقروض ذات أغراض خاصة وقروض شبه خاصة.

ترجمات – السياق
يبدو أن مبادرة الحزام والطريق الصينية، باتت مهددة، إذ كشف تقرير نشرته صحيفة ناشيونال بوست الكندية، أن المبادرة حمَّلت عشرات الدول، ذات الدخل المنخفض والمتوسط، أعباء ديون خفية تتجاوز 385 مليار دولار.
وأشارت الصحيفة، إلى أن الالتزامات المالية لعدد من البلدان المرتبطة بالمبادرة، التي تميِّـز السياسة الخارجية للرئيس شي جين بينغ، لم يُكشف عنها بشكل منتظم، وأدى ذلك إلى تراكم ديون خفية أو التزامات غير معلنة.
وأوضحت "ناشيونال بوست"، أن النتائج جزء من تقرير نشره AidData، وهو مختبر أبحاث تطوير دولي مقره كلية ويليام وماري في ولاية فيرجينيا، الذي حلل أكثر من 13000 مشروع ممول من خلال المساعدات والقروض بأكثر من 843 مليار دولار في 165 دولة، لأكثر من 18 عامًا حتى نهاية 2017، مشيرة إلى أن بين هذه الدول، 42 دولة نامية لديها الآن ديون للصين تتجاوز 10% من إجمالي ناتجها المحلي السنوي.
ووجد AidData أن العديد من قروض مبادرة الحزام والطريق الصينية، لم يُكشف عنها بشكل كافٍ للبنك الدولي، وأبعِدت عن الميزانيات العمومية الصينية، عن طريق إدراجها كقروض ذات أغراض خاصة وقروض شبه خاصة.
وأشارت الصحيفة، إلى أن 385 مليار دولار من القروض الصينية غير مدرجة في الاقتراض الرسمي للدول، أو ما يقرب من نصف الإقراض الصيني الخارجي لبناء الطرق والسكك الحديدية ومحطات الطاقة، موضحة أن هذا الدين المخفي أصبح أكثر شيوعاً، لأن المقرضين يمولون النشاط من خلال الشركات ذات الأغراض الخاصة بدلاً من الحكومات المضيفة.
قروض خيالية
وكشفت "ناشيونال بوست" أن باحثي AidData قدَّروا الديون الحالية، الناشئة عن الإقراض الصيني، بأكبر بكثير مما كانت تعلمه وكالات التصنيف الائتماني والمنظمات الحكومية الدولية الأخرى، التي تتحمَّل مسؤوليات المراقبة.
وذكر AidData أن المنظمات العالمية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، كانت على دراية بالمشكلة، لكن التقرير حدد حجم ما لم يتم الإبلاغ عنه.
ووجدت بيانات AidData أن الإقراض الصيني الخارجي، تغير بشكل كبير من قروض حكومية إلى أخرى، مشيرة إلى أن ما يقرب من 70 في المئة من التمويل، يذهب إلى الشركات والبنوك والمشاريع المشتركة والمؤسسات الخاصة، بدلًا من الحكومات.
وقدَّر التقرير أن 35% من مشاريع الصين للبنية التحتية في الخارج، واجهت مشكلات كبيرة مثل فضائح الفساد وانتهاكات العمل والمخاطر البيئية والصدمات العامة، ويربط AidData ما يقرب من 400 مشروع بـ 8.3 مليار دولار بالجيش الصيني.
إلى ذلك، كشف التقرير تفاصيل 843 مليار دولار من القروض الصينية لـ13427 مشروعاً في المقام الأول، بين عامي 2000 و2017، الكثير منها مرتبط بخطة الحزام والطريق التي بدأت عام 2013.
عقود غامضة
من جانبه، قال براد باركس، المدير التنفيذي لفريقAidData، لـ "ناشيونال بوست": «لقد شعرت بالذهول عندما اكتشفنا لأول مرة رقم 385 مليار دولار»، مشيرًا إلى أن معظم هذه الديون لا تظهر في الميزانيات العمومية للبلدان النامية، مضيفًا: "الشيء الرئيس هو أن معظم هذه الدول تستفيد من الأشكال الصريحة أو الضمنية لحماية مسؤولية الحكومة المضيفة، وهذا يؤدي إلى عدم وضوح التمييز بين الدينين العام والخاص".
وأوضح أن العقود غامضة، وأن الحكومات نفسها لا تعرف القيم النقدية التي تدين بها للصين، وقال باركس: رغم أن الخرافة الإعلامية التي تبلورت بمرور الزمن، أن الصينيين يحبون الضمانات على الأصول المادية غير السائلة، فإن أحدث الدراسات تشير إلى أن ضمان الأصول السائلة أمر شائع.
وأردف باركس: "صحيح أن جهات الإقراض الصينية المملوكة للدولة تفضل الضمانات القوية، إذ نجد أن 44 في المئة من محفظة الإقراض الإجمالية كانت مضمونة، وعندما تكون المخاطر عالية حقًا، عندها يطلبون الضمانات، لكن ما يحدث هو أن البنك الصيني المملوك للدولة، مصمم على مطالبة المقترضين بالحفاظ على حد أدنى من الرصيد النقدي في حساب مصرفي خارجي، أو حساب ضمان، يتحكم فيه المُقرض نفسه".
ورأى أن مثل هذه الالتزامات الطارئة من الديون المستترة، تهديد محتمل لعدد من البلدان، وأضاف أن التحدي المتمثل في إدارة الديون الصينية المخفية، لا يتعلق بمعرفة أنك ستحتاج إلى خدمة ديون غير معلنة بقيم نقدية معروفة للصين، فالأمر يتعلق أكثر بعدم معرفة القيمة النقدية للديون المستحقة لها.
دول مهددة
وذكرت "ناشيونال بوست"، أن الحكومة الصينية طورت مبادرة الحزام والطريق عام 2013 للاستثمار في البنية التحتية العالمية، في العديد من البلدان والهيئات الدولية، بما في ذلك البلدان ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط في جميع أنحاء آسيا الوسطى وإفريقيا، اشتركت في برنامج الاستثمار المميز للرئيس الصيني شي جين بينغ، لكن الديون المتراكمة دفعت البعض إلى إعادة التفكير في الصفقة.
ووجد التقرير أن دولًا بينها لاوس وبابوا غينيا الجديدة وجزر المالديف وبروناي وكمبوديا وميانمار، مدرجة في قائمة الدول التي تتجاوز ديونها للصين 10 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي.
وذكر التقرير أن AidData صنَّفت أجزاء كبيرة من الديون المتراكمة على لاوس بأنها "ديون خفية"، مشيرًا إلى أن مشروع السكك الحديدية بين الصين ولاوس يموَّل بـ 5.9 مليار دولار أمريكي من خلال ديون غير رسمية، تعادل ما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
كما وجد AidData أن بكين كانت تقرض أكثر للبلدان ذات الأداء الضعيف، في ما يتعلق بالمقاييس التقليدية للجدارة الائتمانية مقارنة بالمقرضين الدوليين الآخرين، لكنها تتطلب معدلات فائدة أعلى بكثير مع فترة سداد أقصر.
وقال التقرير: بكين أكثر استعدادًا لتمويل المشاريع في البلدان الخطرة أكثر من الدائنين الرسميين الآخرين، لكنها أيضًا أكثر عدوانية من أقرانها، بوضع نفسها في مقدمة خط السداد (من خلال الضمانات).
قروض عالية المخاطر
وأوضح التقرير أن باكستان، على سبيل المثال، كانت لديها قروض صينية بمتوسط أسعار فائدة 3.76 في المئة، مقارنة بمعدل قرض مرتبط بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يبلغ 1.1 في المئة.
وتعليقًا على ذلك، قال بيتر كاي، الباحث في معهد لوي ومقره أستراليا، لصحيفة غارديان البريطانية: "الكثير من البنوك لن تقرض باكستان في ما بعد، لأن المبدأ يقول: (إذا كنت قادرًا على الحصول على قرض، فعليك دفع علاوة المخاطر الأعلى).
وأوضح التقرير، أنه عام 2018، وجد مركز التنمية العالمية أن جيبوتي وقيرغيزستان ولاوس وجزر المالديف ومنغوليا والجبل الأسود وباكستان وطاجيكستان –وهذه من أفقر البلدان في مناطقها- ستكون مَدينة بأكثر من نصف جميع ديونها الخارجية للصين.
وفي ذلك، رأى العديد من الخبراء أن القروض الضخمة للبلدان عالية المخاطر، أدت إلى "دبلوماسية دفتر الديون"، حيث يتنازل المدينون عن ملكية أو السيطرة على الأصول الرئيسة لبكين.
وبالفعل، ذكرت صحيفة الغارديان أن حكومة سريلانكا، على سبيل المثال، أجَّرت ميناء لشركة صينية 99 عامًا، بعد معاناتها في سداد المدفوعات.
فساد وندم
وأشار التقرير إلى أنه لم يُسمح بمصادرة الأصول بدلاً من السداد، إلا في القروض الحكومية المباشرة، لكن الترتيبات المتزايدة مع الشركات ذات الأغراض الخاصة وغيرها من المقرضين شبه الخاصين، أدت إلى سحب المدفوعات من الإيرادات التي حققتها المشاريع الممولة.
وأوضح أن انتقادات عدم الشفافية وتقارير الفساد داخل مشاريع مبادرة الحزام والطريق، أشعلت معارضة بعض الحكومات مع ندم المشترين، ما أدى إلى تباطؤ إقراض مبادرة الحزام والطريق في السنوات الأخيرة.
وقال باركس لـ "فرانس 24": ما نراه الآن في مبادرة الحزام والطريق هو ندم المشترين"، مضيفًا: "العديد من القادة الأجانب الذين كانوا حريصين على القفز في عربة الحزام والطريق، يعلقون مشاركتهم الآن أو يلغون مشاريع البنية التحتية الصينية، بسبب مخاوف عدم تحمُّل أعباء الديون".
وأشار التقرير، إلى أنه عام 2019، وعد شي بزيادة الشفافية في الاستقرار المالي للبرنامج، وتعهد بـ "عدم التسامح مع الفساد".
بينما أعلنت مجموعة الدول السبع، التي تضم فرنسا وكندا وألمانيا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مبادرة خضراء في يونيو، لمواجهة إصرار شي المتزايد على تنفيذ مخطط البنية التحتية العالمية، كمحاولة لإنقاذ بعض هذه الدول من الوقوع في براثن الصين.